banner
مقالات مختارة
banner

الاقتصاد في زمن كورونا

جهينة نيوز -
نظراً للظروف الاستثنائية التي تمر بها الكثير من الدول حول العالم بسبب انتشار وباء الكورونا (كوفيد 19) بما جلبه من آثار سلبية مادية ومعنوية إنسانية واقتصادية ناجمة عن انتشار الوباء وإصابة الأفراد بما قد ينجم عنها الوفاة وبما يرافق الإصابات من مخاطر نقل العدوى الى الآخرين من أشخاص عاديين او كوادر طبية تتعامل مع هذه الإصابات فقد تأثر الاقتصاد في الدول التي انتشر فيها الوباء وكذلك الدول التي لم ينتشر فيها الوباء بشكل اكبر ولها مصالح اقتصادية مع الدول التي انتشر فيها الوباء ولا شك ان التدابير الوقائية او الاحترازية التي اتخذتها الدول في سبيل مكافحة الوباء والتصدي او الحد من انتشاره الأمر الذي أدى الى تعطيل او إعاقة العديد من القطاعات والنشاطات التجارية وغير التجارية بشكل قسري على الرغم من وقتية هذه التدابير وتغيرها من حين الى آخر بسبب عدم إمكانية التنبؤ بتطورات هذه الأزمة العالمية التي تسبب بها هذا الوباء.

والإشكالية القانونية أو السؤال الذي أصبح محل اهتمام العديد من القانونيين وحتى غير القانونيين سواء موظفي قطاع خاص أو عام أو تجار أو مزودي خدمات أو غيرهم هو هل يشكل وباء الكورونا (كوفيد 19) قوة قاهرة او ظرف استثنائي يبيح للشخص (سواء طبيعي او معنوي) التحلل من الالتزامات المترتبة عليه بموجب العقد أو القانون؟ أو هل يحق للشخص التذرع بوباء الكورونا كقوة قاهرة او ظرف استثنائي أو سبب أجنبي لفسخ العقد أو الإنقاص من التزاماته أو تعديلها دون تبعات قانونية او تعويضات؟

بداية لا بد من الإشارة الى أن كل الأنظمة القضائية قد أخذت بنظرية الإعفاء من تنفيذ الالتزامات بشكل كلي أو جزئي أو دائم أو مؤقت في حالات وظروف معينة ولكن شروط هذا الإعفاء تختلف تسميتها من نظام الى آخر ففي القانون الإنجليزي تم معالجتها تحت نظرية The Doctrine of Frustration وفي القانون الأمريكي The Excuse of Commercial Impracticality وفي القانون الفرنسي The Force Majeure وفي القانون الألماني Collapse of the Basis of the Transaction وأخيراً في القانون الإماراتي القوة القاهرة والظرف الاستثنائي.

من المعلوم أن القوة القاهرة هي واقعة او حادث فجائي غير متوقع الحصول وقت التعاقد ويستحيل دفعه أي لا يمكن درؤه أو درء نتائجه ينقضي بتوفره العقد والالتزام بشكل كلي ومطلق ولا يترتب على وقوعه التعويض عن الأضرار الناتجة عن عدم تنفيذه وقد ميّز القانون الإماراتي - شانه في ذلك شأن الكثير من القوانين - بين القوة القاهرة والظرف الاستثنائي حيث ينقضي بوقوع القوة القاهرة العقد والالتزام بشكل كلي الى غير رجعة ودون القضاء بالتعويض عن الأضرار التي رافقت هذه الحالة وهو ما يعرف بانفساخ العقد وقد تناولها المشرع الإماراتي في المادة 273 من قانون المعاملات المدنية التي نصت على :

"1- في العقود الملزمة للجانبين إذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً انقضى معه الالتزام المقابل له وانفسخ العقد من تلقاء نفسه.

2- وإذا كانت الاستحالة جزئية انقضى ما يقابل الجزء المستحيل وينطبق هذا الحكم على الاستحالة الوقتية في العقود المستمرة وفي هاتين الحالتين يجوز للدائن فسخ العقد بشرط علم المدين." وقد أوردت المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية "الآفة السماوية" كمثال على أشكال القوة القاهرة.

