معركتي مع الكورونا
لم تبدأ معركتي مع فيروس كورونا من تاريخ اصابتي به قبل ثلاثة اسابيع ، بل مع بدايات انتشاره في العالم وظهور اول اصابة به في الاردن ، حيث كتبت الكثير حوله وكانت معركتي معه هي معركة الوعي لمواجهته . فأنا لم اذهب الى درجة الدفاع عن جميع قرارات الحكومة لمواجهته ولم اذهب الى درجة ادانتها كلها . كما لم اذهب الى درجة ادانة المواطن لمواقفه وتعامله مع هذا الوباء وبنفس الوقت لم اراهن على وعي المواطن لمواجهته . بل كان همي الاول هو مواجهة كل المعلومات المغلوطة عن هذا الوباء والمنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي كان من شأنها الاستهانة بالتعامل مع هذا الوباء ، والسعي الى نشر الوعي لدى المواطنين بسبل الوقاية منه حتى لا يصابوا به ولا ينقلوا العدوى للآخرين .
وعلى المستوى الشخصي كنت من اكثر الملتزمين باتباع هذه السبل وتطبيقها على نفسي وافراد اسرتي ولكن وبنفس الوقت كنت اقول انه حتى تتحقق وقايتي الشخصية فيجب ان يكون هناك التزام مجتمعي بهذه السبل وهو الامر الغير متوفر بشكل كافٍ حتى هذه اللحظة مع الاسف .
كنت اعيش كل يوم رعب ان يصاب من حولي بهذا الوباء وقد حصل وان اصيب البعض منهم . وكنت اعيش رعب ان اصاب انا به رغم حرصي الشديد وذلك لكوني من الفئة التي يمثل هذا الوباء خطراً كبيراً على حياتها من حيث العمر ومن حيث توفر الامراض المستعصية ولله الحمد . نحن الفئة التي تقع في خانة الخسائر المقبولة والتي يمكن التعايش معها من قبل من يستخفون بهذا الوباء و بخطورته وكأنه لا يوجد لهم اقارب مقربون من هذه الفئة او انهم لن يصبحوا ذات يوم منها .
في منتصف الشهر الماضي تقريباً اخذت اعاني من حالة جفاف في الحلق مع كحة وعطس ولكن دون اي احساس بأي آلام في جسدي ودون وجود اي حرارة والتي كنت حريصاً على قياسها عدة مرات في اليوم ، فعزوت ذلك الى ظروف الطقس وخاصة انني دائما ما اتعرض لمثل هذه الحالة في فصل الشتاء . ولكن هذا الوباء ثبت انه خبيث بالاضافة الى انه وباء ، حيث انه و بعد عدة ايام من اصابتي بهذه الحالة وفي مساء يوم الجمعة العشرين من الشهر الماضي احسست بوجود حرارة علي وعند قياسها تبين انها فوق التسعة والثلاثين . ولذا وفي اليوم التالي مباشرة ذهبت لإجراء فحص كورونا حيث ظهرت النتيجة ايجابية . ورغم ان هذه النتيجة هي ما كنت اخشى وما لم اكن اتوقع الا ان الله انزل علي سكينته وتقبلت الامر على انه ارادة الله ووكلت امري اليه . وفي البداية قمت بإعداد مكان في المنزل اعزل به نفسي عزلاً تاماً . الا انه ونتيجة الحاح من ابنتي فقد اتصلت بطبيب مقيم في مستشفى الملكة علياء العسكري وهو ابن صديق لي والذي اصر على ان اذهب الى المستشفي لإجراء تصوير طبقي للرئة . وفعلاً فقد فعلت ذلك وتبين وجود بداية التهاب فيها . وهذا دليل آخر على ذكاء وخبث هذا الداء حيث انني لم اكن اشعر بأية اعراض اخرى وانه لو بقيت في المنزل لكان الالتهاب سوف يزيد ويتطور دون ان ادري وقد يوصلني لمرحلة الخطر . وقد قرر الاطباء ادخالي الى المستشفى ، وقد تقبلت ذلك بكل هدوء واطمئنان وانني في رعاية الله وحفظه .
وهكذا كان ومن لحظة ادخالي المستشفى فقد بوشر بتطبيق البروتوكول الطبي علي وبوشر باعطائي الادوية المناسبة والتي جعلتني اتحسن يوماً بعد يوم وبفضل الله تعالى .
