وداعاً 2020... لم تكن الأسوأ رغم كورونا
د. عبدالله الطوالبة
بدأت اللعنات تنهال على العام الموشك على الرحيل، مُذيَّلة بأكثر سياطها لسعاً: "غير المأسوف عليه". وما أكثر الذين ينتظرون بلهفة نهاية يوم 31 كانون أول الجاري، في وسائل التواصل الاجتماعي، وكأنهم يختنقون بكابوس جاثم على صدورهم.
كتاب ومفكرون، لا تأخذهم الرحمة بعام يلملم أشياءه ويتهيأ للمغادرة الأبدية، يقصفونه بالقول، "كان عام الهرولة إلى الكيان والتطبيع معه". يا لطيف تلطف! وكأن جحافل النُّظُم العربية كانت توشك على تحرير فلسطين من الماء إلى الماء، لكن فجأة حلَّ العام "النحس" مستصحباً مؤامرة محبوكة بإتقان، وقلب كل شيء رأساً على عقب. وزاد على ذلك الفعل الآثم أن نثر في الأجواء العربية "الطاهرة النقية" مسحوق حبوب هلوسة، تم إنتاجها في مَعملٍ مجهول الموقع في كوكب زُحل، كان لها مفعولها داخل رؤوس قادة العربان المكافحين الفقراء لله!
فقد انقلب موقفهم تجاه الكيان، من العمل اناء الليل وأطراف النهار لضربه في مقتل وتوزيع دمه على القبائل، إلى رؤيته صديقاً جديرا بالثقة وأهلاً للتحالف.
ولو قُدِّر لعام 2020 ان ينطق بكلمات وداعية، لتوجه ببعضها إلى دامغيه بعام التطبيع قائلاً من دون مجاملة: إما أنكم هبايل أو تستهبلون، وفي الحالتين تُفَنِّصُون*، كما يقول أشقاؤكم اللبنانيون، وعلى أهلكم تهشتون، وفق اللهجة الدارجة في بعض مناطق فلسطين. أليس عيباً عليكم إلقاء تبعات "فسحلة" أنظمتكم منذ زمن بعيد على عاتقي؟! لا بد أن بينكم من يعرف، أن عهد بعض أنظمتكم بالزنى السياسي مع الكيان قديم، وأنه وصل حداً من الهيام لم يعُد معه قادراً على "الممارسة" في الخفاء.
لكن وجاهة كلمات العام المسكين وحُجِّيَّة رده، لم تصيبا قدراً من النجاح يقيه لسع سياط اللعنة تتناوشه من زوايا مختلفة.
صاحب رأي أردني يسبق اسمه حرف الدال المتبوع بنقطة، يرى أن 2020 كان عام أزمات بالنسبة للأردن. فبحسبه، "شهد الأردن خلال هذا العام أزمات عدة، منها وباء كورونا وما رافقه ونتج عنه من أزمة اقتصادية أثرت على المواطن والوضع المالي". مثل هذا الكلام، نجده يتردد بصيغ مختلفة في أكثر من رأي ومقال في وسائل الإعلام، مع اقتراب نهاية العام.
أظن أن القارئ هنا، سيفغر فاه مذهولاً، وسيردد من فوره: لو كنت أردنياً لأطلقت الرصاص على عام 2020 من دون تردد.
ستْرَك يا ستَّار ! فالأردن قبل حلول هذا العام، كان يتقلب في أفياء نعيم اقتصادي قلَّ نظيره، من أبرز مؤشراته أن معدل الدخل السنوي للفرد كان يقترب من 30 ألف دينار ، لكن مع فجر اليوم الأول من العام المشؤوم، انتكس كل شيء. فالفساد غريب علينا، ومعاذ الله أن يكون بيننا لصوص وحرامية وسُراق مال عام. فليس منا من يمد يده على المال العام، أو يكنز الملايين في ملاذات آمنة. ومن يغمز ويلمز بهذا الخصوص، فآثم وعُتُلٌّ زنيم. وقد حققنا ازدهاراً وبحبوحة جعلانا ننثر القمح في رؤوس الجبال، كي لا يُقال أن الطير في بلادنا جاع. ولم نكن نعلم ان العام 2020 يتربص بنا، ويضمر لنا شراً بالتواطؤ مع اللعين كورونا. ففي ليلة لا ضوء قمر فيها، أوقعا بنا أزمة اقتصادية خانقة مصحوبة بفشل إداري وفساد هبطا علينا فجأة من السماء. وها هي أحوالنا تتحدث عن نفسها بنفسها، بفعل هذا الثالوث الشيطاني الرجيم!!!
