banner
مقالات مختارة
banner

قراءة في امر الدفاع رقم 6

{clean_title}
جهينة نيوز -
جهينة نيوز -

بادىء ذي بدئ اود تقديم تحية اجلال واكبار لكل نشمي ونشمية في المملكة الاردنية الهاشمية بشكل عام ولقائد البلاد المفدى وولي عهده الامين والحكومة الاردنية بشكل خاص لكل ما قدموه في هذه الفترة الاستثنائية التي تعصف بالاردن والعالم بأسره، اذ انهم وبشهادة الجميع قد شكلوا انموذجا عالميا يحتذى به في التعاضد وحمل المسؤولية متضرعا الى المولى عز وجل ان يحفظ الاردن قيادة وشعبا ووطنا.

اما وفيما يخص امر الدفاع رقم 6 لسنة 2020 والصادر بمقتضى قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992، فإنه لحريٌ بنا ان نقول بأن هذا الامر ما جاء الا في وقت نكاد نكون فيه بأمس الحاجة لما ينظم امور العمل في هذه الفترة ولما للعمل من اهمية اقتصادية واجتماعية تعود على الوطن واصحاب العمل والعمال بكل نفع وخير. وبذات الوقت فأنه من الضروري جدا ان ندرك بأن صياغة مثل هذا الامر لم يكن بالسهل على من قام به حيث انه وكما جاء في مقدمته قد حاول تحقيق التوازن بين مصالح عدة ضرورية لا مناص عنها مجتمعة، اهمها حماية حياة الاردنيين وصحتهم وتقليل الاثار الاقتصادية السلبية على المشغلين وشركات القطاع الخاص والعاملين فيها وتمكين الاقتصاد من استعادة عافيته بعد انتهاء الازمة الحالية هذا وناهيك عن ضيق الوقت والمهام الجسام الملقاة على عاتق اولي الأمر. وبالعودة الى مضمون هذا الامر واحكامه العديدة وكواجب اي مواطن صالح في وطننا العزيز فأننا نود ان نكشف عن بعض المواضع التي نرى فيها بأن واضع الامر لم يكن موفقا بها وذلك لغايات وضعها بالحسبان وعندما تتم اعادة النظر بما ورد في امر الدفاع هذا وكما الفقرة ا من المادة العاشرة منه ولغايات تلاشي اية اشكاليات لاحقة قد تحدث بسببها.

اولى هذه المواضع التي يجدر بنا الاشارة لها تكمن في متن الفقرة ا وب من المادة الرابعة من الامر حيث ورد في الفقرة ا بأنه يجوز تخفيض اجر العامل الذي يعمل في مكان العمل بما لا يزيد عن 30% من اجره اذا ما وافق العامل على ذلك شريطة ان يشمل هذا التخفيض اجور الادارة العليا للمنشأة بينما وبشكل مثير للتساؤل لم يَرِد ما يجيز مثل هذا التخفيض في اجور من يعمل عن بعد وكما الفقرة ب من ذات المادة الرابعة. حيث كان من الاجدر بأن يُنصَ على جواز التخفيض في العمل الواقع عن بعد بدلا عن ذاك الواقع في مكان العمل اذ ان الواقع العملي يفرض علينا الاعتراف بسطوة صاحب العمل على عماله وعليه بأنه الشخص الذي يملك قرار فيما اذا كان العامل سيؤدي عمله في مكان العمل او عن بعد هذا اذا ما كان نوع العمل من ضمن الفئات المستثناة لأن يؤدى في مكان العمل طبعا. وعليه ومن المحتم بأن مثل هذا النص سيدفع اصحاب العمل على ان يسعوا لكي يعمل العمال في مكان العمل بغية تمكينهم قدر الامكان الاستفادة من مثل هذه التخفيضات المحتملة ضاربين بعرض الحائط حياة وصحة العمال وذويهم ومما يتعارض واهداف الامر ذاته. ولكل ذلك فأنه كان من الاجدر على ان يتم النص على جواز تخفيض الاجر في العمل عن بعد اي في الفقرة ب من هذه المادة بدلا من من الفقرة ا وذلك لحث اصحاب العمل على تشغيل عمالهم عن بعد طالما ان هذا لن يؤثر سلبا على الاقتصاد وسيمكن الاقتصاد من التعافي وكما سيؤدي الى تحقيق التوازن بين المصالح الضرورية الواردة في مقدمة الامر والانفة الذكر اعلاه. 

