أزمة كورونا تعيد تشكيل العلاقات بين الأفراد والأسر
جهينة نيوز -تعيد الأزمات عادة تشكيل علاقاتنا بما حولنا ومع ذواتنا بحسب خبراء يتوقعون رصد تغيرات غير مألوفة تحددها آلية المواجهة، ومستوى الوعي والمسؤولية لدى الدولة والأفراد.
واشار هؤلاء الخبراء لوكالة الأنباء الاردنية (بترا)، الى أن أزمة كورونا التي ألقت بظلالها على المجتمعات تخلق حالة نفسية وسلوكية واجتماعية جديدة عليها، وتغيّر من أنماط التفكير الرتيبة على مدى عقود، في ظل إجراءات حظر تجول تهدف لمحاصرة انتشار الفيروس، وحفظ النفس البشرية والسلامة العامة. ويشير أخصائي علم النفس الدكتور عبدالله أبو عدس الى أن أزمة كورونا أدت إلى تغييرات مسلكية ونفسية على سكان العالم أجمع، وهو ما أدى إلى تغيير أنماط سلوك الناس في ظل حالة حظر التجول من حيث التقارب النفسي والجغرافي بين أفراد الأسرة الواحدة، بالتالي تقوية التواصل الجسدي والنفسي الذي كان مفقودا بينهم بسبب الانشغال بساعات العمل الطويلة.وأكد أبو عدس اهمية التعامل مع أزمة كورونا بسلاح العلم فقط لا التفسيرات العاطفية غير المنطقية والابتعاد عن الشائعات، داعيا الى عدم الهلع الذي هو عاطفة معدية تؤدي إلى توتر الجسد وتؤثر على جهاز المناعة بما يقلل من قدره الإنسان على مقاومة الفيروسات، والتركيز في اتخاذ التدابير الاحتياطية والإجراءات الحكيمة على مستوى الأفراد والمجتمع والدولة.
ونصح ابو عدس بشرح ما يحدث للأطفال والمراهقين بصورة تراعي الاعتبارات العمرية والعقلية لهم، مع أهمية كسر الملل والتوتر عندهم من خلال عمل الأنشطة، وممارسة الرياضة المنزلية للمحافظة على قوة جهازهم المناعي، وتجنب زيادة الوزن بسبب الجلوس فترات طويل، كما وجه الأهالي لعدم الاستهانة بتدريس أبنائهم عبر المنصات الخاصة بذلك وأخذها على محمل الجد للمحافظة على مستوى الطلبة في تحصيلهم الدراسي؛ بل ومحاولة مشاهدة بعض البرامج الثقافية وقراءة الكتب بما يزيد من التقارب والإيجابية. وحول الفئات الهشة والضعيفة، قال أبو عدس إن كبار السن والحوامل ومرضى النفس الذين يعانون من الوسواس القهري وأمراض الذهان والقلق والاكتئاب قد يتعرضون لانتكاسات نفسية بسبب هذه الأزمة، ما يحتم علينا الاهتمام بهم ورعايتهم من الناحية النفسية والطبية ووضعهم تحت المجهر، مؤكدا على عدم مواصلة الحديث عن نتائج الأزمة بشكل مفصل أمامهم، واعتماد المصادر الموثوقة لنقل المعلومة لهم.
وحذر أبو عدس من النزاعات والشجارات الأسرية بسبب ضيق المساحة الجغرافية التي من الممكن أن تؤدي إلى الطلاق في بعض الحالات، مشددا على أن ذلك مرفوض في هذا الظرف بل يجب التحلي بالصبر والليونة النفسية الكاملة لتخطي هذه الأزمة، مشيرا إلي أن الحجر المنزلي فرصة ذهبية للتقارب بين أفراد الأسرة وسماع أحاديثهم ومحاورتهم بطريقة بناءة بعيدا عن التواصل السلبي. ونوه الى عدم ممارسة الهوس الشرائي الذي شهدناه قبل فرض حظر التجول، بل يجب علينا وضع خطة للميزانية الشرائية في هذه الأزمة، وعدم الإسراف في شراء الكماليات وما يزيد على الحاجة، لأننا نعاني من ضائقة اقتصادية بشكل عام، ولعدم خلق وسط مناسب لانتشار الفيروس بين الناس عند الاكتظاظ بالأسواق من جهة أخرى.
من جهته قال عميد كلية الاجتماع بجامعة مؤتة الدكتور حسين محادين إن أزمة كورونا مصطلح يحمل معنى الضبابية بالنسبة للأردنيين، ليس فقط لخطورته وتداعياته وقدرته على الانتشار المدهشة، وإنما لفهم الحديث عن الآخرين كأنه لا يشملنا كأردنيين أو أننا جزء من الإنسانية والبشرية. وأضاف، هذا أدى لظهور منسوب عال من الاستهتار رغم قيمة ونوعية الخطوات الإجرائية التي قامت بها الدولة، لكن بقي المواطن الأردني يعتقد بأنه ليس مشمولا بخطر هذا النوع من المرض، رغم أن التكنولوجيا المنتشرة بشكل كبير بين أيدي الأردنيين جعلتهم على تواصل مع العالم و مع الجيران. وأوضح محادين أن البعض لا يدرك وجود صفات مشتركة بين العولمة التي وفرت التكنولوجيا بهذه السرعة وبين خصائص وسمات هذا الفيروس، فكلاهما - التكنولوجيا والفيروس- من خارج حدود مجتمعنا، بغض النظر عن المحتوى الذي نستخدمه من خلالها، فعلى الرغم من ارتفاع نسبة التعليم لدينا فإننا تعاملنا مع هذه الأزمة بما هو أقرب إلى الإهمال والمكابرة متناسين حقيقة أن الأمر ليس "أنا فقط" وإنما "أنا وكيف أُؤثّر على الآخرين".
