فاضل الحمود يكتب :القدس في عيون الملك

جهينة نيوز - 

قطراتُ دمِ شهيدُ الحقِ و صوتُ الشموخِ الذي هَتَفَ ( يا مَدفَعي سَدِّد و إقصِف مُوقِعي ) يُجَسِّدان العلاقةَ الحقيقيةَ المتجذرةَ بينَ ضِفتي نهرِ الإباءِ نهر الأردن والمُتناغمة بينَ القيادةِ و الشعب وهُنا يَتَأتى المعنى الحقيقي للإرادةِ السياسيةِ و الشعبيةِ في الأردن والإجماعِ المُطلق بإتجاهِ أهمِّ القضايا المِفصَليةِ والتي باتَت تُشكِّل مُنعطَفًا مصيريًا في الشرقِ الأوسطِ و الإقليمِ لا بل العالم بِرُمته فكانت وما زالت تَوجُّهات بنو هاشم الأخيار بإتجاهِ فلسطين كَقضيةٍ والقدس كَوصيةٍ، فما العام 1947 ببعيدٍ عن ذاكرةِ التاريخِ و الذي حملَ بينَ طَيّاتهِ الرفضَ القاطعَ لوجود (البلماخ والإرجون والهاجاناه والشتيرن والمتطوعين اليهود ) بعدَ أن أنهت المملكةُ المتحدةُ إنتِدابَها على فلسطين فكانت معاركُ اللطرون وباب الواد وجنين شواهدَ على التاريخِ ضرب من خلالِها الأردن أسمى معاني الصمودَ و الرجولةَ فتباكى آن ذاك رئيسُ الوزراءِ الإسرائيلي و مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريونأمام الكنيست وقال: ( لقد خسرنا في معركةِ باب الواد وحدَها أمامَ الجيشِ الأردني ضِعفَي قتلانا في الحربِ كاملة)

الإستمراريةُ و الثباتُ هما عنوان موقفِ الأردن بإتجاهِ القضيةِ الفلسطينةِ وتحديدًا القدس حيث تَوالَت الأجيال وتَنامَت الآمال وبقيت الطموحات بالرغم من إزدياد التحديات حتى وصلنا الى مرحلةٍ تُشبه الى حدٍ كبيرٍ الحربَ الباردةَ يحاول أطرافها كسبَ التأبيد العالمي وهُنا سُجِّل للأردن طول النفسِ والتأقلم مع المعطيات والمتغيرات السياسيةِ في الإقليمِ فكانت الحِنكةُ السياسيةُ و الثقةُ المطلقة و الإرداةُ الشعبيةُ أسلحةَ الأردن في إجتياز هذه المرحلةِ الحساسةِ فإستطاع جلالةُ الملكِ عبد الله الثاني ابن الحسين أن يُثبتَ للعالمِ بأن الأردن قادرٌ على الإمساكِ بزمامِ الأمورِ و يرسمُ ملامحَ السلامِ لا الإستلام فتَمَركزت القرارات على الثوابتِ فمنذ تولِّيهِ للسُلطةِ تحدَّثَ بِوضوحٍ بأن الجهودَ التي يقومُ بها لتوفيرِ الدعمِ العربي والدولي لدفعِ عمليةِ السلامِ هَدفُها إقامةُ الدولةُ الفلسطينية المستقلة و عاصمتُها القدسُ الشريف فمنذُ الإعمارِ الخامسِ للمسجد الاقصى و حتى اللاءات الثلاث في العام 2019 تبلورت للعالمِ نظرةُ الأردن بإتجاهِ القدسِ فما تركَ جلالة الملكُ محفلًا محليًا او دوليًا إلا وتحدثَ بهِ عن حقِّ الفلسطنيين بتَقريرِ المصيرِ و حفظِ الهويةِ العربيةِ للقدس والمحافظة على المقدساتِ الإسلاميةِ و المسيحيةِ هناك مؤكدًا على موقفِ الأردن الثابت بهذا الإتجاهِ من جانبٍ وقيمة القدس في ضميرِ الهاشميين من جانبٍ آخر حتى جاءَ العام 2013 حاملًا تجديدَ الوصايةِ الهاشميةِ على القدسِ و المقدّسات لِتستمر مسيرةَ الحقِّ و الدفاعِ عن المبادئ والقيم الأصيلة و المُتَجذِّرَة التي لا تعرف الهوانَ أو المُهادنةَ فأصبحَ الرأيُ السياسيَ للأردن يُشكِّلُ القُطبَ الموجبَ و مُفتاح القوى المؤثرةَ المبني على الأيمانِ بالسلامِ العادلِ الذي يَضمَنُ الحقَّ الكاملَ وغيرَ المَنقوصِ فَرَفضَ المُساومات التي تدارُ تحتَ طاولاتِ المُفاوضات ليكونَ الظاهرُ كالباطنِ ولِتبقى القدسُ الرقم الذي لا يَقبلُ القِسمةَ على إثنين وتبقى المملكةُ الأردنيةُ الهاشميةُ تَقِفُ في وجهِ كل محاولاتِ التهويدِ التي تتعرضُ لها المقدسات كل يوم، فالقدسُ وكما قالَ جلالة الملكُ خطٌ احمرٌ ولا بُدَّ من تكاتُف الجهودِ الدوليةِ لِوَقف تصاعد وتيرة الإنتهاكات الإسرائيلية في القدس وخاصةٍ في المسجد الأقصى المُبارك.