ثاني هذه المواضع يمكن تحسسه في ذات الفقرة ب من المادة الرابعة حيثما جاء فيها بخصوص اجور العاملين عن بعد عملا جزئيا بأنها تدفع "حسب ساعات العمل الفعلية، وبما لا يقل عن الحد الادنى المحدد لأجر الساعة الواحدة، او وفق الاجر المنصوص عليه في الفقرة ه من هذا البند ايهما اعلى" علما بأن الفقرة ه من ذات المادة تنص في هذا الشأن على ان "لصاحب العمل...التقدم بطلب للسماح له بدفع ما لا يقل عن 50% من قيمة الاجر المعتاد لهؤلاء العمال على ان لا يقل ما يتقاضاه العمال من الاجر عن الحد الادنى للاجور". ففي هذا النص والاحالة على الفقرة ه لبس وغموض لا داع له نتيجته الحتمية تقول بأن للعامل عملا جزئيا ان يتقاضى اجرا عما عمله من ساعات فعلية نسبة وتناسب مع اجره الكامل وعدد ساعات عمله الكاملة وبما لا يقل عن الحد الادنى للأجور. وفي هذا الصدد إن مصطلح الحد الادنى المحدد لأجر الساعة الواحدة هو مصطلح دخيل على قانون العمل الاردني ولم نعرفه فقها ولا قضاءا وهو بذلك يثير الريبة ويدعو الى تفسيره في مرحلة نحن في غنى فيها عن ذلك. هذا من جهة ومن جهة اخرى فأنه من المسلم به بأنه لا يجوز ان يقل اجر العامل بأي شكل من الاشكال عن الحد الادنى للأجور فلما لم يرد هذا في ذات الفقرة عوضا عن الاحالة على الفقرة ه من ذات المادة. اضف الى ذلك بأن الفرض الساقط من القول – هذا وفي حال تفسير هذا النص بالطريقة التالية – أن لصاحب العمل القدرة بأن يطلب انقاص اجر العامل الذي يعمل جزئيا ليتقاضى 50% من اجره الذي يستحقه طبعا اذا ما كان نصفه يزيد عن الحد الادنى للأجور يتنافي مع روح قانون العمل وذات الفقرة ا وما يخص من يعمل عملا كاملا وبحسب الفقرة ب، فلما يمكن الخصم من اجر العامل الذي يعمل جزئيا ولا يمكن الخصم من اجر العامل الذي يعمل عملا كليا؟ ففي هذا ظلم واضح لمن يعمل عملا جزئيا، فهو في هذه الحالة لا يتقاضى اجرا عما عمله فعلا هذا ناهيك عن عدم بيان امر الدفاع فيما اذا كان سيعطى مثل هذا العامل الاجر لاحقا عما خصم من عمله ام ان ما يستحقه سيذهب سدى.

الفقرة ه من ذات المادة الرابعة تشكل الموضع الثالث الذي يجب اخذه بعين الاعتبار ها هنا، فهي قد جاءت لتنظم امر اجر من لا يكلف بعمل في هذه الفترة، ففي هذا الصدد اجازت هذه الفقرة لصاحب العمل التقدم بطلب لوزير العمل ليسمح له بدفع ما لايقل عن 50% من اجر هذه الفئة من العمال وبما لا يقل عن الحد الادنى للأجور، وهذا يعني وبمفهوم المخالفة المأخوذ به قانونا أن العامل ضمن هذه الفئة يستحق اجره كاملا في حال عدم تقديم مثل هذا الطلب وهذا سيدعو بالنتيجة الى تقديم الاف لا بل عشرات او مئات الاف من الطلبات لغايات السماح لأصحاب العمل باعطاء العامل نصف اجره وبما لا يقل عن الحد الادنى للأجور. وعليه فقد كان من الاولى ان يتم النص على اعطاء هذه الفئة من العمال نصف اجرها وبما لا يقل عن الحد الادنى للأجور دون حاجة لمثل هذا الطلب خاصة في مثل هذه الظروف الراهنة لما ستؤديه مثل هذه الطلبات من ارباك لعمل وزارة العمل وبذات الوقت تاخير في دفع اجور هذه الفئة من العمال وحتى اصدار قرارات بمثل هذه الطلبات وهذا ما تؤكده الفقرة و من ذات المادة.

اما بالنسبة للموضع الرابع والاخير فهو يتبين لنا بقراءة المادة الخامسة من امر الدفاع رقم 6 والتي قالت بأن لصاحب العمل غير القادر على دفع اجور العمال التقدم بطلب للجنة مشتركة لايقاف العمل في مؤسسته كليا ووقف عقود عمل عماله جميعا وبأن على صاحب العمل ان لا يتخذ اي اجراء الا بعد الحصول على موافقة اللجنة وبأنه واذا صدر قرار بقبول طلبه فأنه لا يدفع اجورا ويمنع عليه مزاولة اي عمل نهائيا وحتى انتهاء الفترة الراهنة حينما يعود العامل الى عمله علما بأن صاحب العمل هذا يحرم من ميزات البرامج الاقتصادية لحماية القطاع الخاص وغيرها. وبخصوص هذه المادة  فأول ما يلفت انتباهنا ان النص لم يبين الية تقاضي عمال مثل هذه المنشئات اجورا او مساعدات لكي يتمكنوا من العيش بكرامة وليقوموا بأعباء الحياة المختلفة وفي هذا تجاهل كبير لهذه الفئة فكان لا بد من بيان اوجه تمكينها من مواجهة اعباء الحياة خاصة في ظل هذا الظرف الاستثنائي الراهن. ثانيا، لم تبين هذه المادة الوضع القانوني للفترة الواقعة بين 1-4-2020 وصدور قبول مثل هذا الطلب بشكل واضح، فهل يعفى صاحب العمل من دفع الاجور عن هذه الفترة؟ وكيف للعامل ان يعلم وحتى تاريخ البت في الطلب فيما اذا كان سيعطى اجرا ام لا عن هذه الفترة؟ ان ايجاد اليقين من اهم المبادىء التي  تبنى عليها القواعد القانونية وعليه فقد كان من الاجدر ان توضع هذه المادة بتروٍ وتأنٍ بحيث تعالج هذا الامر ولا يترك لتخمين المهتمين. ثالثا واخيرا وفيما يخص المادة الخامسة يثور التساؤل التالي في هذا الصدد، لما يحرم صاحب العمل ممن لم يستطع دفع اجور عماله من ميزات البرامج الاقتصادية وغيرها؟ الم ينل صاحب العمل هذا قسطا من الضرر لما عم في البلاد وعلى العباد؟ هل يتوجب علينا مساعدته للنهوض مرة اخرى ليرفد ويدعم الاقتصاد ام ان نعاقبه ولكونه تضرر الى حد دعاه لم يعد يقوى على دفع اجور عماله!

هذا والله من وراء القصد.

المحامي الدكتور كمال جمال العواملة.
رئيس قسم القانون الخاص في جامعة البترا.
تابعو جهينة نيوز على google news