وأشار إلي أنه غاب عن أذهان الأردنيين بأن هذا النوع من الوباء يشبه التفاعل المتسلسل بالفيزياء؛ بمعنى أن كل شخص يضرب شخصا آخر بالعدوى، والأخطر من ذلك أن المتوالي والزيادة العددية هي دائما مضاعفة؛ مؤكدا أن ما أنجز على مستوى الدولة رغم الحالات المصابة - التي نتمنى لها الشفاء- هو إنجاز نوعي نتمنى أن نراكم عليه. وعن إجراءات الدولة في فرض حظر التجول اوضح محادين، إن الإصرار على التغلب على هذه الآفة هو جزء من رغبتنا بالشفاء والبقاء في حالة صحية سوية، ومن جهة أخرى فقد أعادت إحياء قيم ذبلت في الأسرة خلال العقود الماضية، بإعطائها خصوصية كاملة دون تدخل الآخرين بها، كما أنه فرصة للاستماع والتحاور بين أفراد الأسرة رغم وجود التكنولوجيا، لأن أزمة الكورونا جعلت هذه التكنولوجيا وسيلة للوصف والتشخيص وإطلاق الدعابات بشكل ترفيهي حولها.
وأشار الى أنه وبعد أن بدأت القيم الفردية تسود في المجتمع الأردني والأسرة منذ بداية القرن كجزء من انتكاسات العولمة رغم التجاور الجغرافي عادة، تفرض علينا تداعيات الأزمة الرجوع إلى نوع من الحميمية داخل الأسر وممارسة المشاعر الدافئة. ونوه محادين إلى أن الترقب من أصعب الظروف التي تعيشها المجتمعات من منظور علم النفس الاجتماعي، وهي أردنياً انتظار ما ستؤول إليه نتائج انتشار هذا الفايروس القاتل، رغم اعتزازنا وثقتنا الكبيرة بما تقوم به كل القطاعات والسلطات المدنية والعسكرية والمبادرات التكافلية من خدمات وقائية وإسنادية متطورة تفوق إمكاناتنا المالية كبلد صغير.
ويقول عميد كلية الفقه بجامعة مؤتة الدكتور عبد الله فواز، إن ما تقوم به الدولة من إجراءات احترازية يتوافق مع قواعد الشريعة الإسلامية ونصوصها، لأن الله سبحانه وتعالى دعا لحفظ النفس الإنسانية، فقد قال تعالى "ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة وأحسنوا". وأضاف، ان هناك نصوصا تدعو الى الابتعاد عن الخطر المحدق بالنفس وتقليل الأضرار اذا وقعت، وأن يكون الإنسان بمنأى عن كل مرض يهدد نفسه البشرية، وان الواجب علينا تقليل أخطار ومساحة انتشار الفيروس من خلال الالتزام بما تطلبه الدولة من الأفراد من إجراءات احترازية ووقائية بالابتعاد عن التجمعات والمكوث في المنازل وعدم التجول في الأسواق. وأوضح فواز أنه يجوز للحاكم والمسؤول تقييد التصرفات المباحة والمندوبة والواجبة إذا اقتضت الضرورة ذلك، فقد وضع العلماء قاعدة فقهية مفادها "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة"، لافتا إلى أن أصحاب الخبرات من الأطباء والممرضين وغيرهم وكل الذين يبذلون جهودا مضنية نصحوا بالالتزام بالبيوت وتجنب الملامسة والمصافحة والمشافهة المباشرة، ولا بد من الأخذ برأيهم، لاستنادهم على واقع التجربة والعلم والمعرفة، فالواجب على الجميع عدم الخروج إلا في حالة الضرورة القصوى التي حددتها الدولة، ومن يخالف ذلك بتصوري الشخصي يكون آثما والله أعلم. وقال، إن المجتمع الأردني يميل بطبعه إلى التضرع لله حتى يرفع هذا الوباء والبلاء وعن الخلق كله، وليس فقط عن بلدنا بل ندعو بالخير والنفع للبشرية جمعاء، مؤكداً ضرورة المحافظة على السلوكيات الدينية من دعاء وصلوات واتباع الإرشادات الصحية السليمة داخل الأسرة من حيث النظافة، وتناول المواد الغذائية المفيدة التي تزيد من المناعة مع الحفاظ على طهارة النفس والبيت. ودعا فواز الى المكاشفة والمصارحة بين الدولة والأفراد، لتجنب حدوث بلبلة بسبب عنصر المفاجأة في مثل هذه الأزمات؛ بل الشفافية بين هذه الأطراف تؤكد شعور الثقة بينها مستقبلا، وعلى الإنسان الذي يتقرب من الله في هذه الأزمات أن يحافظ على هذا الشعور بعد تخطيها، من خلال تذكر نعم الله عليه حال نجاته من هذا الوباء أو شفائه منه إن أصيب به، وأن يكون دائم الوفاء وقت الشدة والرخاء.
--(بترا)