إيتو: أزمة كورونا فرضت تحدياً غير مسبوق
جهينة نيوز -الدوحة – خاص
نشهد في الوقت الراهن حدثاً غير مسبوق في حياتنا، إذ يجتاح فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) كافة المجتمعات في جميع قارات وبلدان العالم. ويمكننا القول أن الأجيال الحالية لم تعاصر حدثاً كهذا من قبل. ولذلك أبدأ هذه السطور بالتعبير عن الدعم والمساندة لكل من تضرر جراء هذه الأزمة، كما أتوجّه بعميق الشكر والامتنان إلى جميع العاملين في القطاعات الأساسية لرعاية المصابين بالفيروس، خاصة أفراد الطواقم الطبية الذين يتصدرون الخطوط الأمامية في مواجهة الوباء، والذين يخاطرون بحياتهم في كل يوم من أجل سلامة جميع أفراد المجتمع. ولا تفوتني الإشادة بأفراد آخرين في مهام أخرى لا تقل أهمية، مثل العاملين في محال بيع المواد الغذائية، والصيدليات، وعمّال النظافة، والطيران، وغيرها من القطاعات الحيوية التي يعمل أفرادها دون كلل لتوفير الحاجيات الأسياسية للمجتمع في ظل هذه الأوقات العصيبة. ولطالما تصدّر نجوم الرياضة واجهة الإعلام باعتبارهم أبطالاً يُشار إليهم بالبنان، لكن الأزمة الحالية كشفت لنا أن دورهم يتضاءل أمام ما يواصل هؤلاء الأفراد بذله من جهود خلال الشهور والأسابيع الماضية، فهم بلا شك الأبطال الحقيقيون الذين يستحقون منا كل الإشادة والدعم على ما يقدمونه من جهود استثنائية في ظل تحديات غير مسبوقة. وفي مثل هذه الظروف تتراجع أهمية الرياضة، فقد جرى تعليق الدوريات، والبطولات، والأحداث الرياضية في أنحاء العالم، وبالطبع هذه خطوات وقائية ضرورية للحفاظ على صحة الأفراد والمجتمعات. وأرى أنه من المهم عند انتهاء هذه الأزمة أن نتطلع إلى المتعة والفائدة التي يمكن أن تحملها الرياضة لمجتمعنا العالمي. فبعد أن تسبب انتشار الفيروس في تباعد الناس عن بعضهم؛ سيأتي دور الرياضة في التقريب بين أفراد المجتمع من جديد، وتعزيز الترابط فيما بينهم.
طالعت مؤخراً مقالاً لصديقي تيم كاهل، سفير اللجنة العليا للمشاريع والإرث، حول القوة الفاعلة للأحداث العالمية الكبرى، مثل دورة الألعاب الأولمبية، وبطولة كأس العالم ™FIFA، في التقريب بين الشعوب، وأتفق تماماً مع رأيه وأتطلع إلى أن تعكس أسطري التالية هذه الحقيقة التي تؤكد الدور الرئيسي للرياضة في تعزيز الترابط بين الناس. ولدت في بلدة لا تبعد كثيراً عن مدينة ياوندي، عاصمة الكاميرون، وعشت بها حتى سن الثامنة، قبل أن تنتقل أسرتنا للعيش في مدينة دوالا التي تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد، وذلك بعد أن التحق والدي بالعمل محاسباً لدى إحدى شركات الإنشاءات في المدينة. وكما حال الملايين غيري؛ نشأت وأنا ألعب الكرة مع الأطفال في الشارع، وقد كانت الحياة بالنسبة لي هي الالتقاء بأصدقائي والاستمتاع معاً بممارسة لعبتنا المفضلة. ولكن الوضع الاستثنائي الذي يشهده عالمنا اليوم أجبر الجميع على البقاء في منازلهم، رغم أن كرة القدم بالنسبة للكثير من الناس ملاذهم من