ما " بتعدي "
لم يبرع المسؤولون الأردنيون خلال السنوات الأخيرة، إلا بقدرتهم على ترحيل الأزمات، ومراكمتها بعد أن يساهموا في صناعتها، حتى وصلنا إلى هذه الحالة التي لا نحسد عليها، وهي الحالة التي تحلى رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي بقدر كبير من الجرأة الأدبية، التي ترفع لها ولمن مارسها القبعات احتراماً، عندما اعترف دولته في لقاء متلفز أن من أوصل الدولة إلى هذه الحالة هم "المسؤولون الذين تولوا المناصب ... رؤوساء الوزراء والوزراء والمسؤولين الذين تولوا الخدمة في الدولة ... وأضاف دولته نحن الذين أوصلنا الدولة إلى هنا"، وما أدراك ماهنا؟ أزمة اقتصادية مستعصية، ترافقها أزمات اجتماعيةوتعليمية وصحية.... الخ، يرافق ذلك كله ضيق شديد يعاني منه المواطن.
وإذا كان دولة سمير الرفاعي قد حدد المسؤولين عن وصول الدولة إلى هنا، حيث نعاني جميعاً، فإن السؤال المهم هو كيف أوصلنا هؤلاء إلى هنا؟
جواب هذا السؤال عندي يكمن في ماقاله جلالة قائد الوطن عندما تحدث جلالته رافضاً العمل بأسلوب الفزعة في مواجهة الأزمات التي تواجهنا، وهو الأسلوب الذي طالما لجأ إليه المسؤولون، الذين يكون همهم التمتع بمزايا المنصب والإنشغال بصورتهم الإعلامية، حتى إذا ما لاحت في أفق الوطن بوادر انفجار أزمة، سارع هؤلاء المسؤولين إلى العمل بأسلوب ردة الفعل وبالفزعة وطمأنة بعضهم بأنها أزمة و "بتعدي" حيث يتم تشغيل آليات ترحيل الأزمة بدل من حلها جذريا.
لقد فعلوا ذلك في مواجهة كل أزمة مر بها وطننا ، فلجاؤا إلى الفزعة واعتادوا على تسكين الأزمات التي تواجه الوطن بترحيلها عبر التضليل الإعلامي وبالوعود البراقة، وبالإتصالات الجانبية وبالترضيات الفردية، دون الذهاب إلى المعالجة الجذرية للأزمة وتطوراتها التي أوصلتها إلى شفير الإنهيار، وحال المسؤولين الأردنيين في مواجهتهم لأزمات الوطن كحال الطبيب الذي يعالج المرض الخطير بالمسكنات، على أمل أن يطيل عمر المريض أيام، أو على أمل أن يموت هذا المريض على يد طبيب آخر.
أسلوب تسكين الأزمات وترحيلها الذي مارسه المسؤولون الأردنيون، هو الذي أوصلنا إلى هذه الحالة التي نقف فيها بمواجهة بركان من الأزمات المتدحرجة، شجعهم على ذلك غياب المساءلة، فصار المنصب العام عند الكثيرين منهم مجرد فرصة لتحسين الوضع، وتحسين التقاعد، وإضافة فقرة إلى سيرهم الذاتية، وجسر مرور لوظيفة دولية وعلى الأردنيين "تقليع شوكهم بأيديهم".
هذا النمط من المسؤولين صاروا أزمة يعاني منها الوطن لأنهم صاروا عبئاً على الوطن وعلى قائد الوطن، فقد صار جلالته مضطراً للتدخل والتوجيه حتى في التفاصيل، الى درجة شرح جلالته كيفية لبس الكمامة، وبمثل هذا القائد تجتاز الشعوب أزماتها، لكن بمثل هؤلاء المسؤولين تزيد أعباء القائد وتتفاقم أزمات الوطن فتصل إلى مرحلة ما "بتعدي" منها الأزمات، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي نواجهه.
Bilal.tall@yahoo.com