منتدى التعاون العربي الصيني... آفاق رحبة للتعاون الاقتصادي

ُعقدت في ّ عمان یوم الاثنین الماضي أعمال الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصیني، وقد فرضت التطورات الراھنة عقد الاجتماع عبر آلیة التواصل المرئي، وصدر عن الاجتماع ثلاث وثائق ھي «إعلان ّعمان»، و«البرنامج التنفیذي لمنتدى التعاون العربي الصیني 2020–2022 ،«و«البیان المشترك لتضامن الصین .«والدول العربیة في مكافحة فیروس كورونا المستجد وقد لوحظ أن التغطیة الإعلامیة لھذا المؤتمر أولت جل اھتمامھا للجانب السیاسي، إضافة إلى موضوع التضامن وتكاتف الجھود في مواجھة جائحة كورونا وتداعیاتھا، وھذا أمر مفھوم في ظل الظروف والمستجدات الحالیة، ولا شك بأن مجرد انعقاد ھذا المؤتمر یشیر إلى رغبة أكیدة من الجانبین العربي والصیني في تعزیز أواصر التعاون .المشترك القائم على المنفعة المشتركة والاحترام المتبادل وھنا لا بد من الإشارة إلى أن منتدى التعاون العربي الصیني، الذي تُعقَد اجتماعاتھ على مستوى الوزراء كل عامین، كان قد تأسس في عام 2004 بمبادرة من الرئیس الصیني الذي زار الجامعة العربیة في ذلك العام حیث صدر في حینھ .الإعلان العربي الصیني المشترك وتقوم فكرة إنشاء المنتدى على أربعة محاور أساسیة ھي: التعاون في المجال السیاسي، والمجال الاقتصادي، والمجال الثقافي، والشؤون الدولیة. ومن الواضح أن العلاقات الاقتصادیة بین الدول العربیة والصین شھدت تطوراً لافتاً خلال السنوات الماضیة، فمثلاً ارتفع حجم التبادل التجاري بین الدول العربیة والصین من حوالي 26 ملیار دولار في بدایة .إنشاء المنتدى لیصل إلى أكثر من 266 ملیار دولار عام 2019 ،وسجل ارتفاعاً بما نسبتھ 9 %على أساس سنوي وشكلت الدول العربیة مجتمعةً أكبر مزود للصین بالنفط الخام، حیث استوردت الصین أكثر من 220 ملیون طن من النفط الخام من الدول العربیة، ما یشكل حوالي 44 %من إجمالي واردات النفط الخام الصیني، وھناك تسع عشرة دولة عربیة وقعت اتفاقیات ثنائیة مع الصین في إطار مبادرة الحزام والطریق، منھا اتفاقیات شراكة استراتیجیة بین اثنتي عشرة دولة عربیة والصین، كما شاركت ثماني عشرة دولة عربیة في معرض الصین الدولي للاستیراد، وانضمت .خمس عشرة دولة عربیة إلى بنك الاستثمار الآسیوي في البنیة التحتیة وفي إطار مكافحة الجائحة قامت الصین بتقدیم اِمدادات ومساعدات طبیة لعدد من الدول العربیة لتمكینھا من مواجھة .انتشار فیروس كورونا؛ بما في ذلك كمامات وشرائح فحص وملابس واقیة ومختبرات وتعتبر الصین من أكبر المستثمرین في الدول العربیة، وھناك ما یقارب 107 مشاریع تعاونیة في عدة محالات حیویة، ففي الأردن مثلاً ھناك مشاریع استثماریة في مجالات الطاقة والتعدین والصناعة وغیرھا، كما أن دول الخلیج العربي لدیھا العدید من الاستثمارات الصینیة بما في ذلك الكویت والمملكة العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة، إضافة إلى مصر والجزائر والمغرب، ولا یتسع المجال ھنا لتناول ھذه المشاریع بالتفصیل، ولكن باختصار یمكنالقول إنھا تشكل مثالاً على التعاون البنّاء الذي یخدم المصالح المشتركة، ویساھم في ترسیخ أسس التنمیة الاقتصادیة، ورفع مستوى المعرفة التكنولوجیة، وخاصة عبر التعاون البحثي والفني في مجالات متطورة مثل علوم الفضاء . ّ والطاقة المتجددة والطاقة النوویة للأغراض السلمیة والأقمار الصناعیة، وغیرھا ومن المجالات المثیرة للاھتمام