د. عبد الله الطوالبة: الحكومات المنتخبة هي الحل.

جهينة نيوز -د عبدالله الطوالبة
توقف مؤشر عدَّاد الحكومات في الأردن عند الرقم 102، خلال 99 عاما، أي أن متوسط عمر الحكومة الواحدة أقل من عام. وقد يرتفع إلى عام وبضعة أشهر اذا أخذنا بنظر الاعتبار، أن الأردن شهد حكومات استمرت يوما واحدا او بضعة أيام، كما حصل عامي 1955 و 1970. وشهد أيضا تشكيل ثلاث حكومات في عام واحد كما حصل خلال عام 2011، أو ما يُعرف بعام "الربيع العربي". وهناك حكومات، قُيِّض لها أن تستمر خمس سنوات، وهي قليلة جدا مقارنة بعدد الحكومات الكلي. لكن وفي مطلق الأحوال،  فالأردن يحتل الترتيب الأول في العالم بلا منافس، في تشكيل الحكومات.
كما أن المتابع لمسار الحكومات الأردنية المتعاقبة، منذ 1921 وحتى يوم الناس هذا، سيجد ان التعديلات لم تستثنِ أيَّاً منها سوى تلك التي قُصفت أعمارها بعد أيام على تشكيلها. ولكي لا نذهب بعيدا للتدليل على ما نقول، نشير إلى أن حكومة الرزاز التي اصبحت سابقة منذ أيام، قد شهدت أربعة تعديلات خلال 17 شهرا. وفي المجمل، بلغ عدد وزراء هذه الحكومة 52 وزيرا. 
وقد ترتب على كثر التشكيلات الحكومية والتعديلات الوزارية، أن يكون الأردن الأكثر "إنتاجا" لحاملي لقب معالي في العالم، بكل ما يترتب على ذلك من رواتب عالية لهؤلاء وامتيازات وتقاعدات، في بلد يعاني أزمة اقتصادية خانقة ومديونية عالية. 
من اللافت، خلال العقود الأخيرة بخاصة، أن كل حكومة تأتي بما يشبه الزفة، وتغادر الدوار الرابع مذمومة تلاحقها لعنات الشارع. 
برأينا، لم تتبلور هذه الظاهرة عفو الخاطر، بل هناك مقدمات وأسباب تراكمت عبر العقود وتأدت إلى نتائج. 
أول هذه المقدمات والأسباب، فقدان الحكومات هيبتها نتيجة التشكيلات والتعديلات المتتالية. فلم يعد المواطن يهتم بتشكيل حكومة او تعديلها، خاصة وانه لا يلمس اي فرق إيجابي في مستواه المعيشي. الحكومات بنظر المواطن الأردني، تدوير للمناصب بين المتنفذين والمقربين منهم، وتكريس لأساليب الريع على طريقة "يا غلام اعطه الف درهم" بأساليب مختلفة، منها التنفيع والعطايا بالإضافة إلى تكريس توريث المناصب. 
والذي نراه ان المواطن على حق. كيف لا وهو يرى إعادة توزير أسماء مستهلكة لم يعد لديهم ما يقدمونه. ومنهم من لم يقدم جديداً أو شيئا ذا بال، وبعضهم غادر الموقع سابقاً بعد اخفاق وفشل. 
ثانياً: من طبائع الأمور أن يكون لدى أي حكومة في الدنيا، خطط ورؤى استراتيجية في السياسة وفي الاقتصاد، وأن يرتكز أداؤها على منهجيات في البحث وتتخذ قراراتها بناء على قاعدة معلومات. وهو ما يُعرف في حاضرنا بالمؤسسية. هذه الرؤى ومرتكزات الأداء، لا شك بحاجة إلى وقت للتنفيذ والتطبيق. 
