هدنة الغوطة الشرقية تترنح.. واستمرار القصف رغم اتفاق الهدنة

 

 

عواصم ووكالات – جهينة نيوز  :- مامون العمري

 تبدو هدنة مجلس الامن الدولي هدنة هشه  امام  تصريحات روسية وايرانية يبدو انها استلذت بالقتل والدمار الذي  يلاحق سكان الغوطة الشرقية من دمشق ،  بل ان الامر اقرب الى المسرحية الهزيلة   فالانباط ترصد تصريحات  ومواقف تجعلها لا تعول الشيء الكثير على هذه الهدنة .

 ومن ذلك وصف أطباء يعملون داخل الغوطة الشرقية، في تصريحات لـCNN، قرار مجلس الأمن بشأن الهدنة بأنه "حبر على ورق". وقال الدكتور حمزة حسن إنه "لم يتغير شيء، الغارات الجوية مستمرة وجرى قصف مستشفى ولادة في مدينة سقبا بالغوطة الشرقية".

وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا بانوس مومتزيس إن عدد القتلى بعد إقرار مشروع قرار الهدنة بلغ 7 أشخاص على الأقل. وكان عدد القتلى منذ الأحد الماضي وحتى التصويت على الهدنة قد تجاوز 500 شخص فيما بلغ عدد المصابين 2500 شخص.

في الوقت نفسه، قال نشطاء ميدانيون من داخل الغوطة إن قوات برية موالية لنظام الرئيس بشار الأسد حاولت اقتحام الغوطة من عدة جبهات، الأحد، رغم قرار الهدنة، ووصف النشطاء الوضع في الغوطة بأن الغارات الجوية مستمرة كما كانت قبل الهدنة لكن محاولات الهجوم البرية تحدث للمرة الأولى.

قالت السلطات الصحية التابعة للمعارضة إن مصابين تعرضوا الأحد لأعراضِ استنشاق غاز الكلور السام، ولقي طفل حتفه اختناقا، وذلك بعيد وقوع "انفجار هائل" في قرية الشيفونية.

وكان رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري قال إن إيران وسوريا ستلتزمان بقرار مجلس الأمن حول وقف إطلاق النار، ولكنه اعتبر أن بعض أقسام ضواحي دمشق، التي اعتبر أنها تخضع لمن وصفهم بـ"الإرهابيين" ستبقى خارج قرار وقف إطلاق النار "وستستمر عمليات تطهيرها من الإرهاب" في إشارة إلى نية مواصلة العمليات بالمنطقة.

 وهو ما  كان فقبل أن يجف حبر القرار الأممي بوقف الأعمال العسكرية في سوريا لمدة 30 يوما، كانت مقاتلات النظام السوري مدعومة من روسيا تسلك الطريق ذاته نحو أحياء الغوطة الشرقية تمطر السكان المحاصرين بالقنابل وتحيل أملهم إلى ألم وخوف.

وبعد وقت قليل من القرار الأممي بدأت قوات النظام السوري بدعم روسي "أوسع" هجوم بري لها على الغوطة الشرقية، وأعلنت المعارضة تصديها للهجوم وقتل عشرات الجنود المهاجمين، بينما تواصل طائرات النظام وروسيا حصد أرواح المدنيين رغم الهدنة.

وفي وقت لاحق استهدفت قوات النظام مدينة حرستا في الغوطة الشرقية بستة صواريخ فجر اليوم، بينما أسفرت غارات النظام وروسيا التي لم تتوقف رغم قرار مجلس الأمن بهدنة إنسانية فورية، عن مقتل 277 مدنيا في الغوطة أمس.

 

 الى جانب ذلك يبدو انه وبأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعلان "هدنة إنسانية" يومية اعتبارا من اليوم الثلاثاء في الغوطة الشرقية بسوريا، آخر معاقل فصائل المعارضة قرب دمشق، كما أفادت وكالات أنباء روسية امس الاثنين.

وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو كما نقلت عنه الوكالات الروسية "بأمر من الرئيس الروسي، وبهدف تجنب الخسائر في صفوف المدنيين في الغوطة الشرقية، سيتم إعلان هدنة إنسانية يومية اعتبارا من اليوم من الساعة 9:00 وحتى 14:00".

وجاء الإعلان الروسي عقب هدنة صوت عليها مجلس الأمن يوم السبت بالإجماع في سوريا لمدة 30 يوما.

وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو،ان "ممرات انسانية" ستقام للافساح في المجال امام اجلاء المدنيين، مشيرا الى ان تفاصيلها جاهزة، وستعلن في وقت قريب جدا.

واتهم الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف اليوم فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية "باحتجاز السكان المحليين رهائن"، واصفا الوضع في تلك المنطقة بانه "متوتر جدا".

وطالب الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس  الاثنين بتطبيق قرار مجلس الامن وقف اطلاق النار في سوريا لمدة 30 يوما "فورا".

ورحب غوتيريس باعتماد القرار مساء السبت في مجلس الامن بعد مداولات استمرت لايام لكنه شدد على ان "قرارات مجلس الامن يكون لها معنى فقط اذا طبقت بشكل فعلي، ولهذا السبب اتوقع ان يطبق القرار فورا".

دعا الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة التطبيق الفوري للهدنة في سوريا وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم “2401”.

وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني الاثنين 26 شباط، إن الهدنة التي طلبها مجلس الأمن في سوريا لمدة 30 يومًا يجب تطبيقها على الفور لإفساح المجال أمام إيصال المساعدات الإنسانية وإجلاء الحالات الطبية.

وخلال اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي اعتبرت موغيريني أن القرار رقم “2401” الذي اعتمده مجلس الأمن، السبت الماضي، بتأييد روسي يشكل خطوة أولى ضرورية ومشجعة.

 

وأردفت “إلا أن الوضع على الأرض يتدهور بشكل دراماتيكي، وخصوصًا من الناحية الإنسانية”.

وزير خارجية لوكسمبورغ، جان اسلبورن، استنكر من جانبه ما يعانيه أهالي الغوطة، واصفًا ما يجري بأنه “عودة إلى القرون الوسطى”.

 

 

"جيش الإسلام" يعلن رفضه لخروج المدنيين من الغوطة الشرقة وتأييده للهدنة الروسية

 

صرح عضو الهيئة السياسية لـ"جيش الإسلام"، محمد علوش، عدم رفضه للهدنة الإنسانية التي أعلن عنها وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، امس الاثنين، مطالبا بالوقت ذاته بالتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2401 المتعلق بوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما في سوريا.

وقال علوش في حديث لوكالة "سبوتنيك أنا لا أرفض هذه الهدنة ولكن أطالب بتطبيق كامل لقرار الأمم المتحدة".

كما رفض القيادي في جيش الإسلام المقترح الروسي المتعلق بفتح ممر إنساني لخروج المدنيين من الغوطة الشرقية قائلا "لا يمكن ولا يقبل، هذا الاتفاق غير موجود و ليس في نص القرار [2401] شيء اسمه خروج المدنيين، أهل البلد لن يخرجوا منها، خروج لجرحى و حالات إنسانية 700-1500 هؤلاء جرحى بحاجة إلى معالجة، هؤلاء يخرجون".

الغارديان ..لماذا استمر قصف الغوطة رغم اتفاق الهدنة؟

ونشرت صحيفة "الغارديان" مقالا عن التطورات الأخيرة في الغوطة الشرقية، واستمرار القصف فيها، بعد أقل من 24 ساعة من قرار مجلس الأمن الدولي، الذي جاء بالإجماع بفرض هدنة تستمر 30 يوما في المنطقة.

ويقول المعلق سايمون تيسدال في مقاله إن "القصف على أحياء الغوطة الشرقية استمر وكأن اتفاق الهدنة لم يحدث"، مشيرا إلى أن "المسؤولية لوقف القتل تقع على كاهل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

ويشير الكاتب إلى أن "الإشارات الأولى من الغوطة الشرقية ليست مشجعة، فبعد يوم من قرار مجلس الأمن الدولي، حيث وافق أعضاؤه أخيرا على وقف إطلاق النار، استأنف النظام القصف كالمعتاد، ما أعطى انطباعا بأن الاتفاق على الهدنة في الجيب الذي يحاصره النظام السوري، الذي لم يحدث إلا بعد جدل ومماحكات كثيرة، لم يحدث أبدا".