والتي تمثل أھمیة خاصة للدول العربیة قیام باحثین صینیین بتطویر تقنیة لمنح جزیئات الرمال الصحراویة نفس الخصائص البیئیة والمیكانیكیة التي تتمتع بھا التربة الطبیعیة، وذلك عن طریق إضافة مادة رابطة إلیھا، بمعنى آخر یمكن من خلالھا تحویل رمال الصحراء الى تربة قابلة للزراعة، وھناك بعض الدول العربیة التي أبدت اھتماماً بھذه التقنیة وترغب بتعزیز التعاون في ھذا المجال، ومن الواضح أن أمام الدول العربیة مجالات واسعة للتعاون الاقتصادي والتقني مع الصین، ومن المھم أن نحسن الاستفادة منھا بما یحقق المصالح الوطنیة والتنمیة الشاملة، وبما ینعكس على مستوى حیاة المواطنین ویساھم في توفیر فرص عمل لھم، خاصة، أن البطالة بین الشباب .العربي تعتبر من أھم التحدیات التي تواجھ مختلف الدول العربیة لكن من أھم ما تجدر الإشارة إلیھ في ھذا المجال أنھ وبالرغم من أن منتدى التعاون العربي- الصیني شكل قاعدة للتعاون بین الدول العربیة والصین، إلا أن آفاق التعاون والاستثمارات والمشاریع المختلفة لا تزال تتم في إطار ثنائي بین كل دولة عربیة على انفراد والصین من جانب آخر، وھذا یشیر بوضوح إلى أن الدول العربیة ومؤسسات العمل العربي المشترك، التي تشارك في أعمال المنتدى، لا تزال غیر قادرة على صیاغة رؤیة استراتیجة تستطیع من خلالھا ان ترسخ الإقلیم كمنطقة تنمویة قادرة على استغلال تنوع الإمكانات المادیة والبشریة المتوافرة لدیھا لتعزز .العلاقات القائمة بین الدول العربیة من خلال مشاریع تنمویة مشتركة وبمساعدة استثماریة وتكنولوجیة من الصین فمثلاً ھناك شكوى دائمة من تواضع حجم التجارة البینیة بین الدول العربیة، ویعزى ذلك في جزء منھ لارتفاع كلف النقل أو عدم توفر وسائط النقل المناسبة، فما الذي یمنع أن تقوم الدول العربیة أو جزء منھا باعتماد مشروع ربط بالسكك الحدیدیة وتنفیذه بإحدى صیغ الشراكة بین القطاعین العام والخاص، تماماً كما أنھ لا یوجد ما یمنع من التفكیر .بمد أنابیب للنفط والغاز العابرة للدول العربیة بما یجنبھا التوترات الإقلیمیة ویسھل وصول منتجاتھا للأسواق العالمیة والأمرلا یقتصر على ذلك بل یمكن أن یشمل العدید من مشاریع البنیة التحتیة الأخرى مثل الموانىء والمطارات والربط الكھربائي وغیرھا، والتي یمكن أن تشكل خطوة نوعیة لیس في مجال تعزیز التكامل الإقلیمي وحسب، وإنما .أیضاً كأداة لرفع مستوى النمو والنھوض بمختلف القطاعات الاقتصادیة ان المستوى المتمیز الذي بلغتھ العلاقات العربیة الصینیة والفرص الكامنة في ھذه العلاقة القائمة على التعاون والثقة وعدم التدخل في الشؤون الداخلیة، تدفعنا للتفكیر ملیاً في أفضل السبل لتطویرھا والاستفادة منھا كعامل ّ یوحد المصالح بین الدول العربیة اذا استطاعت الأخیرة أن تلتقي على مجموعة من الأھداف والمنافع الاقتصادیة المشتركة، فھناك العدید من الفرص غیر المستغلة وما نحن بحاجة إلیھ ھو البحث عن المصالح المشتركة القابلة للتنفیذ في إطار یحققالطموحات التنمویة لدولتین أو أكثر، وتبنّي ذلك عبر مشاریع وبرامج محددة، مع الأخذ في الاعتبار أن التعاون بین أكثر من دولة یمكن أن تكون لھ منافع اقتصادیة تفوق كثیراً ما قد تحققھ دولة منفردة، خاصة أن مبادرة الحزام والطریق مبنیة على أساس توثیق العلاقات التجاریة والاقتصادیة بین الدول المختلفة وتسھیل انسیاب السلع .والاستثمارات عبر ھذه البلدان قد تكون الدول العربیة أمام فرصة تاریخیة للارتقاء باقتصاداتھا وتحسین مستوى معیشة مواطنیھا عبر الاستفادة من الفرص المتاحة في إطار التعاون الإقلیمي مع الصین، خاصة في ظل الظروف الحالیة حیث من المتوقع أن تشھد الدول الكبرى اقتصادیاً نمواً سالباً في حین ستحافظ الصین، وفقاً للتوقعات، على نمو إیجابي وإن بنسب متواضعة، كما أن الدول العربیة ستعاني بشكل او بآخر، سواء بسبب انخفاض أسعار النفط أو تقلص حوالات العاملین أو تراجع الاستثمارات الأجنبیة، ما یعني حاجة ملحة للاستثمارات ولأسواق لتصریف منتجاتھا او للحفاظ على سلاسل التزوید .لدیھا لذلك فان توثیق التعاون مع دول الجوار ومع الصین سیشكل أحد الخیارات المتاحة لمواجھة الصعوبات الاقتصادیة التي بات من الواضح انھا ستشمل مختلف دول العالم، فالعلاقة مع ثاني أكبر اقتصادات العالم، والذي تتوقع لھ مراكز الأبحاث أن یحتل المرتبة الاولى في غضون بضع سنوات، ستكون ذات أثر في مختلف مراحل التعافي الاقتصادي وما بعده، وھذا لا یمنع من الحفاظ على العلاقات التقلیدیة التي ترسخت مع مختلف دول العالم عبر السنوات الماضیة .بل قد یكون وسیلة للحفاظ علیھا وتعزیزھا ولعل ھذه الأفكار في توثیق العلاقات مع الصین من شأنھا أن تعزز حصیلة الحوارات العربیة- الصینیة خلال العقود الماضیة، والتي كان لمنتدى الفكر العربي ورئیسھ وراعیھ صاحب السمو الملكي الأمیر الحسن بن طلال المعظم – حفظھ الله ورعاه – دوراً رئیسیاً في مأسستھا منذ السنوات الأولى لانطلاقة المنتدى كمنبر للحوارات العربیة العالمیة، وتحدیداً منذ عام 1986 ،فقد كان المنتدى في مقدمة المراكز الفكریة العربیة في الدعوة إلى حوار مع الجانب الصیني یستشرف آفاق التعاون الاقتصادي والثقافي والقضایا ذات الاھتمام المشترك مع العالم العربي، فعقدت حوارات متعددة بالتبادل بین ّ عمان وبیجین على مدى السنوات الماضیة، وأصبحت تشكل رصیداً مھماً من المطالعات الواقعیة للخبراء والباحثین المتخصصین لدى الجانبین في العلاقات العربیة – الصینیة ومسارات الفھم والتفاھم المتبادلین على قاعدة .الاحترام والتعاون الذي یحقق مصالح الجانبین وینعكس على الاستقرار والسلم الدولیین یقف العالم الیوم على أبواب مرحلة اقتصادیة تحمل في طیاتھا تحدیات كبرى، وإذا ما اختارت الدول أن تواجھھا بشكل منفرد فذلك على الأغلب سیعمل على إطالة أمد الأزمة، ویبدو أن الخیار الأفضل ھو في مزید من التعاون بین مختلف دول العالم، مع إعادة ترتیب الأولویات وفقاً لما تملیھ المستجدات والاستفادة من التجارب والنجاحات التي .حققتھا بعض الدولوالأردن بما حققھ من نجاح منقطع النظیر في التصدي للجائحة بفضل حكمة قیادتھ الھاشمیة والمتابعة المباشرة من صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسین المعظم – حفظھ الله ورعاه–قادر على أن یوجھ طاقاتھ وما یتمیز بھ من مؤسسیة واستقرار لصنع فرص حقیقیة؛ تتیح لھ جذب الاستثمارات الباحثة عن فرص ملائمة وعن مشروعات ذات قیمة مضافة وبما ینعكس إیجاباً على التنمیة الاقتصادیة والمجتمعیة، مع عدم إغفال القطاعات الواعدة التي أثبتت قدرتھا على النمو والاستمرار وخدمة المجتمع في أحلك الظروف. ولعلھ من المفید العمل على تعزیز شراكة القطاعین العام والخاص وفق رؤیة تھدف لتعزیز التعافي الاقتصادي، والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي؛ بما في ذلك .الاستقرار المالي والنقدي تمھیداً لجذب الاستثمارات التي قد تكون متاحة لدى الدول الشقیقة والصدیقة