إن مَساعي جلالةُ الملكِ الراميةِ الى تحقيقِ السلامِ العادلِ و الشاملِ مع ضمانِ الهويةِ العربيةِ للقدسِ تؤكدُ الرؤيةَ الثاقبةَ جلالة الملك وقُدرَته على إدارةِ الدَّفةِ وتحويل البوصلةَ والقدرةَ على المُضي في نهجِ الوسطيةِ والإعتدالِ فمنعُ دخول التَّوتر الإقليمي إلى مرحلةِ كَسرِ العظمِ والوصول الى نقطةِ اللاعودة من جانبٍ و المحافظة على الحقوقِ الإسلاميةِ و العربيةِ والفلسطينيةِ من جانبٍ آخر بات يُشكّلُ مُعادلةً صعبةً لا تُفَكُّ رُموزُها إلا مِن خلال مَن يَملكُ النفسَ الطويلَ ويَملكُ القُدرةَ على تَجاوزٍ العَقَبات وإرضاخِ التحديات أمامَ مسيرةٍ حتميةٍ نابعةٍ من البُعدِ التاريخي المنسجمِ وطبيعةِ السِمات التي حَضيَ بها الهواشمَ" فَلا للتوطين ولا للوطن البديل ولا على القدس " أصبحت السياجَ الحصينَ الذي طَوّقَ القدسَ ومنعَ عنها خطرَ الغاشمِ ودَرَءَ شَرّ المُشكِك فبالرُغمِ مِن الصفيحِ الساخنِ الذي بات يَصلي المنطقةَ برُمتها والذي سقطَ في لظاه القوي قبلَ الضعيف إلا أن الأردن بقيَ مِثالَ التماسك والقوة وبَرهَنَ للجميع أن تلاحُم القيادةَ والشعب وأن تَناغُم النسيجِ الإجتماعي والسياسي هو المَلاذُ الآمِن من شتاتِ النِزاعات وأن التحديات لا تعطي الذريعة للتخلي عن المسؤوليةِ القوميةِ وأكبر دليلٍ على ذلك هو ما تَبَنّاهُ الأردن من موقفٍ تجاه تصريحاتِ (كوهين) بالرُّغمِ من جائحةِ كورونا وكأنهُ يقولُ أنا الجبلُ الذي لا تُهُزهُ الرياح .

تَعلّمنا وعَلّمنا الجميعَ أن الوطنَ أقوى في وقتِ المِحَن وأن المعادنَ لا تَبين أصولها إلا في وقتِ الشدائدِ فالقدسُ عربيةٌ والوِصايةُ هاشميةٌ والسواعدُ قويةٌ والجِباهُ شُمٌّ أبيةٌ ولَنا ومِنا القائدُ المِغوارُ الذي سنُكملُ معه المشوار وإن الأحرارَ مَن يَذودون عن حِما الدارِ وإن الأقدارَ مَن جعلتنا نكونُ هُنا في أكنافِ بيتِ المقدسِ نذودُ عن حِماه ولا نقبلُ ببديلٍ سِواه فرُفاةِ شهدائنا بتُرابهِ وضُلوعَنا أبوابه و نادَينا بالحقِّ في مِحرابِهِ وأننا نؤمنُ إيمانًا مطلقًا بأن سَليلَ المَجدِ والفخار عبد الله الثاني ابن الحسبن سيُسجلُ التاريخَ له هذه المواقفَ التي ستكون أحاديثَ البطولةِ وأمثلةَ الرُّجولةِ والواجب هُنا ومن الجميعِ أن نكون يدًا واحدةً ونمتلكُ القلوبَ الصامدةَ التي لا تَلين ولا تستَكين فالأولويات واضحةٌ للجميع فلن نُساومَ ولن نبيعَ وستبقى حناجرنا تَصدَحُ بالصوتِ المسموعِ اللذي باتَ يُشكل الرأيَ العامَ الدولي وسنبقى نقطةَ الوصلِ التي تسعى الى تظافرِ الجهودِ لما بهِ خيرَ القوميةِ العربيةِ وضِمن حريةِ القدسِ العربيةِ وهُنا نقولُ للقدسِ بأنك أختُ عمان وبأن زيتونكِ سيَطرحُ الزيتَ كلَ عامٍ فلا تَخافي ولا تَجزعي فأنت عرينُ الأسودِ والحلمُ المنشودِ وأنت في قلبِ عبد الله الذي عاهدك على الوفاءِ والمحبةِ.