وكذلك نصت المادة 287 من ذات القانون على انه: "إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية أو حادث فجائي أو قوة قاهرة أو فعل الغير أو فعل المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يقض القانون أو الاتفاق بغير ذلك."

وقد يدخل في اطار تطبيقات القوة القاهرة ما نصت عليه المادة 386 من قانون المعاملات التي تنص على انه: "إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه، ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه."

وكذلك ما نصت عليه المادة 472 من ذات القانون انه: "ينقضي الحق إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلاً عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه."

و قد يتفق الأطراف في بعض العقود على الحالات التي تندرج تحت مفهوم القوة القاهرة والآثار التي تترتب في حال وقوعها في حين تخلو العديد من العقود من بند القوة القاهرة، أما الظرف الاستثنائي أو الحادث الفجائي فعند وقوعه لا ينقضي به العقد كلية ولا يصبح بوقوعه تنفيذ الالتزام مستحيلاً وإنما يصبح غير قابل للتنفيذ لفترة معينة أو لحين زوال سبب الظرف الاستثنائي أو يصبح تنفيذه مرهقاً للمدين وقد تناوله المشرع الإماراتي في المادة 249 من قانون المعاملات المدنية التي تنص على انه:" إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحةً جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلك ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك. "

وعليه فإن التشريعات الإماراتية قد أخذت بالحسبان نظريات القوة القاهرة والظروف الاستثنائية سواء في اطار المسئولية العقدية أو التقصيرية الأمر الذي يُمكّن القضاء الإماراتي من التصدي لكافة النزاعات التي قد تثور إبّان و عقب أزمة وباء الكورونا (كوفيد 19)، أما عن التكييف القانوني لوباء الكورونا العالمي ومدى اعتباره أو تصنيفه كقوة قاهرة أو حادثاً استثنائياً أو سبباً أجنبياً فاعتقد بأن ذلك سوف يكون من صميم اختصاص محكمة الموضوع التي تنظر في أي نزاع يثور حول هذا الشأن ولكن سوف يكون من المتوجب على المحاكم بحث مواضيع النزاعات وظروفها بشكل عميق وشمولي للحيلولة دون إهدار حقوق الأشخاص أو الإضرار بمصالحهم وعدم فتح المجال للأشخاص -بشكل مطلق دون ضوابط- للتنصل من التزاماتهم بدون عذر شرعي من ناحية، وعدم تحميل الأشخاص اكثر من طاقتهم والحاق الخسائر بهم بما قد ينجم عنه تعثر الكثير من الشركات خصوصا الصغيرة والمتوسطة أو اندثارها لعدم إمكانيتها تحمل آثار هذه الأزمة، من ناحية ثانية.

وأرى أنه للوقوف على التكييف القانوني الصحيح لوباء الكورونا (كوفيد 19) ومدى انطباقه كقوة قاهرة أو ظرف استثنائي لا بد من أخذ الظروف والمعايير التالية بعين الاعتبار:

1. هل العقد أو العلاقة أطرافه خاضعين لأحكام القوانين الإماراتية واختصاص المحاكم الإماراتية وفق قواعد الاختصاص الواردة في قانون الإجراءات المدنية الإماراتي أم أن نظر النزاع يخرج عن اختصاص القانون والمحاكم الإماراتية بان يخضع لاختصاص وقوانين أجنبية (عدا المسائل التي تخضع للقضاء الإماراتي بحكم القانون كعقد الوكالة التجارية مثلاً)؟

2. هل العقد من العقود غير المستمرة أم انه عقد مستمر؟

3. هل يوجد في العقد بند خاص بالقوة القاهرة أم لا يوجد؟

4. في العقود التي لا يوجد فيها بند القوة القاهرة، هل تشمل تلك القوة القاهرة حالة الأوبئة كأحد حالات القوة القاهرة أم لا؟

5. هل تم توقيع العقد قبل إعلان منظمة الصحة العالمية وباء الكورونا (كوفيد 19) كجــائحة عالمية أم بعد ذلك؟

6. هل تم توقيع العقد قبل بدء دولة الإمارات بتطبيق برنامج التعقيم الوطني الجزئي أو الكلي على مدار 24 ساعة أو بعد إغلاق المطارات والمنافذ البحرية او البرية أم بعد ذلك؟