ويرى تيسدال أن "الرئيس السوري بشار الأسد يظل هو المسؤول في المقام الأول، فلم يعد يهتم على ما يبدو بما يفكر به العالم، فليست لديه سمعة ليخسرها، وربما اعتقد أن دفعة أخرى من القوات البرية ينهي خلالها المقاومة في الغوطة قبل دخول موعد تطبيق إطلاق النار".

ويستدرك الكاتب بأن "بوتين هو الذي يتحمل العبء الأكبر، حيث كان بوتين هو الذي أنقذ الأسد عام 2015، عندما كان نظامه يخسر الحرب، وحمى الرئيس الروسي جروه السوري من اتهامات جرائم الحرب، ومنع إجراء التحقيقات في استخدام الأسلحة الكيماوية الممنوعة، ويبدو أن بوتين يعيش شعورا بالمجد، وبأنه سيقوم بالحلول محل الولايات المتحدة بصفتها قوة عظمى في المنطقة، فعندما واجهت إيران إسرائيل في الأجواء كان بوتين، وليس ترامب، من اتصل مع بنيامين نتنياهو، وطلب منه وقف العمليات الانتقامية".

ويشير تيسدال إلى أن "بوتين هو الذي أخر موعد اتفاقية إطلاق النار، حتى عندما كان أطفال الغوطة يموتون وتسقط عليهم القنابل، وتأكد أن أي طرف يعده الأسد (إرهابيا) يظل في مرمى البراميل المتفجرة، ولهذا السبب استمر القتال دون هوادة".

ويفيد الكاتب بأن "الثورة بدأت ثورة شعبية محلية ضد ديكتاتور، إلا أنها ومنذ تدخل الروس أًصبحت حرب بوتين، وهي أكبر مغامرة عسكرية روسية منذ غزو أفغانستان عام 1979، وتذكر كيف انتهت هذه المغامرة".

ويجد تيسدال أن "بوتين أصبح مسؤولا عن الحرب بالطريقة ذاتها التي أصبح فيها ليندون جونسون مسؤولا عن حرب فيتنام، ومع أن القوات البرية لا تعمل على الأرض، كما حدث في أفغانستان، إلا أن سمعة روسيا وموقعها في العالم أصبحا مرتبطين ارتباطا وثيقا بسمعة الأسد، وأصبحت هذه الحرب مثل مقامرة سيئة لا يمكن لبوتين خسارتها".

ويبين الكاتب أن "سوريا تحولت إلى فوضى صادمة، وبالنسبة للروس العاديين فإنها مضيعة للرجال والمال، وبالنسبة للعالم الذي يراقب الوحشية برعب في الغوطة وحلب وآلاف البلدات والمدن الأخرى، فإن سوريا هي فوضى بوتين، والأمر يعود إليه لضبطها".

ويقول تيسدال إن "بوتين يتعلم أنه من أجل يعود قوة عالمية مرة أخرى فإن عليه أن يقود بشكل عالمي، ولهذا السبب كانت أنجيلا ميركل وإيمانويل ماكرون على الهاتف يوم الأحد، وطالباه بالتأكد من سريان مفعول اتفاق وقف إطلاق النار، وبعد الضجة التي تسببت بها روسيا كلها، فإن الأمم المتحدة بأكملها تتوقع منها التحرك".

ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن "روسيا ستنظم انتخابات رئاسية في 18 آذار، ولو كانت بلدا ديمقراطيا فسيتم إسقاط بوتين".

