اللواء المتقاعد مروان العمد يكتب الجدل البيزنطي الاردني
جهينة نيوز -لا ادري لماذا وفي كل مرة اطلع فيها على الجدل الذي يدور على وسائل التواصل الاجتماعي والاختلاف في كل شيئ وعلى اي شيئ اتذكر الجدل البيزنطي. ولذلك الجدل قصة لمن لا يعرفها. ففي منتصف القرن السابع الميلادي درج البيزنطيون في مجالسهم على الجدل حول القانون وطبيعته والاب والابن. وكانت هذه الجدليات تلهب الاجواء بين البيزنطيين بمختلف طبقاتهم الاجتماعية والفكرية. كما كانت تهتز لها كنائس الشرق باجمعها مما دعا الامبرطور قسطنطين الثاني الى اصدار مرسوم امبراطوري يحظر فيه مناقشة ما اذا كان المسيح ذا طبيعة واحدة او طبيعتين وغيرها من هذه المسائل وقرر طرد الرهبان والقساوسة من الكنيسة وفصل موظفي الدولة من وظائفهم وتوقيع عقوبات جسدية ومالية عليهم اذا هم فعلوا ذلك الا ان هذا القرار لم يجدي نفعاً واستمر الجدل البيزنطي في امبراطوريتهم حتى القرن الخامس عشر الميلادي.
وعندما حاصر السلطان العثماني محمد الثاني القسطنطينية . كان مجلس شيوخ المدينة مشغولاً بقضايا فقهية ولاهوتية لا طائل منها مثل جنس الملائكة وهل هم من الذكور ام من الاناث. وحجم ابليس هل هو كبير بحيث لا يسعه اي مكان ام صغير بحيث يمكن ان يمر من ثقب الابرة. وبينما كان الجدل محتدماً في قاعة مجلس الشيوخ ورغم محاولات الامبراطور قسطنطين الحادي عشر صرفهم عن هذا الجدل العقيم كان القتال يدور على اسوار القسطنطينية حتى تمكن جنود السلطان محمد الثاني من اقتحام المدينة وقضى الامبراطور البيزنطي على اسوارها قتيلاً. واطلق على السلطان العثماني الذي دخلها فاتحاً حسب نبوئة رسول الله عليه الصلاة والسلام لقب محمد الفاتح.
وانا لن اتحدث عن الجدل البيزنطي الاردني بشكل عام وان كنت اعتقد اننا كأردنيين قد تغلبنا على شعوب العالم قاطبة به حيث انه من النادر اجماع عدد معين على موقف معين. ومن النادر بقائهم على هذا الموقف، بل على الاغلب يتنقل هذا الموقف الى نقيضه اذا طرح من جهات اخرى نناكفها ونناصبها العداء. كما تتميز مناقشاتنا البيزنطية باحتكار الحقيقة ولا يمكن أي شخص ان يقتنع برأي شخص آخر وان ابدى له ذلك من قبيل المجاملة . وكان نقاشنا يبلغ منتهى البيزنطية عندما يتعلق بالقرارات الحكومية . مع ذلك اعتدنا على ذلك لانفسنا وتعايشنا معه .
الا ان الجدل البيزنطي لدينا قد بلغ اشده وعلى نحو يقارب ما تعرضت له الامبراطورية البيزنطية مع الفارق حتى لا يغضب علينا البعض . فلوا اوقف فلاسفة واساقفة ورهبان بيزنطة ومفكريها وادبائها وشعرائها ورجالها جدلهم البيزنطي كما كان يناشدهم امبراطورهم قسطنطين الحادي عشر ، ولو خرجوا معه على اسوار مدينتهم لربما كانت لديهم فرصة للدفاع عنها والانتصار على الفيروس العثماني عذراً على الفتح العثماني ولما زالت امبراطوريتهم العظيمة ربما الى الابد . ولما وقعوا اتفاقيات الذل والهوان . ولربما تغير مصير التاريخ البشري .
ونحن ومنذ ان شن فيروس كورونا هجماته الاولية البسيطة وما تبعها من فرض قيود على الحركة والعمل حتى انطلق الجدل البيزنطي وكثرت الآراء والتحليلات والنظريات والتي لم تلتقي الا على شيئ واحد الا وهو مهاجمة الحكومة التي تصدت لطلائعه وانتصرت عليه . مما حدى بالحكومة الى العودة لفتح المعابر والحدود واعادة تشغيل القطاعات الحكومية والصناعية مراهنة على وعي المواطن وبشرط الالتزام باساليب الوقاية التي لم يلتزم بها احد تقريباً في البداية . واخذ بعض البيزنطيون الاردنيون يطالبون الحكومة بأغلاق بعض القطاعات التي فتحتها وفرض عزل لبعض المواقع الموبوئه ، وعندما فعلت ذلك هاجت الناس وماجت عليها وكان اكثرهم من المطالبين بها ، واذا عادت ورفعتها هاجوا وماجوا لأنها رفعتها .
جدلهم البيزنطي مع الحكومة والجهاز الطبي كان يتناسى كل الانجازات التي يتم تحقيقها ويبحث عن كلمة او تعليق او تعبير او زلة لسان وردت في حديث مسؤول على وسيلة اعلامية وهو غالباً ما يكون محقاً بها ، ونأخذ في جدل بيزنطي حول ما قاله ونخلص منه انه لا هو ولا مسؤوله ولا وزيره ولا وزارته باجمعها ناجحين في عملهم وقادرين على منع الفيروس من الدخول نتيجة هذه الكلمة الى داخل بلادنا من فتحة اصغر من سم الخياط . وهو الامر الذي عجزت عنه كل دول العالم ، الا ان حكومتنا كان مطلوباً منا من قبل بيزنطينا ان تفعل ذلك وان تطلق قنابلها الذرية على كل فيروس يجتاز الحدود . او ان تطلق خلفه وابلاً من لقاحاتها وعلاجاتها التي توصلت اليها لتشفي كل من يحتاج اليها لان البيزنطيين لدينا لهم قناعاتهم ان الحكومة تعمل ذلك لتقبض على كل جسد جديد يصاب بهذا الفيروس او يموت به مبلغاً من المال لدرجة لم يبقى الا ان يقولوا انها تستورد الفيروس لهذه الغاية .
امضينا وقتنا ونحن نطالب بمستشفيات ميدان وعندما تقرر عملها اتهمت الحكومة من البيزنطيون بالفساد وان هذه المخيمات المصممة للبقاء لمدة خمسة وعشرين سنة ولجميع الاحوال والاجواء في العالم ، لا تصلح لبلدنا وأجوائه . امضينا وقتنا ونحن نطالب بالتعاقد مع مستشفيات قطاع خاص تحول اليه حالات كورونا وعندما فعلت ذلك اتهمت بأن الاعتماد كان بناءاً على مصالح خاصة . وطالب الكثيرون ان يكون التحول لعدة مستشفيات وعندما قررت الحكومة ان تقوم بذلك ولكن عن طريقها والى اقرب مستشفى عام او خاص للحالة المطلوب ادخالها وعلى نفقتها ، طالب البعض بأن يكون من حق المواطن ان يختار المستشفى التي يريد ومن واجب الحكومة ان تدفع جميع التكاليف . يعني لو جابت الحكومة للبيزنطيين الاردنيين الشمس والقمر فسوف يطلبون منها المريخ والمشتري ولن يكفيهم ذلك ولن يرضيهم وسيطالبون بنبتون والمجرات السبع واكثر من ذلك . وكل ذلك دون حمداً ولا شكورا لمن ينجز عملاً على حساب روحه وارواح عائلته . ولا تحمل المسؤولية على من يستحقها وهو المواطن الغير ملتزم سواء من اقام عرساً او حفلاً او عزاءاً او ذهب لمقر نائب او شارك بالاحتفال بنجاح نائب من غير التقيد بالتعليمات التي تطالبه بها الحكومة ليل نهار ولكنه الجدل البيزنطي الاردني الذي يعود لتحميل المسؤولية على معبر جابر او على تنفيذ الاستحقاق الدستوري والذي ما كان ينبغي الى ان يوصلنا الى ما وصلنا اليه لو تحلى بعض بيزنطينا بنوع من الالتزام .
