مروان سوداح يكتب :زيتون الأردن في الصين!


زيتون الأردن في الصين!
الأكاديمي مروان سوداح*
 تطورات مُفرِحَة أن تدخل الصين إلى حقل زيتون وزيت الأردن. صحيح أن العلاقات الأردنية الصينية متطورة ومزدهرة على كل المستويات، ضمنها الصِلات الطيبة التي تربط سيدي جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم بفخامة الرئيس الصديق والحليف شي جين بينغ، إلا أننا لم نسمع خلال سنوات العلاقات بين البلدين الصديقين (منذ1977)، أن الصين أقدمت على خطوة متميزة "زراعياً" كالخطوة الحالية بدخولها الشجاع إلى سوق الزيتون الأردني. فالزيتون ثمرة تشتهر زراعتها في الوطن وبلدان عربية أخرى، وهي نبتة مُقدّسة تاريخياً، وتخدمها الأيدي والعقول العربية من الخليج إلى المحيط بكل رفق وحنو، وبفائض من العناية وكثير من المحبة، بحيث لا تتمتع بهذا العطف و (التآخي) أية شجرة أخرى.
 واتصالاً بهذا (الفضاء الزيتوني)، نظّمت السفارة الصينية في عمّان قبل نحو أسبوع، أعمال الاجتماع الأول الفيديوي التوفيقي الصيني العربي بما يتصل بزيت الزيتون، بمشاركة أصحاب العلاقة من الجانبين الصيني والأردني. هَدَفَ الاجتماع إلى تعزيز تجارة زيت الزيتون مع الجانب الصيني، لا سيّما في أجواء الإقبال الواسع على شرائه، وتوفير منصة لبناء علاقات تعاون أوسع بين الشركات في الدولتين.
 يرى السفير الصيني الجديد لدى الأردن، الرفيق تشين تشوان دونغ، أن دخول بلاده إلى (معترك الزيتون) الذي لم يَسبق أن دخلت إليه من قبل، يتوافق وعلاقات التجارة المتطورة بتسارع في مختلف المجالات بين العاصمتين خلال السنوات الأخيرة. وزاد السفير بأن سمعة زيت الزيتون الأردني "تحظى بسمعة طيبة في العالم، ويُباع في العديد من البلدان"، وكشف عن أن الطلب على استهلاك زيت الزيتون في الصين "تضاعف" خلال السنوات الأخيرة "وغدا قوياً". وأكد السفير "أن آفاق التعاون بين الصين والأردن في مجال زيت الزيتون واسعة ذلك أن سوق الصين ضخمة وواعدة، وأن بلاده وسّعت في السنوات الأخيرة حجم وارداتها، وأنشأت منصات مثل معرض الصين الدولي للاستيراد، وحسّنت مستوى تسهيلات الاستيراد."
 رسمياً، تُعتبر الصين ثالث أكبر شريك تجاري للأردن، وثاني أكبر مَصَدر للواردات، إذ بلغ إجمالي التجارة الثنائية بين البلدين في عام 2019 حوالي 4.112 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 29.17 بالمائة، وهو رقم قياسي، فيما زادت واردات الصين من الأردن إلى 408 ملايين دولار بزيادة سنوية قدرها 2.62 بالمائة، وفقاً للسفير. من جانبه يَرى نائب رئيس غرفة التجارة الصينية للأغذية والمنتجات المحلية واستيراد وتصدير الحيوانات، رونغ وي دونغ، إن الغرفة تهتم بتعزيز التبادلات والتعاون مع صناعة زيت الزيتون الأردنية، وتنمية هذه التجارة بين الدولتين يَعتمد بالدرجة الأولى على نشاط الشركات في البلدين. عِلماً، أن الصين تنشط حالياً في ملف توسيع استيراد زيت الزيتون من دول عربية أخرى، بينها تونس.
 الصين واحدة من أكبر مستوردي زيت الزيتون عالمياً، والأردن من أهم عشرة بلدان مُنتِجة له. ولهذا، يمكن لمزارعينا التشبيك مع الجهات الصينية ذات العلاقة لتسويق الزيت في الصين التي تهتم بجودة المنتجات المُستوردة، وزيت الزيتون المحلي لدينا هو أحد أفضل الزيوت العالمية، نظراً للمناخ الطبيعي الأنسب له، والعناية الإنسانية التي تنمو في إطارها أشجار زيتوننا. زد على ذلك، أن عدداً ضخماً من هذه الأشجار المحلية "مُعمِّرة"، لهذا نُردّد بفخر "هذه شجرة زيتون روماني.. وزيتها رِقراق"، لكونها تعود بتاريخها إلى حَقبات موغِلة في القِدم، منها الرومانية والبيزنطية التي أشجارها ما زالت تعيش بيننا وتُنتج زيتوناً وزيتاً. وعودة للتاريخ نقرأ بشغف، أن هذه الشجرة المُقدّسة "استوطنت" في "قرية هضيب الريح"، بمنطقة "رم"، جنوب الأردن، الذي كان مزروعاً "عن بكرة أبيه" بأشجار الزيتون منذ ماقبل 5400 سنة قبل الميلاد، لكنها كانت نبَتَت لأول مرة في أرضنا قبل أكثر من عشرة آلاف سنة، وهي معلومات تَسندها دراسات الأكاديميين الفرنسيين وغيرهم، وكذلك اللُقيات الأثرية وفقاً للعُلماء المتخصصين بالموضوع.
 فلنتصور للحظة مدى متعة المواطن الصيني، الذي سيتناول زيتاً حقيقياً آتٍ مِن بطن التاريخ، يَنسكب من شجرة أُردنية مُعمِّرة، عُمرها يَفوق عمر أول تأسيس سياسي في تاريخ بلاده، ويَفوق عُمر البشرية و"الإنسان الحجري القديم" ومُجتَمع "إبيباليوليثيك المبكر" في بلاد البحر الأبيض المتوسط!
*متخصص بالشؤون الصينية.
...