اللواء المتقاعد مروان العمد يكتب:العودة للحديث عن الكورونا ودور الحكومة

جهينة نيوز -منذ ظهور جائحة كورونا كتبت العديد من المقالات عنها وتحدثت عن بدايات تسللها الى الاردن من خلال جسد مواطن اردني قادماً من الخارج . ثم تكررت الحالات مما تطلب الامر الى تفعيل قانون الدفاع واصدار بعض القرارات التي منعت التجول واغلقت المنشأت والمحال وتعطلت الحياة الاقتصادية . وكان الاعتقاد انذاك انها مسألة ايام ويتم خلالها القضاء على الوباء والعودة للحياة الطبيعية . ولكن كان لهذه القرارات آثاراً كارثية على المواطنين ومصادر دخلهم وعلى الوضع الاقتصادي بشكل عام . مما حدى بالحكومة الى اتخاد عدة قرارات تدريجية للتخفيف عن المواطنين واعادة الاقتصاد الى الحياة بشكل تدريجي معتمدة على وعي المواطنين بالالتزام بتعليمات الوقاية الصحية من هذا الوباء .

لكن في الواقع كان تخفيف هذه القيود يتم بتسارع اكثر مما يجب ساعد على ذلك قلة حالات الاصابة بالوباء في الاردن وان معظم الاصابات كانت غير محلية واصبحنا نشهد صفر من الحالات لعدة ايام وكنا نقترب من الدخول الى المنطقة الخضراء وهي الخفيفة الخطورة.

ولكن وفجأة تغير الحال واصبحت تظهر لدينا حالات اصابات كثيرة معظمها محلية ورافقها تبادل في تحميل المسؤوليات عما حصل مابين الحكومة وما بين المواطنين .

وحتى اكون حيادياً فأنني سوف اتعرض اولا لدور الحكومة ومسؤوليتها ، ثم سوف اتحدث عن مسؤولية المواطنين . علماً انني سوف احصر حديثي فيما يتعلق بجائحة كورونا فقط .

مسؤولية الحكومة : -

أولاً / المعابر الحدودية البرية : -

فقد شكلت تلك المعابر نقاط ضعف كان الفيروس يتسلل من خلالها الى داخل البلاد وكانت البداية من حدود العمري حيث كان يُسمح لسائقي الشاحنات القادمين الى الاردن من خلاله بتوقيع تعهد على الالتزام بالحجر المنزلي لمدة اسبوعين . ولكن للاسف كان بعضهم لا يلتزم بذلك مما تسبب في ظهور عدة بؤر وبائية بين مخالطيهم . ولمعالجة ذلك اعلنت الحكومة عن عزمها حجر السائقين القادمين لمدة خمسة عشر يوماً في كرفانات خاصة وضعت لهذه الغاية في المنطقة الحدودية ، ليظهر بعد ذلك ان الكرفانات لم تكن كافية ولا مهيئة لذلك وان السائقين كانوا يفترشون الساحات مختلطين مع بعضهم او ينامون في سياراتهم وبعضهم استطاع التسلل والدخول للبلاد . حيث قامت الحكومة بالاعلان عن تطبيق طريقة باك تو باك والتي تعني ان الشاحنات القادمة من الخارج لا تدخل ، وان يتم نقل حمولاتها الى اخرى توصلها الى غايتها داخل الاردن او لنقطة الحدود التي سوف تتابع سفرها منها ويبقى سائق السيارة القادمة محجوراً على الحدود . ليظهر انه كانت هناك نقاط خلل كثيرة ،حيث كان يتم الاختلاط بين السائقين القادمين وعمال التفريغ وشركات التخليص ومع العاملين في المركز . وان بعض الشاحنات القادمة من العراق او سورية في طريقها الى السعودية او العكس تمر عبر الاراضي الاردنية عن طريق الترانزيت بسائقيها ومن غير حجر .

