قرار فك الارتباط وصفقة القرن
جهينة نيوز -يكثر الحديث في هذه الأيام عن قرب الإعلان عن تفاصيل صفقة القرن ، وترجح الأخبار الواردة من الولايات المتحدة الاميركية ان يتم ذلك يوم الثلاثاء القادم الموافق 28 / 1 / 2020 وبعد الزيارة المقرر ان يقوم بها إلى واشنطن كل من بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود وبني غانتس رئيس حزب ازرق - ابيض منافس نتنياهو في الانتخابات على رآسة الحكومة الصهيونية القادمة في جولتها الثالثة لهذه الدورة والمفروض ان تجري بتاريخ 2 / 3 / 2020 . وذلك بعد ما تردد عن اتصالات سابقة ما بين الجانب الأمريكي والجانب الصهيوني خلال الفترة الماضية تم فيها تعديل بعض بنود الصفقة بما يتماشى مع مصالح الجانب الصهيوني لضمان موافقته عليها . وان الهدف من أعلان هذه الصفقة بهذا اليوم والتاريخ بالذات لكي يتزامن ذلك مع موعد عقد الكنيست الصهيوني جلسته الاولى لمناقشة طلب نتنياهو منحه الحصانة النيابية من المحاكمة عن تهم الفساد المنسوبة اليه . وان الهدف من ذلك تقوية موقفه في الكنيست من اجل ضمان منحه هذه الحصانة ومن اجل تقوية موقفه الانتخابي في الانتخابات التي ستلي ذلك بشهر وعدة أيام .
أما لماذا قام ترامب بدعوة كل من نتنياهو وغانتس في نفس اليوم ؟ قد يكون هدف ترامب من ذلك إما ان يضمن موافقة الطرفين على خطته للسلام في الشرق الأوسط بغض النظر عمن سوف ينجح منهما في لإنتخابات القادمة ، أو ان يكون هدفه إقناعهما بخوض الانتخابات بقائمة موحدة أو تشكيل حكومة ائتلافية بينهما بعد الانتخابات يترأسها نتنياهو أو ان تكون بالتناوب وتكون الرآسة في البداية لنتنياهو ليتجنب المسائلة القانونية إلى ان يتم استكمال تطبيق خطة ترامب للسلام والتي وصفتها أطراف صهيونية انها أفضل خطة سلام عرضت عليهم حتى الآن .
وعلى اثر هذه المعلومات فقد انتشرت صيغ مختلفة لصفقة القرن هذه ، وكما سبق وان انتشرت عشرات الصيغ عن هذه الصفقة وبنودها سابقاً . وللأسف ايضاً وكما حصل ويحصل في مثل هذه الظروف فقد انطلقت الكثير من الاصوات التي تشكك بصلابة الموقف الاردني أو تتحدث عن عدم قدرته على معارضة اي بند من بنود هذه الصفقة بل ذهب البعض الى القول ان الأردن مطلعاً على جميع بنود الصفقة وانه موافق عليها وانه يعمل على التمهيد لتطبيقها من خلال اجتزاء بعض التصريحات لكبار المسؤولين ، او تحليل بعض الأحداث ، متجاهلين ثوابت الاردن المعلنة وهي التمسك بالولاية الهاشمية على المقدسات الدينية في القدس وإصراره على حل الدولتين ورفضه لما يردده نتنياهو من عزمه على ضم غور الاردن بالإضافة لشمال البحر الميت للدولة الصهيونية ورفضه المطلق للحل على حساب الاردن وفكرة الوطن البديل .
وأنا لن اتحدث عن تفاصيل هذه النقاط التي صرح اكثر من مصدر اردني خلال اليومين الأخيرين عن تمسك الاردن بهما . ولن اتحدث عن مضامين صفقة القرن التي يجري التحدث عن بنودها ، وذلك لإيماني ان الغالبية العظمى من بنود هذا الصفقة قد تم تنفيذها على ارض الواقع منذ سنوات طوال وخاصة خلال العشر سنوات الأخيرة ، وبالأخص منذ ان اصبح ترامب رئيساً للولايات المتحدة الاميركية وتعهده بإحلال السلام في الشرق الأوسط على طريقته ، وما تم خلال انعقاد المؤتمر الاقتصادي في البحرين والذي قرر قيمة المبالغ المالية التي سوف يتم تخصيصها لبعض المشاريع في دول المنطقة بعد إبرام صفقة القرن ، وحصة كل دولة من هذه المبالغ وما هي المشاريع التي سوف تنفذ فيها والتي سبق لي وان تناولتها في عدة مقالات سابقة وبينت ان هذه المشاريع الاقتصادية حتى لو أقيمت في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو في شبه جزيرة سيناء أو لبنان أو الاردن فأن المستفيد الأكبر من خيراتها ستكون الدولة الصهيونية والتي وعن طريقها ستحقق هدف الربط الاقتصادي ما بينها والكثير من الدول العربية . ولعل ما ورد في هذا المؤتمر هو اهم بنود صفقة القرن والتي استعجلت بعض الدول العربية على تطبيق بعض غاياتها من خلال إقامة العديد من العلاقات ما بين هذا الكيان وبينها . وما تبع ذلك من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بأنها العاصمة التاريخية والأبدية لدولة إسرائيل . والاعتراف بشرعية ضم منطقة الجولان المحتلة لها والتوقف عن إعتبار المستوطنات الصهيونية في المناطق المحتلة غير شرعية والنية لضم هذه المستعمرات للكيان الصهيوني والتلويح بضم غور الاردن وشمالي البحر الميت لهذا الكيان بحيث لم يبقى من صفقة القرن الا بعض الجزيئيات والرتوش الصغيرة التي لن اتحدث عنها الآن .
ولكن ما سوف اتحدث عنه هو ما يشيعه البعض بأن الاردن يعتزم إلغاء قرار فك الارتباط الإداري والقانوني ما بين الاردن والضفة الغربية الذي اتخذه جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه عام 1988 وبعد ان أعلن المرحوم ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية في نفس العام . وما ترتب عليه من إلغاء المواطنة الاردنية للمقيمين في الضفة الغربية بتاريخ صدور القرار والذين كانوا يحملون بطاقات جسور خضراء واعتبارهم من رعايا الدولة الفلسطينية مع منحهم جوازات سفر أردنية مؤقتة لتمكينهم من التنقل والسفر عن طريق الأردن . مع احتفاظ من كانوا يقيمون في الضفة الشرقية أو أي مكان في العالم ممن كانوا يحملون بطاقات جسور صفراء بجنسيهم الاردنية.
ولعلكم تتذكرون الحملة الشرسة التي تعرض لها الأردن نتيجة اتخاذه هذا القرار والتي شاركت بها العديد من الأحزاب الاردنية والنقابات المهنية والفعاليات الشعبية ، ومن الكثيرين من اصحاب الرأي والفكر والذين اعتبروا ان ذلك يمثل تخلي عن الأهل في الضفة الغربية وأنه إجراء غير قانوني وغير دستوري وأنهم لا يعترفون به . والأصوات التي ارتفعت في حينها تطالب بإلغاء هذا القرار حتى من داخل مجلس النواب الأردني . والضجة التي كانت تثار عندما كان يطبق هذا القرار على أي شخص من سكان الضفة الغربية انطبقت عليه شروطه . وعن الوساطات التي كانت تنطلق لإلغاء تطبيق هذا القرار عليهم او استثنائهم منها . وعن المحاميين الذين كانوا يتبرعون لرفع طعون قضائية على قرارات دائرة الأحوال المدنية والجوازات في هذا المجال والتي كانت في غالبيتها العظمي ترد من قبل القضاء لكون قرار فك الارتباط قراراً سيادياً .
في حين ان الأردن كان يوضح مقصده من هذا القرار بأن لغاية منه المحافظة على فلسطينية الفلسطينيين في الضفة الغربية ولكي لا يصبح سكانها يحملون جنسية دولة أخرى تعطي الفرصة لدولة الصهاينة حق طردهم منها إلى الدولة التي يحملون جنسيتها كونهم ليسوا فلسطينين . حتى ان الأردن كان حريصاً خلال الفترة الماضية على ضرورة حصول ابناء الأردنيين حاملي بطاقات الجسور الصفراء على هويات من قبل سلطات الاحتلال قبل بلوغهم الخامسة من عمرهم للمحافظة على حقهم بالمواطنة هناك.
والآن وقد أزف موعد حل القضية الفلسطينية أو قل تصفيتها من خلال اعلان مشروع ترامب لحلها ، فقد ظهرت الحكمة من وراء هذا القرار وانه كان لمصلحة الفلسطينين وقضيتهم .
الا انه لا يزال وحتى يومنا هذا من يدعي عدم صوابية هذا لقرار وعدم دستوريته ويطالب بالعودة عنه وإلغائه وإعادة الجنسية الأردنية لأبناء الضفة الغربية . ولقد اطلعت خلال الأيام الأخيرة على الكثير من المقالات التي تطالب بذلك والتي لا يمكن تفسيرها غير انها تعمل لخدمة الأهداف الصهيونية لمنحها مبرراً لطرد جميع السكان من الضفة الغربية للأردن باعتبارهم مواطنين اردنيين ، وبذلك نكون قد حققنا فكرة الوطن البديل وقدمنا كل ارض فلسطين للكيان الصهيوني هدية على طبق من ذهب . وبهذا يُثبت من يطالبون بالغاء قرار فك الارتباط إنهن ليسوا الا أدوات وعملاء لدى الدولة الصهيونية عن وعي منهم أو غير وعي .
إني ارى وجوب التمسك بقرار فك الارتباط وكما أعلن ذلك اكثر من مصدر رسمي اردني والإصرار عليه حتى لو تطلب الأمر اتخاذ إجراءات دستورية وقانونية لتكريس هذا القرار .
ان التفاف الموقف الأردني خلف موقف قيادته يقوي موقفها للتصدي للبنود التي تمس الاردن من هذه الصفقة . ان الاردن سيكون قويا بوحدة موقفه وصلابته ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار ان الاردن وان كان دوله عظيمة الا انه ليس دولة عظمى ولا يستطيع لوحده ان يتصدى لكل صفقة القرن وبنفس الوقت ليس مطلوباً منه الانتحار لوحده . ولكنه سيكون قادراً ان شاء الله على ان يحقق بعض لاءاته واهمها استمرار الولاية الهاشمية على القدس وإسقاط فكرة الوطن البديل والتهجير وربما إلغاء فكرة ضم منطقة الغور وشمال البحر الميت للدولة الصهيونية . وإذا تمكن الاردن من تحقيق ذلك فهذا يجب ان يعتبر إنجازاً كبيرا له . وسيبقى الاردن بعد ذلك داعماً للموقف الفلسطيني من هذه الصفقة ولحقه بإقامة دولة المستقلة على أراضيه المحتلة بعد عام 1967 .