من يقهر كورونا.
جهينة نيوز - جهينة نيوز -
من يقهر كورونا.
د. مهند العزة
بذلت الحكومة عندنا جهداً مقدراً في ما اتخذته من تدابير لمحاولة احتواء تفشي جائحة كورونا وتلافي عواقب سريان الوباء وعدم الوصول إلى مرحلة العدوى أو الانتشار المجتمعي. هذه الجهود على الرغم من قسوتها وآثارها المالية على الاقتصاد الوطني، إلا أنها سرعان ما بدأت تفقد شيء من فاعليتها وبريقها في ما تلاها من خطوات إجرائية لتعزيز منع الاختلاط والتواصل الاجتماعي الناقل للعدوى.
لقد ساهم عدم توخي الحيطة في توقيت إعلان حظر التجول وكيفيته في خلق تجمعات وحالات من التزاحم شكلت خطراً أكبر بكثير من التجمعات اليومية التلقائية، إذ تجمهر واختلط المئات في كل سوق ومحل تجاري ضمن مساحات ضيقة، في بيئة خصبة جداً لانتقال الفيروس من شخص إلى آخر.
كان اعتذار الحكومة عن ما سببه توقيت وكيفية الإعلان عن موعد بدء سريان حظر التجول، أمراً واعداً بأن تكون الحلول والخطوات التالية له إبداعيةً وذكية. للأسف كانت آلية توزيع الخبز على المواطنين في يومها الأول نذير خطر تجدد بتفريخ حالات جديدة داخلية من الإصابة بفيروس كورونا نتيجة الازدحام الكبير حول حافلات توزيع الخبز التي جابت أحياء المملكة المختلفة.
سلوك الفرد كما أسلفنا؛ هو الدرع الحقيقي والمستدام الذي تعول عليه الدول التي تستشرف المستقبل في محاربة تفشي هذا الوباء المستعر. لقد شاهدنا صور لطوابير طويلة في دول عدة حرص فيها الأفراد على إيجاد مسافة أمان بين كل شخص وآخر، وكذلك كانوا منتظمين في دخول الأسواق بحيث كان العدد الذي يدخل لا يتجاوز بضع أشخاص، يخرجون ليدخل من يليهم بهدوء. ثقافة التهافت على المواد الغذائية والخبز في ظروف أبسط مما نحن فيه مثل احتمال تساقط الثلوج، ممارسةً كان يجب أخذها في الحسبان أثناء التخطيط لأي آلية لتوزيع الخبز أو غيره من المواد الغذائية.
لافت للنظر اختراق حظر التجول في العديد من مناطق العاصمة عمان وفي بعض المحافظات، حيث تم تداول مقاطع فيديو لسيارات تتحرك ومواطنين يتنقلون على أقدامهم من مكان إلى آخر دون رقيب أو حسيب. هذا الافتءات على القانون وهيبة الدولة في حالة الطوارئ القصوى، يجب التعامل معه بحزم، من خلال تقليل الظروف والحالات التي تضطر بعض المواطنين لمغادرة منازلهم، الأمر الذي يستوجب التفكير في حلول عملية قابلة للتطبيق تلبي احتياجات المواطنين من الخبز والماء والمحروقات والأدوية والمواد الأساسية في هذا الظرف العصيب.
لست خبيراً في إدارة الأزمات، لكن استقراء بعض التجارب في دول أخرى يوحي بأن استمرارية الإمداد بالمواد التموينية بسلاسة على مدار الساعة هو الحل الأمثل لتفادي التزاحم الذي تخلقه آلية توزيع هذه المواد دفعةً واحدة وفي سياق زمني محدد. فلماذا لا يتم التفكير على سبيل المثال بفتح الأفران ومحال المواد الغذائية خارج المولات، مع السماح بالتسوق منها في أي وقت سيراً على الأقدام وحظر استخدام المركبات، ووضع دوريات تنظم الدور ، مع عدم السماح بدخول أكثر من 5 أشخاص مثلاً إلى المحل مع ضرورة ارتدائهم للكمامات والقفازات تحت طائلة المسؤولية للمحلات المخالفة التي قد تتعرض للإغلاق أوتوقيف أصحابها والعاملين فيها إذا خالفوا التعليمات.
تضاعف معدل الإصابات اليومي لدينا لا يبشّر بخير، وعلى المواطن أن يعي ذلك تماما، فقد قفزنا من 6 إصابات في اليوم إلى 15 إلى 27 حتى تجاوز العدد مساء اليوم 150 إصابة، وتقول الدراسات المقارنة واستقراء وتيرة تفشي الوباء أن معدل تزايد الإصابات سوف يغدو أكبر، بحيث تكون القفزات بالعشرات وليس بالآحاد.
الخطر محدق وجدي، وتغيير المسلكيات الفردية والجماعيّة هو السلاح الاستراتيجي المستدام الذي سيضمن عدم الانزلاق إلى مرحلة فقدان السيطرة على الوباء لا سمح الله.
سينتهي حظر التجول يوماً ما، ليبقى السؤال: ماذا بعد الحظر وعودة الحياة إلى طبيعتها؟ هل سيعاود الناس ديدنهم في الاختلاط والتلامس الجسدي وعدم الاكتراث بالتعقيم وأخذ الحيطة والحذر؟
إن التصريح الصادر عن منظمة الصحة العالمية منذ أيام والذي فحواه أن الإغلاق وحظر التجول لا يكفي لمحاربة الفيروس، يؤكد أننا بإجراءاتنا الراهنة قد نتمكن إن شاء الله من السيطرة على تزايد حالات الإصابة، لكن القضاء على الوباء وقهره بالكامل هي معركة المجتمع بأفراده وليست معركة الحكومة ومؤسساتها، فإذا أراد المجتمع القضاء على الوباء، فلا بد من إرادة جمعية حقيقية لتغيير المسلكيات وتقويم المعوج منها لتجاوز هذه المرحلة المؤلمة في حياة البشرية.
كلمات جلالة الملك في خطابه الأخير واضحة في أننا نحاول استباق الأزمة الفعلية واتخاذ التدابير اللازمة لتجاوزها قبل أن تتجاوزنا، لكن وكما أشار جلالته، المعول عليه هو المواطن ووعيه الذي لن تجدي أي تدابير نفعاً إذا ما غاب أو أخذته سنة من النوم.