وفي نفس الفترة الزمنية انفجرت اصابات معبر جابر الحدودي وباعداداً كبيرة حيث تبين عدم التزام بعض العاملين هناك بتطبيق تعليمات الوقاية الصحية مما تسبب باصابة عدد منهم ونقلهم الوباء لعدد من ذويهم ومخالطيهم مما دعى الحكومة الى اغلاقه وحتى الآن . ولقد بدى بذلك مدى الضعف والتخبط والتأخر في الإجراءات الحكومية في احكام السيطرة على هذه المعابر .

نعلم ان موضوع المعابر الحدودية البرية موضوعاً شائكاً ومعقداً وانه يتعلق بحركة التجارة الدولية وان هذه الحركة مصدر رزق للسائقين الاردنيين ووسيلة لهم لتسديد التزاماتهم المالية وخاصة اثمان شاحناتهم . ونعلم ان هذه المراكز مكان عمل ومصدر رزق لشركات التخليص ، بالاضافة للعاملين الاردنيين من مختلف الاجهزة هناك . ونعلم مدى صعوبة التزام الجميع بوضع الكمامات طوال لوقت بسبب الجو الصحراوي ودرجات الحرارة المرتفعة في المعبرين . لكننا في ظرف استثنائي يتطلب إجراءات استثنائية ومراقبة مستمرة لهذه الاماكن لأن الوضع الصحي في الاردن هو الذي يجب ان تكون له الاولوية القصوى .

ثانيا / المعبر الجوي : -

صحيح ان هذا المعبر لم يغلق اغلاقاً تاماً منذ بداية الجائحة ، وستمرت به عمليات الشحن الجوي وكذلك عمليات اعادة مواطنين اردنيين ممن تقطعت بهم السبل في الخارج بالاضافة لعمليات اخلاء لمواطنين من جنسيات اخرى الى بلادهم ومن خلال ترتيبات مسبقة . الا انه ومع تخفيف إجراءات الحظر الشامل وضرورة ان يشمل هذا التخفيف المطار ، فقد طُرحت عدة سيناريوهات لتحقيق ذلك والشروط المطلوبة وتصنيف الدول حسب القوائم الخضراء والصفراء والحمراء وكيفية التعامل مع القادمين من الدول المصنفة حسب هذه الالوان والتي تتراوح ما بين خفيفة الخطورة ومعتدلة الخطورة وشديدة الخطورة وعلى التوالي . وقد سادت في البداية الضبابية وعدم الوضوح وعدم الثبات في هذه السيناريوهات . الى ان صدر السيناريو الاخير والذي كان افضل من سابقيه ، الا انه لم يسلم هو ايضاً من الضبابية والتعديل والتغير المستمر والتصريحات المتناقضة . وبدى واضحاً انه لا يوجد رأي متفق عليه حول اعادة الحركة في المطار ما بين التوسع فيها او تشديدها وكل ذلك بسبب عدم الوصول الى سياسة موحدة للتعامل مع هذا الوباء . كما ان هذا السيناريو لم يحدث فارقاً كبيراً في حركة المطار نتيجة التخوف من الاقدام على السفر لاحتمال تغيير التعليمات بأي لحظة من اللحظات ومنها تصنيفات الدول ما بين الالوان الثلاثة عند العودة . كما بقي اننا كأردنيين لا زلنا لا نعرف ما هي الإجراءات المطلوبة منا اذا اردنا ان نسافر الى دول اخرى ؟ وما هي الدول التي يمكن ان تستقبلنا وماهي الشروط والمتطلبات المطلوبة التي تتيح لنا ذلك ؟ وما هو تصنيف الاردن لدى هذه الدول ، وهل يمكن منحنا التأشيرات اللازمة من قبل السفارات المعنية ؟

ثالثاً / المدارس والجامعات : -

لقد كان البعض من ذوي الطلبة يطالبون بتأخير بداية العام الدراسي حتى تستقر الحالة الصحية نسبياً ، وكان البعض يطالب باستخدام اسلوب التعليم عن بعد ، فيم كان آخرون يطابون بضرورة فتح المدارس والجامعات لعدم قناعتهم بالدراسة عن بعد . وكان موقف وزارة التربية والتعليم يتأرجح ما بين اعادة فتح المدارس والجامعات مع المحافظة على التباعد والتبادل في ايام الدوام المدرسي ، او التعلم عن بعد باعتباره هو الحل الامثل وحسب الحالة الوبائية الامر الذي اثار الكثير من الجدل واللغط حوله . وعندما استقر قرار الوزارة على فتح المدارس مع قرب بداية العام الدراسي اخذت تزيد حالات الاصابات في البلاد مماجعلها تقرر فتح الصفوف الدراسية الثلاثة الاولى فقط بألاضافة لطلبة الثانوية العامة ، واتباع اسلوب الدراسة عن بعد لبقية الصفوف وتأجيل فتح الحضانات ورياض الاطفال لاسبوعين . مما زاد من حالة البلبلة والجدل حول صوابية قرارات وزارة التربية والتعليم . وما ان بدأت الدراسة في المدارس التي سمح لها بذلك حتى اخذت تظهر حالات اصابات بين طلبتها والعاملين بها مما كان يتطلب اغلاق المدارس التي تظهر بها مثل هذه الاصابات لمدة اسبوعين و استبدال التعليم بها عن بعد خلال فترة الاغلاق . والى الآن غير معروف ما هو القرار الذي سوف تتخذه وزارة التربية والتعليم خلال الفترة القادمة وهل سيلتحق الطلبة في المدارس ، ام ستبقى دراسة عن بعد ام خليط بينهما مما سيبقي المشهد على ضبابيته وعدم وضوحه.

وسيبقى اي حل تتخذه محل انتقاد من اولياء امور الطلبة وكما سيلقى على عاتقها مسؤولية اية اضرار قد تحدث مستقبلاً .

رابعاً / ازمة المستشفيات الحكومية : -

فقد تسبب تخصيص بعض المستشفيات الحكومية لمصابي الكورونا بشكل كلي وبعضها بشكل جزئي الى حصول ضغط على ما تبقى من مستشفيات حكومية والتي اصبحت عاجزة عن القيام بواجباتها اتجاه المرضى لنقص الاسرة والطواقم الطبية الضرورية بعد ان تم تخصيص قسم منها للتعامل مع هذا الوباء . ولعل تلك الطفلة التي انتقلت الى رحمة الله تعالى اثر عملية زائدة دودية تأخر إجراؤها بسبب عدم توفر سرير لها في المستشفى مما ادى لانفجارها وعدم نجاح محاولات انقاذ حياتها اكبر مؤشر على النتائج الخطيرة لهذا الوضع . ومع تزايد حالات الاصابة في هذا الوباء فأنه من الممكن ان لا تتسع المستشفيات المخصصة للتعامل معه للمصابين به مما سيتطلب زيادة عدد الاسرة المخصصة له مما قد يكون على حساب بقية المستشفيات . فلماذا لا يكون الحل عن طريق عمل مستشفيات ميدان لمعالجة مصابي كورونا تقام في مناطق متعددة ومختلفة ونحن لدينا خبرات جيدة في هذا المجال واعادة مستشفياتنا لممارسة عملها الطبيعي والاعتماد اكثر على الحجر المنزلي في حالات ثبوت الاصابة وعدم ظهور الاعراض وضمن شروط ومتطلبات واضحة وملزمة.