7. هل العقد أو النزاع بشأن أحد القطـــاعات المــتأثرة بالتدابير الصادرة من الدولة في سبيل مكافحة الوباء أو الحد من انتشاره أم لا؟

8. هل باشر أطراف العقد بعد إبرامه تنفيذ التزاماتهم ولم يعد بــإمكانهم استكمال تنفيذ باقي الالتزامات بسبب التدابير المتخذة لمكافحة الوباء والحد من انتشاره أم تم إبرام العقد ولم يشرع أطرافه بتــنفــيذ التزاماتهم بسبب تلك التدابير؟

9. هل أصبح تنفيذ العقد أو الالتزام مستحيلاً وغير ممكن بشكل مطلق أم أن جزءً منها فقط اصبح غير ممكن التنفيذ بشكل مطلق؟

10. هل بالإمكان إرجاء الوفاء بالالتزامات إلى ما بعد انحسار وباء الكورونا أم من غير الممكن إرجاء الوفاء بالالتزامات إلى ما بعد انحسار الوباء؟

11. هل أصبح تنفيذ العقد أو الالتزامات يؤدي إلى إرهاق المدين بالالتزام وليس مستحيلاً بشكل مطلق أم أصبح تنفيذ الالتزامات مستحيلاً استحالة كلية مطلقة؟

كذلك في اطار المسئولية القانونية الناجمة عن الفعل الضار في ظل اعتبار وباء الكورونا (كوفيد 19) كقوة قاهرة أو حادث استثنائي فمن المرجح أن تثور نزاعات يكون محلها مسئولية الأشخاص عن مخالفة أحكام القانون في ظل تفشي وباء الكورونا مثل مسئولية الأشخاص الذين أصابهم الوباء ويعلمون بذلك وقاموا بأفعال من شأنها أن تؤدي إلى نقل العدوى للآخرين او تفشي الوباء والإضرار بالآخرين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وسواء عن عمد أو من غير عمد (إهمال أو تقصير) أو مخالفة التدابير المتخذة من قبل الحكومة هذا فضلاً عن مسئولية الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين كالقطاع الصحي وكوادر المستشفيات أو مؤسسات الرعاية الصحية عن أفعالهم وتنفيذهم أو مخالفتهم التدابير المتخذة من الدولة، وكذلك سوف تثور أيضاً العديد من النزاعات ذات العلاقة بقطاع التأمين الصحي والتأمين على الحياة بشكل خاص والتأمين بشكل عام وجميع هذه المسائل سوف تكون من اختصاص محكمة الموضوع عندما تثور النزاعات بتلك الخصوص ولا بد من معالجتها بكثير من الحرص والفهم الشمولي والدقيق.

الحقيقة أن هذه المرحلة فيها الكثير من الحالات والظروف التي تستدعي البحث في المسئوليات القانونية المنبثقة عنها والمرتبطة بهــا في ظل انتشار وبــاء الكورونا (كوفيد 19) وإعلانه كجــائحة عالمية و التي اعتقد أنه لن يكون بالإمكان حسمــهــا في هذه المرحلة ولن يستقر القضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة أو في أي دولة أخرى انتشر به الوباء على قواعد وأحكام ثابتة سيما وأن المشهد العالمي والداخلي لازال في حالة حركة وتغير وظهور حقائق ومعلومات جديدة قد يكون لها دور في تغيير القواعد القانونية والأحكام القضائية التي قد يتصدى لها القضاء بشأن النزاعات التي يكون وباء الكورونا (كوفيد 19) أحد لاعبيها الرئيسيين، وهل سوف يكون بالإمكان ملاحقة دولة او شخص قد يثبت أنه قام بالتسبب أو المباشرة في تفشي الوباء ومقاضاته أو حتى إدخاله كطرف في دعاوى المسئولية القانونية سواء كانت عقدية أو تقصيرية؟؟ وما هي إمكانية تنفيذ الأحكام التي قد تصدر بهذا الصدد؟؟ كل ذلك وغيره من التساؤلات والإشكاليات سوف يكون على القضاء محلياً وعالمياً التصدي لها عاجلاً أم آجلاً وسوف تبقى محلاً للجدل القانوني خلال الأشهر و السنوات القادمة.
تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير