خطر بيئي في جنوب العقبة
كميات كبيرة من الاطارات التالفة على الطرقات
جهينة نيوز - العقبة - د. نهاية القاسم والاستاذ هاني الزميلي
منذ أيام قليلة وفي أثناء زيارة فريق من وكالة البحر الأحمر للحفاظ على البيئة البحرية الى مدينة العقبة، وفي أثناء التجوال في المنطقة الجنوبية للعقبة والقريبة من المصانع ، كان المشهد محزنا وسيئا للغاية ، كميات كبيرة من الاطارات التالفة مختلفة الأحجام ، المكان يخبر بأن المنطقة باتت مكبا للنفايات، وأي نوع من النفايات! ناهيك عن وجود بقايا الكبريت المتساقط من الشاحنات أثناء عملية نقله من المصانع، مما يزيد من خطورة الوضع المتوقعة.
أما الاخطار الناجمة عن إلقاء هذه الاطارات بشكل رئيسي على جانبي الطريق - التسبب في عرقلة حركة الشاحنات والتي من المحتمل أن تؤدي الى انقلابها والتسبب في حوادث قاتلة – لا قدر الله - ، وقد تنشب الحرائق الكارثية إذا حصل والقي عقب سيجارة في أماكن انتشار هذه الاطارات سيما وانها ملقاة الى جانب بقايا الكبريت والنفايات البلاستيكية ، بوصفها مواد سريعة الاشتعال ويصعب السيطرة عليها مما يتسبب في اشتعال الحرائق.
كنا نتمنى لو نستطيع أن نعرض الصور التي التقطها فريق وكالة البحر الأحمر للمنطقة لتصف المشهد المأساوي، ولكن لا يتسع المجال لذلك وربما أن بعض الصور سيفي بالغرض.
تقييم الأثر البيئي
وهنا لا بد من الاشارة الى الخطورة الناجمة عن النوع الأول من التلوث وهو التلوث الكيميائي و يقصد به التلوث بالمواد الكيميائية المصنعة وتلك التي تُنتج من المخلفات الناجمة عن القاء إطارات السيارات والمطاط ، وهذه المواد يُمكن أن تُلقَ في الممرات المائية أو التي تنتشر في الهواء مما يسبب تلوثاً بيئياً، وهذا النوع من التلوث ذو آثار خطيرة جداً على مختلف عناصر البيئة، وقد ظهرت آثار هذا النوع من التلوث بوضوح، في النصف الثاني من القرن العشرين نتيجة التقدم الصناعي الهائل الذي شهده العالم خصوصاً في مجال الصناعات الكيميائية, وقد تصل آثار التلوث الكيمائي إلى الغذاء، عن طريق استخدام المواد الحافظة والألوان والصبغات ومكسبات الطعم والرائحة في صناعة الأغذية، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك، دور هذه المواد في إحداث الأورام السرطانية الخبيثة كاخطر نوع من الإصابة. وتعتبر الإطارات القديمة واحدة من نتائج هذه الصناعات الكيميائية التي ينتج عن حرقها اثار خطيرة منها :
الأضرار الصحية : تشير الأبحاث إلى وجود علاقة بين السكن قرب منطقة حرق النفايات وبين التأثير الصحي ، من بين تلك التأثيرات سرطان الأطفال والكبار على حد سواء، أمراض في جهاز التنفس، أمراض القلب، تأثير على جهاز المناعة، ازدياد حالات الحساسية وعاهات الولادة وذلك بسبب تناثر مواد سامة كثيرة.
الأضرار البيئية: فحرق النفايات يؤدي لتلوث الهواء، تلوث الأرض والمياه ويضر بالحيوان والنبات، أما على المدى البعيد، فالحرائق تساهم بارتفاع ظاهرة الاحتباس الحراري، كما أن حرق النفايات يحدث دخان، رائحة كريهة.
الملوثات الناتجة من حرق هذه المخلفات :-
1- الملوثات السامة: وهى تلك التي تتلف أنسجة الجسم التي تصل إليها عن طريق الدم ومن أمثلتها مركبات الزرنيخ والزئبق والرصاص والفسفور.
2- الملوثات الخانقة: وهى التي تعطل تحقيق الهدف من عملية التنفس ، ومن أهمها غاز أول أكسيد الكربون الذي يمنع الدم من استخلاص الأكسجين من الهواء، وتعتبر الملوثات الخانقة اكبر أنواع الملوثات انتشاراً وبالتالي أآثرها خطورة.
3- الملوثات المهيجة: وهى التي تحدث التهابا في الأسطح المخاطية الرطبة من الجسم كالأنف والعين، ومنها اكاسيد الكبريت التي تكون بذوبانها في الماء حمض الكبريتيك، ومنها أنواع الغبار والأتربة المختلفة التي تهيج الجهاز التنفسي
وقد حذرت منظمة مهتمة بحماية الطبيعة من أن مخلفات إطارات السيارات (الجزيئات البلاستيكية الدقيقة الناجمة عن احتكاكها) تنتهي إلى أن تشكل “مادة بلاستيكية سائلة” تلوث الهواء والماء والتربة.
ويقول الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) إن جزيئات البلاستيك المتخلفة من الإطارات والمنسوجات تعد أكبر ملوث للبحار، وأكبر بكثير من تحلل النفايات البلاستيكية الكبيرة في بعض المناطق.
وأوضح تقرير أصدره الاتحاد أن 30 في المئة من مادة البلاستيك التي تطلق في البحار تنتج من جزيئات بلاستيكية صغيرة، وليس من قطع نفايات البلاستيك الكبيرة، ويضيف أن المخلفات الناجمة عن احتكاك إطارات السيارات ومن الإنسجة الصناعية تعد المصادر الرئيسية للتلوث.
ودرس تقرير الاتحاد بيانات من سبع مناطق في العالم للنظر في كمية تقدر بـ 9.5 مليون طن من نفايات البلاستيك الجديدة التي تطلق سنويا في البحار، تأتي أوليا من تلك الجزيئات البلاستيكية الدقيقة، وتأتي هذه الجزيئات الدقيقة من مثل هذه المنتجات الاستهلاكية وليس من تحلل قطع أكبر من البلاستيك في البحار.
وكشف التقرير عن أن ما بين 15 إلى 31 في المئة من التلوث بالمواد البلاستيكية يأتي من جزيئات البلاستيك الدقيقة، والتي تنجم بشكل كبير (بنسبة الثلثين) من احتكاك الأنسجة الصناعية أثناء الغسيل واحتكاك الإطارات أثناء قيادة السيارات.
ويُصنع المطاط الصناعي من مواد بلاستيكية مختلفة، تشكل نحو 60 في المئة من المطاط المستخدم في الإطارات، تشمل مصادر الجزئيات البلاستيكية الدقيقة الأخرى مواد التجميل، التي تسهم بنسبة 2 في المئة من الجزئيات المطلقة إلى المحيطات في العالم.
وقال خبراء، في الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، إن هذه الاكتشافات تشكل مفاجأة، واكتشفنا أن معظم الجزيئات البلاستيكية الدقية تأتي إما من الملابس أو من الإطارات، فالجزيئات البلاستيكية الصغيرة تذهب إلى كل مكان في البحار وبالتالي تدخل سلسلة انتاج غذائنا، يجب أن نغلق هذا الصنبور الذي ينتج البلاستيك”.
وهنا لا بد من الاشارة الى المراحل التي يتتم بها صناعة الاطارات المطاطية حتى يتسنى لنا فهم مدى خطورة هذه الملوثات على البيئة:
صناعة إطارات المركبات
تبدأ العمليات بخلط المطاط وهو في حالة لدنه في خلاط داخلي ويطحن مع الكبريت، تستخدم شحنة كبيرة نسبياً من الكربون المسحوق جيدا لخلطة مع السطح المحيط للإطــار Tread and Side wall لإكسابها مقاومة جيدة للتأكل الميكانيكي بخلط المطاط الذي يضع منه الغلاف بنسبة توفر المتانة اللازمة للطبقات الرقيقة Under Tread التي تربط أوتار الغلاف مع بعضها البعض وتوفر المقاومة الضرورية للكلال بفعل التمددات المتكررة والشد المستمر تحت تأثير الثقل الواقع على الإطار.
