القدس ما بين عنجهية ترامب وعقلانية جلاله الملك عبدالله
جهينة نيوز -مروان العمد
في منتهى العنجهية والاستكبار قام رئيس الولايات المتحده الاميركيه بأعلان قراره بالاعتراف بالقدس عاصمه لدوله اسرائيل وقراره بنقل سفاره بلاده اليها على خلاف جميع القرارات والمواثيق الدوليه بما فيها قررات مجلس الامن والجمعيه العموميه للأمم المتحده التي لا تعترف بذلك ، بل منعت الدول الاخرى من اتخاذ مثل هذه القرارات من منطلق ان القدس منطقه متنازع عليها ويجب ان يتم تسويه موضوعها ضمن الحل النهائي للقضيه الفلسطينيه . وكانت الإدارات الاميركيه المتعاقبه تلتزم بذلك دائما بالرغم من الوعود الانتخابيه وبالرغم من قرار الكونغرس الاميركي بنقل السفاره الى القدس الذي اتخذ عام ١٩٩٥ . حيث كانت الادارات الاميركيه المتعاقبه تصدر مراسيم كل سته أشهر بتأجيل تنفيذ هذا القرار .
وترامب بعنجهيته هذه أراد ان يوجه اكبر ضربه للمطالب والحقوق الفلسطينيه في مدينه القدس والتي هي اهم نقاط الخلاف في المباحثات مابين الفلسطينين والكيان الصهيوني وأن يستبق جميع مراحل المفاوضات التي من المفروض ان دولته راعيه لها ليقرر بصوره منفرده ان القدس هي العاصمه التاريخيه والأبدية لدوله الصهاينه منذ آلاف السنين وأعلن نقل سفاره بلاده اليها دون ان يذكر القدس الغربيه او الشرقيه لأنه بذلك سيكون اعترافاً منه بأحتلال الصهاينه للقدس الشرقيه وانها ليست جزءاً من عاصمتهم وفِي رساله منه بانه لا توجد بالنسبه له الا قدس واحده مع ما يمثله ذلك من دعم للموقف الصهيوني منها . وقد أكد ذلك ما أعلنه هو وادارته بعد ذلك بأيام بأنه لا يمكن تصور القدس عاصمه لأسرائيل دون ان يكون الحائط الغربي للمسجد الأقصى ( حائط البراق) من ضمنها . وهذا يعني ان تكون القدس الشرقيه ومنطقه ألمسجد الأقصى خاضعتين للسيطره الصهيونيه. وان قال انه سوف يحافظ على الوضع الديني للأماكن المقدسه فيها والتي لن تعني عند ذلك عدم السماح للمسلمين والمسيحيين بأقامه شعائرهم الدينيه فيها .
ثم تابع عنجهيته بوضع تصوره لصفقه القرن التي تتطلب من الفلسطينيين ان يتنازلوا عن معظم اراضي الضفه الغربيه وان لا تبقى بأيديهم الا كانتونات متفرقه يتولون اداره شؤنها المحليه وان يخلق لهم عاصمه جديده خارج القدس يسميها القدس وليقول لهم تريدون القدس فهذه قدسكم . و ليعدهم بأن ينزع لهم قسماً من صحراء سيناء حيث ينشط عملائه من تنظيم داعش والقاعده وانصار بيت المقدس ويضمها لقطاع غزه وتصبح تلك المنطقه هي الدوله الفلسطينيه البديلة .
ولم تتوقف عنجهيه ترامب عند هذا الحد فقد استنكر على الجانب الفلسطيني الاعتراض على خطواته ومشروعه للحل وأبداء أي وجهه نظر معارضه له . لذا فأنه خلال لقائه مع بنيامين نتينياهو خلال انعقاد مؤتمر دافوس قال ان الفلسطينين قللوا من احترامنا قبل أسبوع بعدم السماح لنائب رئيسنا الرائع بمقابلتهم . وكما اصدر قرارات عقابيه بحق الفلسطينين ومنها وقف تمويل منظمه الانوروا التي تقدم المساعدات الإنسانيه و التعليميه التموينية والصحيه للشعب للفلسطيني بأجراء يخلو من كل اخلاق وإحساس بالواجب ليزيد من معاناه هذا الشعب .