نعم كان الاردن يمثل صرحاً طبياً واصبح منارة للمنطقة وهدفاً لطالبي العلاج قبل ان يدخل السماسرة وتجار الامراض لكي يخلوا بهذه المعادلة . نعم ورغم ما وصلنا اليه من تقدم علمي فأننا لا ندعي مضاهاة غيرنا من دول العالم في هذا المجال فدولة مايو كلينك هي اكثر دولة اصابها هذا الوباء واوقع بها عشرات ملايين الاصابات واكثر من ربع مليون وفاة ، عانت مستشفياتها من تساقط وتهالك كما حصل مع كثير من مستشفيات العالم المتقدم . وكما حصل مع دولة الكيان الصهيوني والتي لا يمكن الا ان نقر بتفوقها الطبي علينا بمراحل بما تملكه من امكانيات فأنها وبالرغم من وجود مستشفى هداسا والتي قصدها عشرات الاف الاردنيين سابقاً للعلاج عن طريق الحصول على تأشيرة من سفارتها لدينا ، فقد انهارت الكثير من مستشفياتها طبياً امام هذا الوباء والذي اوقع لديهم عشرات الآلاف من القتلى واضعافاً مضاعفة من الاصابات . فاذا تم رسال مسؤول طبي اردني ساءت حالته اللى هناك لتلقي العلاج لامتلاكهم الاجهزة اللازمة لذلك ، ولكون هذه الفئة هي الاهم بانقاذ حياتهم بمثل هذه الظروف مثل الطيارين في الحروب ، فقد اثار جدلنا البيزنطي كيف نفعل ذلك ولدينا اجهزتنا الطبية وهي الاولى بمعالجته وخاصة ان هذا المسؤول يجلس على رأس صرح طبي عسكري وانهم يؤكدون انهم استخلصوا منه خلال مرضه كل معلومته العسكرية او انهم زرعوا شرائح تجسس داخل جسده وكأنهم بحاجة لذلك في ظل التقدم التكنولوجي واهمية المعلومات التي لديه ، والى القول كيف يتم ارساله الى مثل هذا الدولة متجاهلين انه توجد معاهدة دولية معها وتبادل دبلوماسي وعلاقات سياسية واقتصادية بالرغم من الرفض الشعبي لهذه العلاقة بل ذهب البعض للقول ياليته مات في مستشفياتنا على ان يكون قد شفي هناك ولو انه كان قريباً لأحدهم لقال عكس ذلك . بل ذهب البيزنطيون الاردنييون الى اتهام كوادرنا الطبية باعطاء مرضانا لقاحاً لهذا الوباء يحتوي على فيروساته لزيادة اعداد الوفيات ، فهل توجد عقول مريضة اكثر من هذه العقول ؟
كم كنت اتمنى ان يشاهد اصحاب الجدل البيزنطي ماتقوم به كوادرنا الطبية من مجهودات جبارة لمعالجة المصابين بهذا الوباء وكم هم يعرضون انفسهم لخطر الاصابة به في سبيل ذلك واصابة عائلاتهم بل الى وفاة بعضهم به ودون كلل ولا ملل ولا تقاعس . مقدمين خبراتهم التي تراكمت عن هذا الفيروس وافضل العلاجات التي يتوصل اليها العالم اجمع . علماً انه لم يتوصل العالم حتى الآن وبالاجماع الى اي علاج لهذا الوباء ولا حتى الى لقاح مضمون النتائج . وحتى علاج ترامب والذي ادعى انه عالجه من هذا الوباء خلال يومين فقد ثبت عدم جدواه وعدم فعاليته وحتى عدم وجوده . فكفوا السنتكم عن هذا النقاش البيزنطي ونفذوا ما يطلب منكم لخلاص انفسكم ، ولو فعلتم ذلك منذ البداية لما اصابنا ما اصاب القسطنطينية . ولما وجدنا هذا الوباء ينتشر بيننا هذا الانتشار مهما شابت القرارات الحكومية من عيوب لأن العلاج منه ليس قرارات حكومية بصفة اساسية بل إجراءات فردية والتزام بها . ان اصحاب الجدل البيزنطي يجب عليهم ان يحنوا جباههم الى الارض لتقبيل احذية كل من يتصدى لهذا الوباء من مسؤولين حكوميين وصحيين وامنيين .
انني من اقصدهم بتعبير البيزنطيون الاردنيون هم ليسوا بالضرورة من المعارضين على تعدد اشكال المعارضة بل الذين لا يمارسون الا فن الجدل والمناكفة والطعن بكل اجراء سواء من المعارضة او من الموالاة او لمن ليس لهم موقف محدد . واحملهم مسؤولة من تعرض للاصابة واحملهم مسؤولية انقاذ الاردن وخلاصه ونجاته مما هو فيه اذا تخلوا عن نقاشهم البيزنطي واستبدلوا مواقفهم بمواقف ايجابية همها الخلاص للجميع من هذا الوضع الصحي وان نبعد خلافاتنا السياسية والاقتصادية مع الحكومات عن هذا الوباء ، ولا نجعل منه معيقاً للوضع الصحي . وانني سوف ابقى ارقب الوضع من نافذة غرفتي في قسم العزل في مستشفى الملكة علياء العسكري فأن الله قدر ولله شاء وانني راضي بما قدر وشاء واني افوض امري له وعليه توكلي ولكني والقي المسؤولية على كل المجادلين البيزنطيون الاردنيون والغير ملتزمين باساليب الوقاية الشخصية. التي يجب ان تكون شاملة للجميع . واعتذر في هذه المرحلة عن متابعة الحوارات وان كنت سوف اعمل على الإطلاع عليها بمقدار ما امكنني وضعي من ذلك ، والى ان يمكنني الله من من ذلك بارادته تعالي فسوف اعود للتحدث وبصراحة اكثر عن كل دهاقنة الجدل البيزنطي من غير مجاملة ولا مواربة بعد ذلك لأن الصمت اصبح الآن جريمة يشارك بها كل صامت ، او قد يكون الله قد ارحني منكم او اراحكم مني .