 

هجوم كيميائي

 

بيد أن خروقات الهدنة لم تأت فقط عبر الأسلحة التقليدية وما تخلقه من قتل ودمار، فقد قالت الإدارة الصحية في منطقة خاضعة لسيطرة المعارضة السورية في بيان إن أشخاصا عانوا من أعراض مماثلة لأعراض التعرض لغاز الكلور في منطقة الغوطة الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة قرب دمشق أمس الأحد، وإن طفلا واحدا لقي حتفه.

وقال البيان الصادر عن الفرع المحلي لوزارة الصحة التابعة لحكومة المعارضة السورية المؤقتة إن الضحايا وقائدي سيارات الإسعاف وآخرين استنشقوا غاز الكلور بعد "انفجار هائل" في منطقة الشيفونية بالغوطة الشرقية.

وهي المعلومات ذاتها التي أكدها حساب الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) على وسائل التواصل الاجتماعي، حين قال إن قوات النظام قصفت بلدة الشيفونية في الغوطة الشرقية بأسلحة كيميائية تتضمن غاز الكلور السام.

وطالما نفت الحكومة السورية استخدام الأسلحة الكيماوية في الحرب التي ستدخل عامها الثامن قريبا. واتهمت وزارة الدفاع الروسية، التي تدعم الحكومة السورية في الحرب، مقاتلي المعارضة يوم الأحد بالإعداد لاستخدام مواد سامة في الغوطة الشرقية حتى يتهموا دمشق فيما بعد باستخدام أسلحة كيميائية.

ونشر فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي يظهر فيما يبدو جثة طفل ملفوفة في كفن أزرق وبعض الرجال عراة الصدر والصبية يكافحون من أجل التقاط أنفاسهم وحمل بعضهم بخاخات للمساعدة على التنفس.

موت فوق الملاجئ

 

ورغم أن قرار مجلس الأمن أشاع جوا من الاستبشار والابتهاج في أوساط المدنيين المحاصرين في مساكنهم وأقبيتهم، فإنه سرعان ما تحولت هذه البشائر إلى خيبات أمل متواصلة بعد استمرار القصف.

كان أمل المحاصرين أن يتمكنوا من مغادرة أقبيتهم وملاجئهم للتزود بالغذاء والدواء والتهيؤ لجولات جديدة من القتل والتصعيد.

وقد اضطر أعداد من المدنيين للنزول إلى الملاجئ بسبب الدمار الكبير الذي لحق بالمنطقة جراء هجمات قوات النظام والمقاتلات الروسية ضدّ المناطق السكنية، ولكن الموت بقي يحوم حول هذه الملاجئ ويطرق أبوابها كل حين.

ومع استمرار التصعيد، يستمر المدنيون -حسب مصادر من داخل المنطقة- في حفر الأنفاق وإنشاء الملاجئ، على أمل الاحتماء بها من الغارات القاتلة، رغم أن هذه الملاجئ تخلو من أدنى مقومات الحياة، كالمواد الغذائية وبقية المستلزمات المعيشية.

يستمر عداد الموت في الغوطة الشرقية بلا توقف، ويبدو أن الهدنة الأممية الجديدة كانت بمثابة الهدوء الذي يتخلله القصف.

تركيا تؤكد استمرار عملية عفرين رغم هدنة مجلس الأمن..

 

أعلن المتحدث باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ، الأحد، أن قرار مجلس الأمن بشأن الهدنة في سوريا لمدة 30 يوما، لن يؤثر على عملية "غصن الزيتون" التي يشنها الجيش التركي في منطقة عفرين السورية.

وقال بوزداغ إن "هدف عملية عفرين هو القضاء على التنظيمات الإرهابية والإرهابيين، وتطهير المنطقة من الإرهاب، وإرساء الأمن والسلام فيها". وأضاف أن "العملية تهدف أيضا إلى تحرير السكان من ضغوط وممارسات الإرهابيين، وحماية أرواح وممتلكات المواطنين الأتراك على طول الشريط الحدودي مع سوريا"، وفقا لما نقلته وكالة أنباء "الأناضول" التركية الرسمية.