خامسا : - التصريحات والقرارات الحكومية : -

ان تكرار التصريحات الحكومية الرسمية والطبية وتكرار الاخطاء فيها افقد المواطنين الثقة بها ، كما ان كثرة المتحدثين الذين يصرحون لوكالات الانباء والفضائيات والصحفيين جعل هناك فروقات واضحة بين ما تصرح به كل جهة عن الاخرى ، فأن الارقام التي تصدر عن المحافظين والمتصرفين نجد انها في نهاية اليوم لا تتطابق مع التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة . كما ان كثرة المقابلات والتصريحات الصحفية والتلفزيونية لاعضاء اللجان الوبائية ومسؤوليها كان يظهر فيها تناقضات واضحة ، وكان كل واحد منهم يطرح فيها وجهة نظره الشخصية وقناعاته عن الطرق الاسلم لمواجهة الوباء مما كان يعطي انطباعاً بأنهم ليسوا على رأي واحد . وحتى تصريحات ومقابلات مدراء المستشفيات كانت تظهر التناقض مع الارقام النهائية لأن كل واحد يصرح بناء على المعلومات التي لديه في حين ان التصريح كان يجب ان يكون على المعلومات النهائية بعد تجميعها وتدقيقها ثم اعلانها . كل هذه التناقضات والاختلافات افقدت المواطنين ثقتهم بالتصريحات الحكومية النهائية . كما ان تزاحم المسؤولين الحكوميين والصحيين للظهور على شاشات التلفزة او قل تزاحم هذه الشاشات عليهم لكي يظهروا عليها ليكسبوا فضل السبق الصحفي ، اوقع هؤلاء المسؤولين في الكثير من الاخطاء لأنهم في الاساس غير مؤهلين للقيام بهذا الدور والحوار مع صحفيين محنكين يسعون لإيقاعهم في المطبات في حديثهم عما يفعلون بالرغم من ان عملهم اكبر واهم مما يقولون على هذه الشاشات ، الامر الذي جعل بعضهم يستخدم تعبيرات وتشبيهات هي بالرغم من صحتها ومطابقتها للواقع قد تكون غير مناسبة ان تقال وبهذه الطريقة والعبارات والتي لا تلاقي قبولاً من جمهور يقف على الوحده ونصف في انتظار ان يقع المتحدث بخطأ ما حتى يتم استلامه على شبكات التواصل الاجتماعي وبطريقة لا تدل على اخلاق الاردنيين ولكنها هي عبارة عن حالة تنفيس عن وضعية الارتباك وعدم اليقين والثقة التي اوقعتهم به تصريحات الحكومة وقراراتها وتصرفاتها ، مما يجعلهم يتناسون كل نجاحاتها ويركزون على هذه الهفوات والزلات الصغيرة بطريقة هي اقرب الى التنمر من النقد او حتى الفكاهة .

كما ان تكرار اتخاذ قرارات ببعض الاغلاقات اثار الكثير من الجدل حول مدى نجاعتها في التصدي للوباء اما لعدم القناعة بها او لأن المتضررين منها يشنون عليها حملاتهم الضارية او لآثارها الاقتصادية السلبية . كما ان قرارات اغلاق اماكن العبادة اثار الكثير من ردود الفعل المعارضة لهذا الإجراء وعدم القناعة به .

قد تكون هذه الاخطاء الحكومية من اسباب عودة ظهور الوباء وبهذه الاعداد المتزايدة . ولكن هل يعقل ان يقال انها تتعمد ادخال الوباء كما ادعى البعض ؟ وماذا عن فشل دول العالم اجمع في التصدي له والانتصار عليه ؟ وماذا عن ظاهرة زيادة حالات الوباء في كل دول العالم بنفس الفترة الزمنية ووصولها الى ارقاماً قياسية جعل الكثير من دول العالم تتخذ اجراءات وقيود على حركة مواطنيها لم يسبق لها ان اتخذتها من قبل ؟ فهل اخطاء حكومتنا هي المسؤولة عن الانتشار الواسع لهذا الوباء في العالم ايضاً ؟ وهل فعلاً ان الحكومة والمسؤولين في الاردن قد فقدوا السيطرة على الوباء والذي ارتفعت ارقام المصابين فيه الى ارقاماً كبيرة ومخيفة ام ان هذه ظاهرة عالمية تعود للتطور الذي يحدث لهذا الفيروس ؟ وماذا عن مسؤوليتنا نحن كمواطنين ؟ الا نتحمل قسماً كبيراً من هذه المسؤولية ؟ وعن هذا سيكون حديثي القادم ان شاء الله.