الا ان العيش لمدة عشرة ايام داخل الصندوق وفي قلب الحدث مع هذا الوباء لهو تجربة فريدة مليئة بالمشاعر والاحاسيس وسط مشاعر مختلطة من الخوف والامل . وتبدأ هذه التجربة من لحظة ان تطأ القدم قسم الطوارئ الخاص بحالات كورونا حيث كل من حولك اما مصاب بهذا الوباء او مشتبه باصابته . وتشاهد حالات قادمة على قدميها وحالات تنقلها سيارات خاصة بمرضى هذا الوباء وتتسع لعدة مصابين يتم انزالهم منها مع اسرتهم تمهيداً لادخالهم الاقسام الخاصة في المستشفى والذي تحول ليصبح مختصاً بهذا الوباء . وحيث تجد اطباء هذا القسم والجهاز الطبي المساند و العاملين في قسم الاشعة وهم يرتدون ملابس الوقاية الخاصة بهذا الوباء الذي يبعث الرعب في قلوب المراجعين ولكنه في نفس الوقت يبعث على الامل عندما تدرك انك انت مصدر الخوف والخطر كون الفيروس قد سكن في داخلك وان من في المستشفى يسعون الى انقاذك منه ، حيث تجدهم حولك يقدمون المساعدة والعون ويجرون الفحوصات ويأخذون العينات والصور الشعاعية لتقديم المساعدة لك بالرغم من احتمالية اصابتهم بهذا الوباء اثناء ذلك وهو الامر الذي حصل مراراً وتكراراً .
ثم تمر في مرحلة الادخال اما الى غرف العزل او العناية الحثيثة لتمر بتجارب اخرى وعن غرف العزل سوف اتحدث . تدخل الغرفة المخصصة لك وعليك الالتزام بالبقاء داخلها الا لمتطلبات طبية فقط . ويكون تعاملك في البداية مع الطواقم الطبية المساعدة الذين عليهم التعامل معك انت حامل الفيروس ورعايتك وحمايتك منه حيث يتناوبون الدخول عليك خلال الاربع وعشرين ساعة وهم يرتدون ملابس الوقاية الخاصة بهم لكي يقدموا لك العلاج والدواء ويتأكدون من حرارتك ومن ضغطك ومن تنفسك ونسبة الاوكسيجين في جسمك وكل ذلك من غير تردد او تذمر . ثم يأتيك الاطباء المشرفين عليك والذين يجدون انهم ملزمين بتعريف انفسهم اليك في كل مرة يدخلون بها الى الغرفة لانه ليس من السهل ان تتعرف عليهم وهم يرتدون ملابس الوقاية الخاصة بهم والتي تغطيهم من رأس شعرهم حتى اخمص قدميهم ، بالاضافة الى الكمامات والواقيات البلاستكية التي يرتدونها في اجواء خانقة بالنسبة لهم مع الاخذ بالاعتبار درجات الحرارة العالية نسبياً في غرف المرضى . وعندما تشكرهم على ما يقومون به يردون عليك بأن هذا هو واجبهم رغم ان هذا الواجب قد اودى بحياة العديد منهم بالاضافة للمتواجدين منهم في غرف العناية الحثيثة او الموضوعين على اجهزة التنفس الاصطناعي بالاضافة للذين عافاهم الله وسلمهم ، ورغم الاتهامات التي تنالهم من بعض المغردين بأنهم تسببوا عن اهمال في وفاة العديد من المرضى او الاتهام بالقتل المباشر من خلال اعطاء المرضى لقاحات تسبب في مقتلهم او اعطائهم ابرتين تؤديان الى الوفاة في اليوم التالي ، وتداول هذه التغريدات من قبل بعض المواطنين ومنهم من هم من الصفوة بعلمهم او وضعهم الاجتماعي مصدقين لهذه الترهات وكاننا نعطيهم جزاء سنمار .
وكانت الايام تمضي علي يوماً بعد يوم الى ان بلغت العشرة بالتمام والكمال عندما اخبرني الاطباء المشرفين بأني اصبحت جاهزاً لمغادرة المستشفى الى المنزل .
وها انا الآن في منزلي امضي فترة نقاهة من هذا الوباء اللعين وآثاره شاكراً الله على فضله بأن انعم علي بنعمة الشفاء فيما لم يحالف الحظ غيري بذلك . هي ارادة الله وقضائه نخضع لها ونقبل بها ونشكره عليها الى ان يقضي ذات يوم امرا كان مفعولا .
وهنا لابد وان اوجة شكري واحترامي لكل الجيش الابيض الذي يحارب هذا الوباء نيابة عنا في حين اننا نبخل عليه ليس بكلمة شكر ولكن بحماية انفسنا من الاصابة بهذا الوباء والتي هي مسؤولية مجتمعية متكاملة لا يجب ان يسمح بها بأي اختراق . كما لابد ان اشكر جميع من وقف معي من الاقارب والاصدقاء في هذه الازمة وساندني او تواصل معي بمختلف وسائل التواصل للاطمئنان على حالتي . والشكر الجزيل لافراد عائلتي الذين وقفوا معي وساندوني ورفعوا معنوياتي بالرغم من انني وبما اصبت به قد اكون اوصلتهم لحافة الانهيار .
اما هذا الفيروس اللعين فأن معركتي معه لم تنتهي بعد وسوف اواصل التصدي له ليس بالقضاء عليه فهذه ليست مسؤليتي ولكن من خلال زرع الوعي لدي الجميع للقيام بذلك والتصدي لكل من يحاول ان يقتل هذا الوعي .
مروان العمد