من جانبه، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره السوري بشار الاسد بـ"القاتل"، قائلا إنه "تسبب في مقتل نحو مليون مواطن سوري بالأسلحة الكيميائية والتقليدية". كما أكد أردوغان أن عملية عفرين ستستمر إلى أن "يتم تطهير المنطقة بالكامل من التنظيمات الإرهابية". وقال إن العملية "ستُعيد عفرين إلى أصحابها الحقيقيين، كما جرى خلال عملية درع الفرات سابقاً".

وبدأ الجيش التركي عملية عسكرين في عفرين باسم "غصن الزيتون"، في 20 كانون الثاني الماضي، ضد مسلحي "وحدات حماية الشعب الكردي" السورية (YPG)، المدعومة من الولايات المتحدة، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، اللذين تعتبر تركيا أنهما امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK)، وتصنفهم جميعا كـ"تنظيمات إرهابية". بينما دفع النظام السوري بقوات موالية له إلى عفرين لمواجهة ما وصفه بـ"العدوان" التركي.

الحسم العسكري يطوي صفحة آستانة ويثأر لسوتشي

 قبل ان اختم ملف اليوم لابد من الاشلرة الى الحل السلمي وجانب المفاوضات الذي اعلن تجمده مرحليا في ظل هذه التطورات والتي قراءها الكاتب جورج سمعان في صحيفة  الاتحاد برس على انه طي لصفحات جنيف وسوتشي  والاستانة ويقول جورج سمعان "نادت موسكو مجلس الأمن لإيجاد حل للغوطة.

لا تريد تحمل تبعات الجرائم التي ترتكب شرق دمشق. وسواء شاركت فيها أم صدق نفيها عدم المشاركة تظل مسؤولة مسؤولية النظام وحليفه الإيراني عما يحصل. بل الأرجح أنها قررت الرد على إحباط مشروعها السياسي في سوتشي، بعد التجرؤ عليها عسكرياً بضرب صورة «الانتصار» الذي تباهى به الرئيس فلاديمير بوتين قبل أشهر من قاعدة حميميم. 

وجرّ بعدها سلسلة من العمليات المؤلمة ضد قواته في أكثر من موقع. كان متوقعاً أن سيد الكرملين لن يسكت مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. وعد شعبه باستعادة ما كان للإمبراطورية القيصرية ثم السوفياتية، فكيف له أن يرضى بتقويض كل ما بناه في سورية؟ دفع بأسلحة جديدة جوية وبرية ليس لاختبار مدى فاعليتها فقط. وليس هذا هدفه الأساسي. رسم المنخرطون في الحروب السورية خطوطاً حمراً سياسية وعسكرية، فقرر انطلاقاً من الغوطة وريف حمص بعدها وربما الجبهة الجنوبية لاحقاً، السيطرة على كل ما يقع تحت مرمى قدراته

. وعلى المجتمع الدولي أن يهتم بالأزمة الإنسانية التي تخلفها الحرب المتنقلة. لن ينتظر سعي «مجموعة الخمسة» حتى التوصل إلى فرض «اللاورقة» تسوية سياسية تحت مظلة الأمم المتحدة. فهو جهد منذ انخراط جنوده مباشرة إلى جانب النظام لتقويض كل ما قررته المنظمة الدولية. واستطاع العمل من خارجها في آستانة بالتفاهم مع طهران وأنقرة. وفرض «مناطق خفض التوتر».

وكاد ينتزع شرعية دولية لمشروعه السياسي. لكن حسابات البيدر في «مؤتمر الحوار الوطني» لم تطابق حسابات الحقل. وكان قبل «الشراكة الثلاثية» في العاصمة الكازاخية، أبرم عشرات الاتفاقات مع فصائل مسلحة لإخماد جبهات ومدن ودساكر ليتيح انتشار قوات النظام الذي استعاد المبادرة وحقق «إنجازات» على الأرض بدعم من إيران وميليشياتها.