لكن قصر عمر الحكومات الأردنية، يعني أول ما يعني، افتقارها للمؤسسية بالمعنى المومأ اليه قبل قليل. لذا، لا غرابة من إنتهاج أسلوب الفزعة، ناهيك بالتخبط في القرارات، كأن تتخذ الحكومة قرارا وتتراجع عنه لاحقاً، او تلغيه الحكومة التالية. والأمثلة كثيرة، نذكر منها استحداث وزارة المرأة من قِبَل إحدى الحكومات والغاؤها بعد شهر ونصف الشهر. وكم مرة أُلغيت وزارة الشباب وأُعيد احياؤها. الشيء ذاته ينسحب على وزارات التعليم العالي والبيئة وتطوير القطاع العام. ولا احد يعرف، بما في ذلك الوزير المعني، لماذا استُحدثت الوزارة اصلاً ولماذا أُلغيت؟!
وبمقدورنا ان نستنتج بضمير مرتاح، ان حكومات تتشكل ويتم تعديلها وتبديلها على هذا النحو، ليست صاحبة قرار أو ولاية. وليس لديها برامجها، فهناك برنامج عابر للحكومات، يحدد مهامها حسب الظروف، وليس مسموحا لأيٍّ منها "الخروج على النص" . كما أن إدارة الدولة، تتم في أماكن أخرى ليس الدوار الرابع بينها.  وكان لافتاً للإنتباه، ما ذهب اليه رئيس الحكومة الحالية بقوله في أول مؤتمر صحفي:" هذه الحكومة، حكومة مهام". 
ثالثاً: تشكيل الحكومات في الأردن، تحكمه التوازنات العشائرية والمناطقية والديمغرافية. ومن أهم شروطه الثابتة، الإرتهان لمصلحة النظمة السياسية الأمنية المسيطرة، والإمتثال لسياسات النيوليبرالية القائمة على تدمير الطبقة الوسطى، واللجوء الى جيب المواطن في مواجهة التحديات الاقتصادية، بالإضافة إلى الاستدانة وتلقي المساعدات الخارجية والالتزام بتعليمات صندوق النقد الدولي. 
رابعاً: أصبح كل رئيس وزراء يكرر سلفه، في تنفيع الأصدقاء والمعارف والأنسباء، ولا يحقق إنجازاً يستاهل الذكر. ولم يعد التشكيل الوزاري يعني سوى إقالة حكومة واستدعاء أخرى لا تختلف عن سابقتها، إلا بتغيير عدد من المكلفين والإتيان بوزراء جدد. وبات منصب الوزير ترضية وتنفيعاً يخضعان لشروط المحاصصة والعلاقات الشخصية. وتفشى هوس التوزير وحلم الحصول على لقب معالي، عثماني الأصل، طمعاً بالبريستيج والامتيازات المادية. ولقد جلس على كرسي هذا المنصب من ليس أهلاً له بمعايير الكفاءة والأحقية، وهم كُثُر. وترتب على ذلك تنامي الحساسيات وارتفاع منسوب الأنانية، وخاصة في البيئات العشائرية، وبالتالي إذكاء التهافت للظفر بحقيبة وزارية. وتلك أمور تم استغلالها على ما يبدو، كأحد وسائل السيطرة على النشطاء والقادة المبرزين في الحياة الاجتماعية والسياسية، للتحكم بالمجتمع ككل وضبط حركته. أظننا هنا، وضعنا الإصبع على أحد ألغاز التشكيلات والتعديلات الوزارية المتتالية. 
وفي مقابل كل ما ذكرنا، تتردى الأحوال العامة. فالمديونية إلى ارتفاع، ومعدل البطالة يزيد ولا ينقص، وجيوب الفقر تتسع. والحياة السياسية يتم افقارها بتجفيفها من الحيوية. وفي الأفق، تلوح تحديات سياسية وجودية. 
مقصود القول تأسيساً على ما تقدم، لقد تأكد بؤس آلية تشكيل الحكومات في الأردن وثبت عُقمها،  وبخاصة في ظل تعاظم التحديات، ومع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الواقع الأردني.
الحل، حكومات منتخبة تتحمل المسؤولية. فمن اهم قواعد العدل وركائزه بمعايير الحاضر، أن كل من يمارس السلطة ويتولى المسؤولية، يجب أن يخضع للمراقبة والمتابعة والمحاسبة.