تجهز خلطة من المطاط الصلب بها نسبة مرتفعة من الكبريت للاستخدام على الأسلاك العقدية Bead wire لتجمد على هيئة كتلة صلبة عند التشكيل.
اشد المواد المسرطنة
من المعروف ان عملية حرق اطارات السيارت المستهلكة القديمة التي يدخل في تركيبها الكيماوي مواد أولية بتروكيميائية وكربون ومواد كيماوية عضوية مثل الستايرين(C8H8) وهو أحد مشتقات البنزيــن كذلك المطاط الصناعي مثل البويتادين(SBR) الذي يشكل 50% من إطارات السيارات حيث يصّنف على انه واحد من اشد المواد المسرطنة ، يؤدي احتراق تلك المواد الى انبعاث الغازات السامة الي عنان السماء وهذا الإنبعاث ينتج عنه زيادة فى المركبات العضوية المتطايرة ومركبات الديوكسين( C12H4Cl4O2 (والفيوران (C4H4O)، بالإضافة إلى أكاسيد الكربون ( CO, CO2) وهي كلها تسبب الاختناق والتسمم وتزيد من ظاهرة الإحتباس الحراري، كما يؤدي تصاعد أكاسيد الكبريت (SO2) الي السماء في تحويل الأمطار الي امطار حامضية.
تاثير احتراق الإطارات على الهواء
يحدث التلوث الهوائي عندما تتواجد جزيئات أو جسيمات في الهواء وبكميات كبيرة عضوية أو غير عضوية بحيث لا تستطيع الدخول إلى النظام البيئي وتشكل ضررا على العناصر البيئية. والتلوث الهوائي يعتبر اكثر أشكال التلوث البيئي انتشارا نظرا لسهولة انتقاله وانتشاره من منطقة إلى أخرى وبفترة زمنية وجيزة نسبيا ويؤثر هذا النوع من التلوث على الإنسان والحيوان والنبات تأثيرا مباشرا ويخلف آثارا بيئية وصحية واقتصادية واضحة متمثلة في التأثير على صحة الإنسان وانخفاض كفاءته الإنتاجية كما أن التأثير ينتقل إلى الحيوانات ويصيبها بالأمراض المختلفة ويقلل من قيمتها الاقتصادية، أما تأثيرها على النباتات فهي واضحة وجلية متمثلة بالدرجة الأولى في انخفاض الإنتاجية الزراعية للمناطق التي تعاني من زيادة تركيز الملوثات الهوائية بالإضافة إلى ذلك هناك تأثيرات غير مباشرة متمثلة في التأثير على النظام المناخي العالمي حيث ان زيادة تركيز بعض الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون يؤدي إلى انحباس حراري يزيد من حرارة الكرة الأرضية وما يتبع ذلك من تغيرات طبيعية ومناخية قد تكون لها عواقب خطيرة على الكون.
يرى خبراء البيئة أن التخلص من مشكلة التلوث الناجم عن الاطارات في إعادة تدويرها مرة أخرى والاستفادة منها أما بالترميم وإعادة الاستخدام أو بتحويلها الى منتج آخر يمكن الاستفادة منه وتحسين الوضع الاقتصادي.
فعلى سبيل المثال، بذلت جهود كبيرة في ماليزيا لترميم الإطارات وإعادة تصنيعها، ويذكر أحد الخبراء أن بداية مشروعه في تدوير عجلات السيارات قبل نحو عشرين عاما، عندما اقترح عليه أحد أصدقائه إقامة مصنع لتدوير النفايات.
واستغرقت دارسة المشروع خمس سنوات زار خلالها عدة دول أوروبية للاطلاع على صناعة التدوير، بعدها بدأت رحلة عائلة أوو لتحويل نفايات الإطارات إلى استثمار ناجح وحماية البيئة من خطر محقق.
ويقوم مصنع "أكتين" اليوم في أحدى الولايات الماليزية على ترميم وإعادة كساء أكثر من ثلاثة آلاف إطار شهريا بمادة المطاط، أما المستنفد منها فيتم تفكيكه لإعادة استخدامه بطرق مختلفة.//