كما أعلن انه لن ينتظر لانتهاء بناء سفاره لبلاده في القدس لينقل سفارته اليها ، بل انه سيعمل على نقل السفاره الى نموذج مصغر لها في القدس قبل انتهاء عام ٢٠١٩ على عكس ما قاله سابقا ان عمليه النقل لن تتم قبل انتهاء بناء السفاره . كما شكك بأحتمال استئناف المفاوضات ما بين الاسرائليين والفلسطينين محملاً الفلسطينين مسؤوليه ذلك
وكان منبع عنجهيه ترامب ثقته ان العديد من الدول العربيه لن تعارض قراراته وخططه لحل القضيه الفلسطينيه بعد ان أغرقها في مشاكل قلبت أولوياتها . ولولا ثقته ان لا احد سوف يذهب بمعارضه خطواته هذه ابعد من الرفض الشكلي مثل التصويت في مجلس الامن الذي مكن بلده من استخدام حق النقض او في التصويت بالأمم المتحده والذي تبين انه لم يكن الا لتسجيل موقف لصالح القضيه الفلسطينيه دون الذهاب الى مستوى الازمه مع الولايات المتحده الاميركيه . ولذا وجدنا ان الدول الغربيه تقول انها بالرغم من رفضها لقرارات اترامب الا انها تدعو الجانب الفلسطيني بعدم قطع علاقاته مع اميركا وان يواصل التعامل معها كراعيه لعمليه السلام . كما رفضت طلب السلطه الفلسطينيه بالاعتراف بالدوله الفلسطينيه وان القدس الشرقيه عاصمه لها لحين التوصل لأتفاق نهائي بين الطرفين .
وملخص الموضوع ان ترامب بقراره المتعجرف هذا كان يهدف الى قتل أي أمل بحل عادل للقضيه الفلسطينيه وانه ليس على الفلسطينين سوى ان يوافقوا على مشروعه الذي يطلق صفقه القرن .
وفِي المقابل كان الموقف الأردني وموقف جلاله الملك المعظم هو تقريباً الموقف الواضح والثابت الوحيد بالنسبه للقضيه الفلسطينيه والقدس بالذات ، الامر الذي دفع نائب الرئيس الاميركي بنس للإقرار خلال زيارته الاخيره للأردن بأنه لا يوجد صوت ذو مصداقيه في المنطقه مثل صوت جلاله الملك عبدالله وأكد احترام بلاده للأردن ودوره وإعجابهم الكبير بقيادة جلاله الملك وشجاعه الجيش الأردني في الحرب على الاٍرهاب رغم اختلاف وجهات نظر الطرفين كما سيلي ذكره .
هذا وقد أعلن جلاله الملك موقف الاْردن من اعلان ترامب لقراراته حول القدس ، حيث أعلن رفضه له . كما شارك جلالته بكل الأنشطة الفاعله لأدانه هذه القرارات من خلال التحرك على المستوى العربي والاسلامي والدولي . فقد قام بعده زيارات لدول عربيه واجرى اتصالات بعدد من الزعماء العرب لبحث هذا الموضوع كما شارك بالقمه الاسلاميه في اسطنبول التي رفضت القرار واعترفت بالدوله الفلسطينيه وعاصمتها القدس الشرقيه . كما دعم قرار مجلس الامن بهذا الخصوص وصوّت الأردن ضد القرارات الاميركيه في الجمعيه العموميه للأمم المتحده .
الا ان جلاله الملك وبحكمته وحنكته قال انه ليس من المصلحه قطع الاتصالات مع الاداره الاميركيه ويجب ان نسعى دائماً لإقناعها بخطأ قرارها . وانه بنفس الوقت لا يمكن تجاهلها للوصول الى الحل المنشود وليكون لنا فرصه في إيصال صوتنا وموقفنا اليها في هذا المجال . وبناء على ذلك جرى استقبال نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس لدى زيارته للمنطقه مؤخراً ، حيث التقى به جلاله الملك وأكد له النقاط التأليه
أولاً : - أكد جلالته قلقه العميق من القرار الاميركي بالاعتراف بالقدس عاصمه لأسرائيل وقال انه عبر بأستمرار خلال اجتماعاته بالمسؤولين الأميركيين خلال العام الماضي عن قلقه العميق من أي قرار أميركي بهذا الاتجاه خارج إطار التسويه الشاملة للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي
ثانياً : - أكد جلالته ان الحل يجب ان يكون بقيام الدوله الفلسطينيه وعاصمتها القدس الشرقيه وعلى أساس أعاده بناء الثقه للمضي قدماً بحل الدولتين وفقاً للقانون الدولي ومبادرة السلام العربيه ، وان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يهدد الاستقرار في المنطقه
ثالثاً : - أكد جلاله الملك ان القدس غاليه علينا كمسلمين ومسيحيين كما هي بالنسبه لليهود وانها هي مفتاح السلام بالمنطقه .
