د. سوزي حاتوغ تكتب :التعليم السياحي ورأس المال البشري بعد الكورونا إ

جهينة نيوز -التعليم السياحي ورأس المال البشري بعد الكورونا
إعداد د. سوزي حاتوغ  –  بوران
مقيّم جودة برامج التعليم السياحي- شهادة التيدكوال – معتمد لدى أكاديمية السياحة في
منظمة السياحة العالمية @SuzyHatough 

   يواجة قطاع التعليم السياحي والفندقي في العالم بشكلٍ عام، وفي الأردن بشكل خاص تحدي غير مسبوق في رفد القطاع السياحي بالموارد البشرية المؤهلة نتيجة تداعيات أزمة الكورونا (covid-19) على القطاع السياحي ، ويتمثل هذا التحدى في إعادة بناء الثقة لدى الطلاب حول جدوى برامج التعليم السياحي في توفير فرص عمل، ومستقبل مهني واعد لهم، بعد أن تعرض القطاع السياحي العالمي والمحلي لضربة قاسية نتيجة تفشي جائحة كورونا، الأمر الذي عكس مدى هشاشة الأنظمة الاقتصادية و الاجتماعية الخاصة بالقطاع السياحي في التصدى للجائحة، وسهولة تأثرها بالظروف الإقليمية والعالمية.  
  وقد أشارت التقارير الصادرة عن منظمة السياحة العالمية أن الاقتصاد السياحي العالمي هو الأكثر تأثرا بالأزمة بسبب الإجراءات الصحية المتخذة وإغلاق الحدود بين الدول، مما أدى إلى خسائر قد تصل إلى  1.2 بليون دولار أمريكي حتى نهاية عام 2020،  وتعرض 120 مليون شخص حول العالم لخطر فقدان وظائفهم المباشرة في السياحة، أما على الصعيد المحلي فقد تراجع الدخل السياحي بنسبة 56% خلال شهر آذار للعام 2020 حسب بيانات البنك المركزي الأردني، منذراَ بذلك بآثار إقتصادية وإجتماعية أكثر خطورة على المدى الطويل نتيجة لإلحاق الأضرار المالية بمئات الاستثمارات الكبيرة، والأعمال الصغيرة والمتوسطة وخروجها من السوق لعدم قدرتها على الصمود أمام الجائحة.  
  وتجدر الإشارة أن السياحة تتميز عن باقي القطاعات باعتمادها الرئيسي على العنصر البشري، وبقدرتها على توفير الوظائف والأعمال الحرة في المجتمعات المحلية، لذلك يعتبر التعليم والتدريب السياحي من أهم الأدوات في تمكين رأس المال البشري وزيادة كفاءة وإنتاجية المؤسسات في القطاع السياحي، ونتيجة للنمو الهائل في القطاع السياحي العالمي خلال العقدين الماضيين متأثرا بالثورة المعرفية والتكنولوجيا الرقمية فقد أصبح رأس المال البشري يشكل ركيزة أساسية في إطار الإقتصاد المعرفي، وقيمة تنافسية مستدامة في بيئة الأعمال سريعة التغير كقطاع السياحة، وحسب تقرير المواهب الصادر عن مجلس السياحة و السفر العالمي في عام 2015 فإن تعزيز رأس المال البشري من خلال تطوير التعليم و التدريب المستمر تماشيا مع متطلبات الاقتصاد المعرفي يعتبر عاملاَ ممكنا للنمو الاقتصادي المستدام، وتحقيق التنافسية وان على الدول التوجة نحو الاستثمار في رأس المال البشري في القطاع السياحي بالتركيز على التعليم والمعرفة والابتكار لزيادة منعة الاقتصاد على أسس التنمية المستدامة.
   ومع بروز السياحة كقوة إقتصادية عالمية، وأداة هامة في تخفيف الفقر، والبطالة وتحقيق الرفاه للشعوب فقد طورت أكاديمية السياحة في منطمة السياحة العالمية معايير الجودة في برامج التعليم والتدريب السياحي بهدف إعداد موارد بشرية قابلة للتوظيف، وتمكينها بالمهارات والإتجاهات المسؤولة للإسهام في التطوير المستمر، والقدرة على قيادة خطط التنمية المستدامة في المجتمعات.   
  وفي ذات السياق، دعت منظمة السياحة العالمية الحكومات والمجتمع المحلي إلى تعلم الدروس المستفادة من الأزمة، وتحويلها إلى فرص لإعادة بناء قطاع سياحي مسؤول يتسم بالعدالة والمساواة لتوفير حياة أفضل للأجيال القادمة. كما دعت الحكومات إلى اتخاذ السياحة كأداة فعّالة في تحقيق الخطط لأهداف التنمية المستدامة للعام 2030، والتقيد بإتفاق باريس لعام 2015 من خلال تطوير سياساتها وخطط التنمية المحلية بما يسهم في زيادة منعة الإقتصاد السياحي المستدام ذاتياَ، والاستثمار في رأس المال البشري، والاحتواء الاجتماعي، مع التقيد بمعايير الاقتصاد الأخضر. 
   يعاني التعليم السياحي في الأردن بشكل خاص من تحديات كثيرة ممثلة بضعف القدرة على تلبية حاجات سوق العمل السياحي بالكفاءات والمهارات قبل جائحة كورونا، مع العلم أن الأردن كان من أوائل الدول التي أنشأت مؤسسات تعليم و تدريب سياحية يحتذى بها في منطقة الشرق الأوسط، واتخذ محور تطوير رأس المال البشري السياحي كأحد ركائز الاستراتيجية الوطنية للتنمية في قطاع السياحة منذ 2004 حتى الآن، إلا أن هذه الجهود لم تحقق الغايات المرجوة للتعليم في تعزيز البعد الفكري والثقافي للمجتمع الأردني، وفي دفع عجلة النمو الاقتصادي والإجتماعي المستدام. 
    وحسب نتائج الدراسة المسحية التي اجرتها الوكاله الاميركيه للإنماء الدولية – مشروع السياحة لتعزيز الاستدامة الاقتصادية في الاردن في العام 2019 حول تقييم المهارات المستقبلية في القطاع السياحي الأردني - على مؤسسات التعليم و التدريب المعنية في القطاع السياحي التي بلغ عددها 34 مؤسسة (تشمل تعليم عالي، وتقني، ومهني، وثانوية عامة)، بلغ عدد الطلاب المتوقع تخرجهم 15,556 خريج خلال الأعوام 2019-2023 ، بينما أشارت الدراسة إلى أن 50-55%   فقط من هؤلاء الخريجون يعملون في القطاع السياحي، وان مساهمة المرأة في سوق العمل شكلت 9% فقط من مجموع القوى العاملة في السياحة.  
    وقد خلصت نتائج التقرير إلى أن ثقافة العيب نحو المهن السياحية، وضعف العلاقة بين الصناعة والتعليم ، بالإضافة إلى ضعف التخطيط الاستراتيجي، والتمويل تعتبر من أهم التحديات التي تواجة برامج التعليم الفندقي و السياحي، مما انعكست آثاره على جودة المناهج التعليمية والتدريبية والمخرجات التربوية، والنمو المهني المستمر لأعضاء هيئة التدريس، وأدى إلى تدني الخدمات المقدمة للطلاب من مرافق تعليمية و تدريبية في تهيئة الطلاب أثناء الدراسة نحو بيئة عمل حقيقية في صناعة السياحة، ومتابعة الخريجون.
    كما أشارت النتائج أن الخريجين من المؤسسات التعليمية يفتقرون إلى المهارات الأساسية التي يتطلبها القطاع السياحي في عصر العولمة، خاصة اللغة الإنجليزية ، ومهارات الاتصال والتواصل، والتفكير العالميGlobal Thinking  ، والقدرة على الابتكار واستخدام التكنولوجيا الرقمية المتخصصة في الأعمال السياحية.  
    وفي ضوء التوقعات العالمية والمحلية فإن السياحة العلاجية ، والريفية، والبيئية، والتراثية سوف تلقى اهتماما كبيرا لدى الزوار عند فتح المعابر الحدودية، وتخفيف الإجراءات الصحية للسفر ما بعد الأزمة، مما يتطلب من إدارة المؤسسات التعليمية إعادة النظر بسياسات واستراتيجيات التعليم والتدريب السياحي بهدف زيادة جاذبية البرامج للشباب، والمرأة، وتطوير برامج تعليم تحقق التوازن بين تطلعات الشباب والمجتمع نحو مستقبل أفضل لتلبية حاجات سوق العمل السياحي الجديد من الوظائف و الأعمال الريادية ما بعد كورونا. 
   كما يعتبر تطوير التعليم السياحي والفندقي في الأردن مطلب وطني لتعزيز قدرة مؤسسات التعليم والتدريب على الاستمرار والمنافسة، حيث تشير التوقعات أن قطاع السياحة والسفر العالمي لن يعود كما كان عليه سابقاَ، من حيث حجم النمو وطبيعته، وستظهر أنماطاَ سياحية جديدة تقودها التكنولوجيا الرقمية والابتكارات التي تركز على تلبية الرغبات الفردية، وممارسات الاقتصاد الأخضر في المنشأت السياحية، الأمر الذي يتطلب مراجعة حقيقية لفلسفة وأهداف التعليم السياحي انسجاماً مع الاتجاهات الجديدة بعد جائحة كورونا في التوجة نحو التحول الرقمي، والابتكار، والبيئة المستدامة، فالتعليم السياحي يمتاز بخصوصية يستمدها من طبيعة السياحة، وغاياتها في تحسين حياة الإنسان كونها وسيلة للسلام، والتفاهم بين الثقافات، ورافدا للاقتصاد والنمو الاجتماعي، ووسيلة هامة في الحفاظ على التراث المحلي، والتنوع الحيوي في الوجهات السياحية. 
   إن أهمية السياحة في رفد الاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة في الأردن، يستدعي إنشاء مجلس وطني للتعليم وإدارة المخاطر، يتولى مهام الإشراف على إصلاح نظام التعليم السياحي بالتوافق مع سياسات سوق العمل السياحي وتطويرها باستمرار في ضوء التأثيرات والمتغيرات العالمية، على أن يتم ذلك بالشراكة الحقيقية بين ذوي الخبرة في القطاع السياحي بهدف المساهمة في إعداد رأس مال بشري قادر على التنبؤ بالمخاطر، وتنويع الإقتصاد السياحي المحلي و زيادة التنافسية ليس فقط على مستوى المهنيين في سوق العمل، إنما أيضا على مستوى القيادات العليا في المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص في مجال التخطيط، وإدارة المخاطر، والتمويل، وفي مجال التكنولوجيا المتقدمة في السياحة.