أطراف كثيرة أسقطت مشروع سوتشي. الولايات المتحدة ودول أوروبية ومجمل الفصائل العسكرية الرئيسية و «الائتلاف الوطني» للمعارضة. لم يعد هناك تالياً مبرر لبقاء «مناطق خفض التوتر». فقد لجأت موسكو إلى هذه الهدنات توطئة أو رافعةً التسوية السياسية التي كانت ترسمها خدمة لأهدافها أولاً وأخيراً. لم تفلح هذه المحاولة في الالتفاف على دور الآخرين المعنيين بالأزمة السورية والقفز فوق القرارات الدولية. ولم يبق مفر أمامها سوى رفع التحدي والذهاب إلى خيار الحسم العسكري. ولا شك في أن معركة الغوطة تستهدف أولاً توفير الأمن في العاصمة دمشق ومحيطها. لكنها تؤشر أيضاً إلى بداية حرب واسعة لإسقاط كل مناطق التهدئة، أي إنهاء سيطرة الفصائل «المعتدلة» على هذه المناطق. علماً أن هذه حظيت باعتراف «ثلاثي آستانة» ووافقت على الهدنات. يعني ذلك أن روسيا نقلت الأزمة إلى مرحلة جديدة أشد شراسة. ستحرص على عدم التفريط بـ «الشراكة الثلاثية».

 فلا غنى لها عن القوى التي تخوض المواجهات على الأرض. إيران وميليشياتها وتركيا و «فصائلها». وقد غضت الطرف عن عملية «غصن الزيتون». وأتاحت لحكومة أردوغان أن تحتفظ بمناطق نفوذها المحاذية لحدودها، مقابل أن تسكت هذه على إنهاء سيطرة كل الفصائل القريبة منها، سواء كانت لـ «الجيش الحر» أو لقوى إسلامية معتدلة تنتشر في مناطق أخرى بعيداً من الحدود.

جاءت العودة الصارخة لموسكو إلى الحرب في سورية – وهي لم تتوقف أصلاً – في توقيت دقيق. جميع المتصارعين على هذا البلد يخوضون مناوشات ميدانية مباشرة تنذر بحرب واسعة. من روسيا إلى الولايات المتحدة مروراً بإيران وتركيا وإسرائيل. وحفلت الأسابيع الأخيرة بمفاجآت عسكرية منذ أكثر من شهر بلا توقف. وشكلت توكيداً صارخاً على أن الأزمة في بلاد الشام دخلت مرحلة جديدة. وبدا الرئيس بوتين أمام تحد مفصلي. ثمة نزاع على مستقبل مشروعه ودوره وقراره. تعرضت قواته لهجمات دموية. ولم يفلح مؤتمر سوتشي في دفع التسوية السياسية. فقد طرحت إدارة الرئيس دونالد ترامب بالتفاهم مع فرنسا وبريطانيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة رؤية مختلفة للحل السياسي والإصلاحات المطلوبة التي يجب أن تبقى تحت عباءة الأمم المتحدة. ولم تعد طهران تجول وتصول بلا رقيب أو حسيب. وحتى إسرائيل اندفعت بعيداً في غاراتها التي لم تعد أيضاً نزهة. وتركيا المتخبطة في سياسات متغيرة تخوض حرباً في شمال سورية يكتنف الغموض مآلها ومستقبلها ميدانياً وسياسياً. هذه المفاجآت كلها شكلت تهديداً لمشروع الكرملين وطموحاته واستراتيجيته.