رابعاً : - اكد جلالته على اهميه الاستمرار بتقديم الدعم للأونروا لتمكينها من القيام بمسؤولياتها .
وفي هذه المباحثات اكد بنس على احترام الوصايه الهاشميه على الأماكن المقدسه وأقر بأن للأردن دورا مركزيا لتوفير الظروف الداعمه للسلام . الا انه وفيما يتعلق بالقدس وبناء على سؤال لمندوبة تلفزيون NBC. News أجاب بنس نحن نتفهم الاختلافات بيننا وبين جلاله الملك وقد اتفقنا على ان لا نتفق في موضوع القدس .
ورغم اهميه ما ورد في هذه المباحثات فقد لاحظت تجاهلاً لها من قبل مصادر الاعلام العربيه ولم يهتم بها سوى الاعلام الغربي الذي وصف ماجرى في المباحثات بأنها عباره عن محاضره بلغه دبلوماسيه مهذبه من جلاله الملك لنائب الرئيس الامريكي .
حتى انني لم الحظ تغطيه مناسبه لها في الاعلام المحلي او من خلال كتاب الأعمدة .
كما ان جلاله الملك وبالإضافة الى مشاركته الفاعله في مؤتمر دافوس الأخير فقد تناول القضيه الفلسطينيه وموضوع القدس وبعض قضايا المنطقه بأستفاضه وذلك خلال الجلسه الحواريه التي أدارها الإعلامي الاميركي فريد زكريا حيث قال جلالته انه اذا تركنا القدس لتصبح مصدر خلاف للانسانيه بدلاً من مصدر أمل فأن ذلك سيكون أمراً كارثياً ، وانه يجب ان ننظر للقدس كمدينة للأمل تجمع ولا تفرق وان لها مكانه عاطفية لدى المسلمين والمسيحيين وانه يجب ان يتم تسويه وضعها ضمن أطار الحل النهائي للصراع الفلسطيني الأسرائيلي . وأضاف جلالته اننا ننتظر خطه السلام من الولايات المتحده الامريكيه وان كان الفلسطينيون لم يعودوا يَرَوْن بها وسيطاً نزيهاً للسلام رغم رغبتهم بالمضي بطريق السلام ويمدون أيديهم بذلك للدول الاوروبيه . وقد اكد جلالته انه لا يمكننا المضي قدماً دون الولايات المتحده ولكن في الوقت نفسه لا نعلم ما الذي ستقدمه في خطتها هذه .
في رده على سؤال حول حل الدولتين اجاب جلالته : لا ادري أين ترى اسرائيل مستقبلها هل هناك حل للصراع غير حل الدولتين وهل سيكون حل الدوله الواحده معقولاً ومقبولاً رغم معارضته للديمغرافيا في المنطقه ؟ وأكد جلالته اننا سنعمل مع الولايات المتحده وإسرائيل والفلسطينيين وكل الأطراف لأيجاد حل يساعد على التقدم .
وفي سؤال حول الهلال الشيعي اجاب جلالته نحن بحاجه الى حوار لحل النزاعات في المنطقه وان ايران تنتهج استراتيجيه طويله المدى نحو المنطقه وحذر من دق طبول الحرب ، وقال ان هناك هلالا إيرانيا ونحن نرفض استخدام الدين كأداة سياسيه .
ومن هذا نجد ان جلاله الملك عبد الله يكاد ان يكون هو الزعيم العربي والاسلامي الوحيد الذي يولي القضيه الفلسطينيه والقدس كل اهتمامه وانه يبذل كل جهوده لإيجاد حل لها يرضي جميع الأطراف مع استمرار رفضه لقرارات ترامب في الوقت الذي لم يعد احد من الزعماء العرب والمسلمين يتحدث عن ذلك الموضوع بعد ان انشغلوا بأولوياتهم الخاصه بما فيها تركيا التي ترى نفسها زعيمه للعالم الاسلامي السني والتي أعلنت رفضها لقرارات ترامب وهددت بأتخاذ أجراءات ضد الولايات المتحده الاميركيه وضد اسرائل بما فيه قطع العلاقات الدبلوماسيه معها ، الا انها لم تفعل شيئا من ذلك وانشغلت عنها في حربها الخاصه داخل الاراضي السوريه .//