الاقتراض والاستثمار .. وأين الفرصة ؟
محمد علي القريوتي
اليوم هناك فرصة كبيرة للاردن للنمو ، فمقدراتنا وموجوداتنا الملموسة وغير الملموسة قادرة على النهوض باقتصادنا ، وان خلق قنوات اقتراض هي بذات الاهمية لتوسيع قاعدة الاستثمار الرأسمالي طالما أنها تأخذنا الى التنمية الشاملة
كثيرا ما يتم الحديث والاختلاف أحيانا بين الاطراف من مؤسسات وأفراد قطاع عام وقطاع خاص ونقاش بين السلطات التنفيذية والتشريعة وبالذات في موضوع المالية العامة والاقتراض والديون الداخلية والخارجية ، ونقاش دائم حول مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص من حيث الاقتراض من البنوك المحلية وأن هذا به استنفاذ كثير للسيولة التي كان يمكن أن توجه لاقراض القطاع الخاص عوضا عن اقراض الحكومة ، وأحيانا يعزى عدم نمو الاستثمار لبعض هذه الاسباب ولكن ما هو الواقع ؟
عند الحديث عن الاقتراض علينا أن نعرف الكثير من الحقائق وأهمها لماذا وجد ؟ لو نظرنا الى القطاع المصرفي وهو المكون الاساسي للسيولة والنقدية واستثمار معظمها في الاقراض ، نجد أن اجمالي موجوات البنوك الاردنية بلغت 56 مليار دينار ، واجمالي الودائع 36 مليار دينار ، واجمالي القروض الممنوحة 29 مليار دينار ، ونسبة كفاية رأسمال بلغت 18% كما هي بنهاية عام 2020 ، والاحتياطيات من العملة الاجنبية والذهب بلغت 16 مليار دولار أمريكي . ومن جانب آخر وبنظرة الى المالية العامة نجد أن اجمالي الدين العام 33 مليار دينار وأن الناتج المحلي الاجمالي 31 مليار دينار . وهنا يتبين أن موجودات البنوك تمثل 179 % من الناتج المحلي والودائع تمثل 116 % من الناتج المحلي ، وأما التسهيلات فتمثل 92 % من الناتج المحلي ، ويمثل اقتراض القطاع الخاص من البنوك 91% من حجم هذه التسهيلات وبواقع 82 % نسبة الى الناتج المحلي . وللعلم اقراض البنوك للحكومة محكوم بسياسات وتعليمات ومحددات ونسب ، وهي مراقبة من البنك المركزي ومؤسسات التصنيف الدولية ولا أعتقد بأن ما يتم تداوله بشكل متكرر على أنه مزاحمة للقطاع الخاص صحيح والارقام أعلاه تثبت ذلك ، وحتى السندات الحكومية التي تصدرها وتساهم بها البنوك فلديها الحرية بأن تقوم ببيعها للبنك المركزي في حال رغبت بتوفير سيولة اضافية عند الحاجة .
ان مشروع موازنة 2021 أظهر أن العجز سيتجاوز 2 مليار دينار يضاف له عجز الوحدات الحكومية وهذا بالتأكيد وجزء كبير منه سيمول من خلال الاقتراض ، وحسب آخر تقديرات فان نسبة المديونية الى الناتج المحلي الاجمالي ستصل الى 110 % . وبجانب آخر فان ديون الحكومة لصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي بلغت 6.5 مليار دينار وحسب الاتفاق الاخير مع صندوق النقد الدولي سيتم استبعاد هذه المديونية من احتساب النسبة لتنخفض نسبة المديونية للناتج المحلي الى حدود 84% ، وهذا يتوافق ايجابيا أيضا مع ثبات تصنيف الاردن الائتماني على الرغم من كل الظروف الصعبة . فالى أين يقودنا كل ذلك ؟
ان الاقتراض يعظم الاستثمار اذا تم استغلاله بالشكل الصحيح شريطة توجيهه لخلق عوائد استثمار مجزية قادرة على خدمة هذا الدين من ناحية وتوسيع قاعدة الاقتصاد من الناحية الاخرى ، وعليه لا ضير من ارتفاع نسبة المديونية اذا كان الهدف من زيادتها الوصول الى التنمية الشاملة وخلق فرص العمل . وللعلم فان القطاع الخاص لا يمكن أن ينمو بحجم كبير ومؤثر بدون قنوات اقراضية توفر له السيولة الاضافية لتوسيع استثماراته وهكذا تطورت اقتصاديات العالم ، وبدون ذلك فان البديل هو فقط الاعتماد على السيولة المتاحة لدى القطاع وبهذه الحالة سيبقى كما هو ، وعلى العكس فان هذا الاستثمار مهدد مع الوقت بالانخفاض والتراجع لان عائد الاستثمار لن يكون مجديا على المدى الطويل وسيكون بشكل مبسط تدوير للمال الذي يملكه أصلا وبعائد متواضع .
اليوم هناك فرصة كبيرة للاردن للنمو ، فمقدراتنا وموجوداتنا الملموسة وغير الملموسة قادرة على النهوض باقتصادنا ، وان خلق قنوات اقتراض هي بذات الاهمية لتوسيع قاعدة الاستثمار الرأسمالي طالما أنها تأخذنا الى التنمية الشاملة . وهنا تظهر أهمية التوجه الى اللامركزية في توسيع قواعد الاستثمار والتوجه به جغرافيا وقطاعيا ليتم توجيه الاستثمار الى المحافظات ، وتكون تحت ادارة ومن مسؤوليات هذه المحافظات ضمن خطة واضحة تقدمها هذه المحافظات وحسب ميزتها التنافسية شريطة خلق الحوافز المناسبة للاستثمار بها لينعكس ذلك ايجابيا على تنميتها وتشغيل قاطنيها لخلق منظومة من الاعتماد الذاتي الموزع جغرافيا والحفاظ على النسيج الاجتماعي بها.
حمى الله الوطن قيادة وشعبا وأدام الله علينا نعمه .