حين طالب النواب بمحاصرة الرمثا
حين طالب النواب بمحاصرة الرمثا
وليد حسني
طالبت الأغلبية النيابية بمحاصرة مدينة الرمثا واقامة حواجز عسكرية على مداخلها ومخارجها وتفتيش كل الداخلين اليها والخارجين منها، وتحويل طريقها الى عمان عن طريق الأغوار واقامة نقاط تفتيش على طول الطريق.
جاء هذا القرار في جلسة برلمانية عاصفة عقدها مجلس النواب الأول سنة 1946 وفي اولى جلساته في دورته العادية الأولى والسبب في كل تلك الاجراءات ضبط عمليات تهريب السكر من الرمثا الى العاصمة عمان، ووضع حد لهذه الظاهرة التي بدت في حينه وكانها الشغل الشاغل للمجتمع الأردني سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا.
انعقد مجلس النواب الأول فور انتخابه للنظر في جدول اعمال جلسته الأولى ليجد عليها ثلاث قضايا رئيسية تشغله بقوة وهي قضية تهريب السكر من الرمثا الى عمان، وشراء اصوات الناخبين وظهور المال السياسي او الانتخابي، وقانون المالكين والمستاجرين.
انهمك المجلس مطولا في مناقشة قضية التهريب والى اي مدى يمكنها الإضرار بالاقتصاد الأردني المتواضع في ذلك الوقت وكيف يمكن لهذا التهريب الكثيف أن يؤثر سلبا على ايرادات الخزينة، وعلى كبار التجار.
تحمس المجلس الاول لمعالجة هذه القضية ودفع الحكومة دفعا لاتخاذ اجراءات امنية غير مسبوقة، وتمت بالفعل محاصرة مداخل ومخارج المدينة، وتم تحويل الطريق منها الى عمان عن طريق الأغوار واقيمت عشرات دوريات التفيتش على طول الطريق، وانتهت هذه القضية في وقت زمني قصير.
وخطب النواب مطولا في قضية المال الانتخابي السياسي وشراء الأصوات وتسهيل الحكومة للأغنياء حرية استخدام اموالهم في استمالة الناخبين وشراء اصواتهم وذممهم مما أضر بشريحة كبيرة من المرشحين غير المقتدرين، مما ادى بالنتيجة الى انتخاب مجلس برلماني تحكمه المصالح تحت شعار الإغراق في الموالاة.
ان محاضر اجتماعات مجالس النواب السابقة تعتبر سجلا تاريخيا غنيا وثريا يؤرخ للأردن المعاصر في بواكير تشكله ونهوضه، وهي محاضر كان يتوجب على مجلس النواب الحالي ومن سبقه تأمينها للجمهور من المهتمين وحتى من المغامرين ممن يحثهم فضولهم لاستكشاف ملامح تاريخ وطنهم.
اعرف تماما ان مجلس النواب ومنذ عدة سنوات مضت نجح في رقمنة كامل تلك المحاضر وكلفته مبالغ مالية طائلة، لكنها لا تزال مغيبة تماما وغير متاحة للجمهور.
قد اكون صاحب حظ عندما حصلت على كامل تلك المحاضر الكترونيا فور الفراغ من رقمنتها لكن هذا لا يكفي..
الأكثر اهمية مما سبق ان ما كان مجلس النواب الأول يعاني منه سنة 1946 هو ذات ما تعانيه المجالس التالية وصولا الى مجلس النواب الحالي..
ومن بين المفارقات الغريبة ان عمليات التهريب قد ازدادت في الاشهر الثلاثة الماضية وفقا لخبراء وتجار بعد ان رفعت الحكومة الضرائب، مما يعني ان خزينة الدولة ستخسر الكثير من الإيرادات التي تتوقع وتتوق للحصول عليها..
وعلينا الاستماع جيدا لشكاوى التجار والصناعيين والمستثمرين والأسواق لنعرف الى اين تتجه سياسات الجباية تحت شعار الاعتماد على الذات والتي تبدو انها فشلت مبكرا جدا، وهو ما عبر عنه امس الأول وزير المالية حين قال بكل ثقة امام مجلس النواب ان الحكومة ستقترض 785 مليون دينار هذه السنة، وأظن أن هذا الرقم سيتضاعف ليتجاوز المليار دينار نهاية سنة 2018.
الفارق الحقيقي بين مجلس النواب الأول والمجلس الثامن عشر الحالي، ان الأول كانت لديه الإرادة الكافية لفرض سلطته الدستورية على السلطة التنفيذية، وهذا ما يفتقده تماما مجلس النواب الثامن عشر الحالي..//