على المستوى العالمي، يُرمى العام المسكين، بما يشير إلى أن البشرية لم تعرف أصعب منه وأفظع. فقد خرجت مجلة تايم الأميركية، في عددها الصادر يوم السبت 5 كانون أول الجاري بغلاف يحمل الرقم 2020 وعليه إشارة "إكس" (×). وأضافت فقرة تقول :"كان العام الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة والعالم". قول يجافي الحقيقة وفيه مبالغة، وخاصة اذا كان الأمر يتعلق بتفشي وباء كورونا. لنتصفح سجل السنين الضخم، القديم منها والحديث. فقد شهدت بريطانيا سنة 1348م، تفشي طاعون عُرف آنذاك ب"الموت الأسود". استفحل سنوات عدة، ومن بريطانيا انتقل الى أجزاء مختلفة في العالم، وتسبب بموت ثلث الجنس البشري. لهذا، يعتبر الوباء الأكثر فتكاً منذ بداية الحياة وحتى يوم الناس هذا. وفي سنة 1918م، بُعيد الحرب العالمية الأولى، انتشر وباء الانفلونزا الإسبانية. وقد بلغ عدد ضحاياه 50 مليون انسان، أي 3-5% من سكان الكرة الأرضية آنذاك. ولم يكد يمر عقدان بعد ذلك، حتى تسببت "فيروسات بشرية" بهلاك 50-60 مليون انسان، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية (1939- 1945). وفي الأمس القريب، في ثمانينيات القرن الفارط، كما يقول أشقاؤنا المغاربة، حصد نقص المناعة المكتسب (الإيدز) أرواح 32 مليون انسان.
مقابل هذه الأعداد من الضحايا، فإن عدد المتوفين بفيروس كورونا في العالم حتى كتابة هذه السطور، يقدر بحوالي 1,7 مليون انسان. وبلغ عدد المصابين 75 مليوناً، تماثلت نسبة عالية منهم للشفاء.
نتقدم خطوتان إلى الأمام، ونقول إن عام 2020 لم يكن من دون ايجابيات وبشائر. لقد كان سقوط دونالد ترامب، في انتخابات الرئاسة الأميركية أول الإيجابيات. أمضى هذا الرجل القادم إلى السياسة من تجارة العقارات أربع سنوات في حكم الدولة الأعظم حتى الآن، مرَّت وكأنها أربعون عاماً. فقد انعكست عنصريته وعنجهيته وجهله بالسياسة على قراراته، التي نالنا منها الكثير، وأعني اعترافه بالقدس عاصمة للكيان وضم الجولان والتهيؤ لضم الضفة الغربية.
ويمكن القول بأن عام 2020 كان ايجابياً للمرأة. فقد ارتفع خلاله عدد الدول، التي ترأسها نساء إلى 20 دولة مقابل 12 عام 1995. وحسب تقارير الأمم المتحدة، قفز التمثيل النسوي في برلمانات العالم إلى 25% من مجموع المقاعد البرلمانية. وفي هذا العام أيضاً، انتُخبت اول امرأة في تاريخ أميركا، ابنة مهاجرين من أصول هندية، هي كامالا هاريس، نائبة لرئيس الولايات المتحدة.
على صعيد البشائر، فالأمل بزوال كابوس كورونا أصبح حقيقة، بعد اكتشاف لقاحات مضادة. وبذلك تتيقن الإنسانية مجدداً، ان العلم هو ملاذها في مواجهة الأوبئة والأمراض، وهو وسيلتها الأرقى والأروع للإرتقاء بمستوى الحياة.
لعل أول ما نود والقاريء الاتفاق بشأنه تأسيساً على ما تقدم، أن الأيام هي الأيام، منذ فجر التاريخ، وكذلك الشهور والأعوام. فالشمس تشرق كل يوم، والنهار والليل يتعاقبان، والفصول الأربعة تتقاسم العام بتساوٍ وانتظام.
الأيام لا تصنع الخير كأيام، ولا تأتي بالشر. وهي بالقطع، ليست مسؤولة عن أباطيل البشر وفسادهم وفشلهم واخفاقاتهم. ولا تخلق التغيير ولا تُوجِد التطور، بل البشر يتحركون خلالها ويفعلون ذلك. وعليه، فالأيام والأعوام ليست مسؤولة عن ظهور الأوبئة، خاصة وأن أكثرها خطراً وأشدها فتكاً من صنع بني البشر، نتيجة التقدم العلمي، لاستخدامها في حروبهم الجرثومية وصراعاتهم.
كما أن البشر بطبعهم مَرَدوا على الهروب من مواجهة الحقيقة، وتعليق أسباب حماقاتهم وتبعات صراعاتهم وأنانيتهم على شماعات الأيام والأعوام، واستمرأوا تحميلها مسؤولية شرورهم وآثامهم.
لن نرى الأيام والأعوام أجمل، إلا إذا تغيرنا نحن في الفعل والقول إلى الأرقى والأجمل في أنماط تفكيرنا وفي نظرتنا إلى الذات والوجود.
قديماً قالوا، امنح كل يوم الفرصة لأن يكون أجمل أيام حياتك.
وقالوا أيضاً، إن تشابهت الأيام على الناس، فهذا يعني أنهم توقفوا عن ادراك الأشياء الجميلة في حياتهم.
عام 2020 وداعاً. لم تكن الأسوأ رغم كورونا وتبعاته.
*التفنيص في لهجة الأشقاء اللبنانيين، يعني الكذب.