الفقر، والعُزلة، وصعوبات الحياة، فكرة القدم هي عالمهم الذي حُرموا منه بسبب الأزمة الراهنة. لكن بلا شك كان من الضروري اتخاذ إجراءات التباعد الاجتماعي لحماية مجتمعاتنا من خطر الإصابة بالفيروس. دائماً ما تخطر ببالي خلال هذه الأزمة ذكرياتي الرائعة مع كرة القدم خلال مرحلة الطفولة، فقد تمحورت حياتي حول هذه اللعبة، ولكن ذلك لم يرق لوالديّ على أي حال، فلم يتقبلا فكرة قضاء الكثير من الوقت في لعب كرة القدم، وأن ذلك، وفق رأيهما، ليس بالأمر الملائم إلا لأطفال خارج مقاعد الدراسة، وقد كنت بالطبع أذهب إلى المدرسة، كما أن أدائي في الدراسة كان جيداً إلى حد ما، لكن سيطر عليّ منذ صباي شغفي بكرة القدم. ما زلت أذكر عندما ذهبت يوماً للمشاركة في مباراة لكرة القدم بمديتني دون علم والدايّ، ولم أكن أتوقع حينها أن أبي قد يتواجد مع أصدقائه بالقرب من ملعب المباراة. ولحسن طالعي فإن أدائي في تلك المباراة كان هو جواز مروي إلى لعب كرة القدم بمباركة والدي الذي شاهد المباراة، ولم يكن يعلم حتى تلك الحظة أن ابنه يمتلك موهبة فطرية واعدة في كرة القدم. أصبحت بعد هذه المبارة نجماً في الحي الذي أقطنه، وأذكر يومها أن والدي قدِم إلى المنزل بعد عودتي بقليل وقال لي: " أنت رائع بالفعل، لقد حضرتك مباراتك اليوم، وسأتحدث إلى والدتك حتى يتسنى لك لعب الكرة من اليوم بكل حرية". لقد منحني والدي أخيراً رخصة ممارسة كرة القدم وقتما أشاء. كان عمري يتراواح وقتها بين 12 و 13 عاماً، وكانت مرحلة فاصلة في حياتي. وبعد نحو عام أو اثنين غادرت إلى أوروبا لتبدأ المحطة الأبرز في حياتي مع عالم كرة القدم.
ينبغي أن ينصبّ تركيزنا في الوقت الحالي على التعاون من أجل تجاوز هذه الأزمة. وقد تعلّمت عندما كنت طفلاً، كحال الملايين غيري، كيف أتغلّب على صعوبات وتحديات بدت لا نهاية لها، وكأنها أنفاق لا بصيص لضوء في نهايتها. وفي ظل العزلة التي يشهدها عالمنا الآن، أعتقد أن هذا ما يشعر به الكثيرون في مختلف بلدان العالم، بسبب التداعيات التي فرضها وباء كورونا. وعندما أرجع بذاكرتي إلى تلك السنوات العصيبة التي مرت بي، أرى أن شخصيتي قد اكتسبت العديد من السمات أثناء عملي بكل جد من أجل تجاوز تلك التحديات ومواصلة مسيرتي نحو النجاح، وأعتقد أن بعضاً من آليات التفكير التي اتبعتها في تلك الفترة تصلح للظروف التي يمر بها عالمنا. كنت دائماً أقول لنفسي: " لن يدوم هذا الأمر إلى الأبد، لا شك أن الظروف ستتغير خلال وقت قريب". فلنكن على ثقة أن الوضع الراهن لن يدوم طويلاً، وعلينا الاستعداد لعودة الحياة إلى طبيعتها، وعندها بالطبع سوف تتغير نظرتنا لأمور لطالما اعتبرناها بسيطة ومضمونة. وفي ضوء الظروف الراهنة، أختم حديثي بدعوة الجميع للمحافظة على سلامتهم وسلامة الآخرين عبر الالتزام بالبقاء في المنزل. استمتعتوا بأوقاتكم مع أحبائكم، وعندما تنجلي هذه الأزمة قريباً، سنعود معاً من جديد، لنُريَ العالم القوة الفعالة لكرة القدم في التقريب بين الناس.