أمام خطورة الانزلاق إلى حرب واسعة بين كل هذه القوى، وأمام انهيار قواعد اللعبة أو الاشتباك التي نسجها الكرملين طوال شهور، كان لا بد من نهج مختلف وسياسة أخرى أكثر صرامة تؤكد عبرهما موسكو أنها قادرة على التعامل مع المتغيرات. وهي تسعى على جبهة شمال سورية، كمثل طهران أيضاً، إلى المواءمة بين حرصها على التفاهم مع أنقرة وإرضاء الكرد. وإلى ترتيب تسوية تجنب القوات التركية الغرق في مستنقع عفرين. كل ذلك من أجل الحفاظ على الرئيس أردوغان بعيداً من واشنطن. وليس سراً أن ثمة باباً مفتوحاً بين أجهزة الأمن في كل من سورية وتركيا التي تتريث حكومتها أو تتورع الآن عن فتح خط سياسي مع جارتها الجنوبية. مع أن موسكو لا تنفك تذكرها بأن انتشار قواتها في الشمال السوري غير قانوني، تماماً كما هي حال القواعد الأميركية المنتشرة في الشرق والشمال السوريين. من جهة أخرى، قد لا تجد روسيا مشكلة عميقة مع إيران ما دامت انحازت إلى خيار الحسم العسكري. ولن يضير طهران، مرحلياً في الأقل، العمل تحت مظلة موسكو. فهي تحتاج إلى قوة دولية تساندها لمواجهة ضغوط القوى الغربية عليها هذه الأيام، وتهديدات بنيامين نتانياهو. ولا يستبعد أن ينجح الرئيس بوتين في نزع فتيل التوتر بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل التي دعا رئيس وزرائها موسكو إلى التدخل لوقف التصعيد بعد إسقاط «طائرة إف 16»، خصوصاً أن طهران فتحت باباً بردها على اتهامه إياها بالسعي إلى فتح جبهة الجولان، بالقول أنها جاءت إلى سورية لمواجهة الإرهاب. وإذا تعذر على سيد الكرملين اجتراح معجزة تؤدي إلى «تطبيع ما» بين الدولتين، فيمكنه أن يشكل مظلة توفر ضمان الهدوء على جبهة الجولان. ومثل هذا الاحتمال قد يخفف من وتيرة قوافل السلاح والصواريخ الإيرانية إلى سورية ولبنان أيضاً. ويبرد التهديدات المتبادلة بين طهران وكل من تل أبيب وواشنطن.

على جبهة الجنوب، تدفع روسيا نحو التفاهم مع الأردن من أجل دفع الفصائل في حوران إلى المصالحة مع النظام. وإذا فشلت المساعي قد لا تنجو هذه المنطقة من خيار الحسم، كما هي الحال اليوم في الغوطة. فيما يكثر الحديث عن معركة مقبلة في ريف حمص التي يمكن الفصائل هناك أن تصمد أكثر حيث لا مشكلة إنسانية حادة كما هي الحال في دوما وحرستا وشقيقاتهما. أما شرق البلاد فقد أكدت الولايات المتحدة حضورها بالحديد والنار اللذين لم يوفرا قوات النظام وحليفيها الروسي والإيراني. حازت القوات الأميركية وحليفتها «قوات سورية الديموقراطية» منطقة استراتيجية لا تقل أهمية عن الساحل السوري الذي تقيم فيه روسيا قاعدتيها ومواقع انتشارها، غير عابئة بأصوات دمشق وطهران وموسكو أن وجودها احتلال ما دام لم يحظ بموافقة حكومة الرئيس بشار الأسد. في الشرق الشمالي معظم الثروة النفطية والمعدنية ونحو نصف إهراءات الزراعة والغذاء.

خلاصة القول، إن الكرملين الذي فشل في إلزام الشركاء والخصوم، في السنتين الماضيتين، احترام قواعد اللعبة التي رسمها، وحدود النفوذ التي «وزعها» على هذا الطرف وذاك، يجد نفسه مجبراً على خوض حرب واسعة لن تكون هينة. ففي الغوطة المحاصرة منذ أكثر من أربع سنوات قرابة عشرين ألف مقاتل، فهل يستسلمون بيسر وسهولة؟ ناهيك ببضعة آلاف في ريف حمص وجبهة الجنوب الواسعة. وهل ينجح الرئيس بوتين في تطبيق نموذج الشيشان في سورية؟ وإذا نجحت سياسة الأرض المحروقة في تطويع السوريين ماذا سيقدم لهم حتى تهدأ النفوس والقلوب؟ أعاد إعمار غروزني وجعلها نموذجاً أنفق عليه الكثير إلى حد أثار حفيظة الروس. فهل يهدي إلى أهل الشام رأس النظام، ملقياً عليه المسؤولية عن جرائم الحرب التي ترتكب يومياً ويغسل يديه متبرئاً؟