الملك: يجب أن ننظر إلى القدس كمدينة للأمل تجمع ولا تفرق
التقى الرئيس البولندي وماي ووزير الخزانة الأميركي وخلال جلسة حوارية في دافوس
الفلسطينيون يرغبون بالمضي قدما بالسلام
الملك يؤكد ضرورة أن تعمل الدول العربية معا لتحقيق النمو والتكامل الاقتصادي
لا يمكننا المضي قدما دون الولايات المتحدة ولكن في الوقت نفسه لا نعلم ما الذي ستقدمه في خطتها للسلام ونحن بانتظار ذلك
دافوس
قال الملك عبدالله الثاني "إنه إذا تركنا القدس لتصبح مصدر خلاف للإنسانية بدل أن تكون مصدر أمل، فذلك سيكون كارثيا".
وأضاف جلالته "أنه يجب أن ننظر للقدس كمدينة للأمل تجمع ولا تفرق، فالقدس لها مكانة عاطفية لدى الجميع، وخالدة لدى المسلمين والمسيحيين، ويجب أن يتم تسوية وضعها ضمن إطار الحل النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
وخلال جلسة حوارية ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أدارها الإعلامي الأميركي في شبكة "سي إن إن" (CNN) فريد زكريا، بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، قال جلالته "إن القدس إذا لم تجمعنا فإنها ستخلق المزيد من العنف كما لم نرَ سابقا".
وتابع جلالته، خلال الجلسة الحوارية التي ستبثها الشبكة لاحقا ضمن برنامج "جي بي إس" "إننا ننتظر خطة سلام من الولايات المتحدة الأميركية، ولكن الفلسطينيين لا يرون في أميركا وسيطا نزيها للسلام رغم أنهم يرغبون بالمضي قدما بالسلام، ويمدون أيديهم نحو الدول الأوروبية".
وأكد جلالته "أنه لا يمكننا المضي قدما دون الولايات المتحدة، ولكن في الوقت نفسه لا نعلم ما الذي ستقدمه في خطتها للسلام، ونحن بانتظار ذلك".
وفِي رد جلالته على سؤال حول بديل حل الدولتين، قال جلالته "لا أدري أين ترى إسرائيل مستقبلها، وهل إذا كان هناك حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي غير حل الدولتين، كحل الدولة الواحدة"، متسائلا جلالته هل سيكون ذلك مقبولا؟ وأعتقد أن هذا الحل لن يكون واردا لأن الديمغرافيا تضع المزيد من المعوقات أمامه.
وأضاف جلالته "سأحكم على مستقبل حل الدولتين عندما أرى ما الذي ستقدمه الولايات المتحدة، وما الذي ستقتنع به إسرائيل، حيث قد لا يكون ما نتوقعه هو نفس ما سيتم تقديمه، ولكننا سنعمل مع الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين وكل الأطراف لإيجاد حل يساعدنا على التقدم".
وفي رد على سؤال حول الهلال الشيعي، قال جلالته "إن ما أراه اليوم هو هلال إيراني، ونحن في المملكة الأردنية الهاشمية نرفض استخدام الدين كأداة للسياسة، ولا نمثل ذلك مطلقا".
وأَضاف جلالته "أن السياسة الخارجية الإيرانية تتدخل في منطقتنا"، لافتا إلى "الحاجة إلى حوار بدلا من تعميق النزاعات، فإيران تنتهج استراتيجية طويلة المدى نحو المنطقة"، محذرا جلالته من طبول الحرب، وقال إن هناك خلافات كثيرة لا بد من مواجهتها بالحكمة.
وحول الملف النووي الإيراني، أكد جلالة الملك تأييد الأردن لأن تكون منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي، مشيرا جلالته إلى أن هناك تفاهما أميركيا أوروبيا حول هذا الملف مع إيران.
وفيما يتعلق بالأزمة السورية، أكد جلالة الملك أنه لا يوجد رابح في سوريا. مشيرا جلالته إلى نجاح الأردن والولايات المتحدة وروسيا في إنشاء مناطق خفض التصعيد في جنوب سوريا، وأن التحدي الآن هو المضي قدما في العملية السياسية ضمن مسار جنيف.
وبين جلالته أن الحل في سوريا ما زال بعيد المنال، حيث يوجد لاعبون دوليون وإقليميون بأجندات مختلفة.
وفي رد على سؤال حول النهج الحالي للسياسة الخارجية السعودية، أكد جلالته أن السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تلعب دورا فاعلا واستباقيا لم نكن نراه في السابق، وتضع خطوطاً حمراء أمام التدخل الإيراني وخطر الجماعات التي تساندها، والذي يهدد دول الخليج العربي.
وبالنسبة لليمن، أوضح جلالة الملك أن هناك تحديات تاريخية في اليمن، وقال جلالته "نحاول جهدنا أن نواجه التحديات الإنسانية فيه، حيث لا يمكن أن تتحمل ضمائرنا المصائب الإنسانية هناك"، لافتا جلالته إلى أن التحالف العربي يقدم الدعم، ودول الخليج العربي، تعمل على إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة وهو أمر أساسي.
وفي سؤال حول نظرة الغرب للإسلام، أكد جلالته "أن ما نواجهه هو عدم الإلمام بديننا الحنيف، وهو دين محبة وليس دين كراهية، وهو دين يؤمن بالإنجيل والتوراة والديانات السماوية الأخرى، دين ينادي بالسلام، وقال لدينا تحديات مع المتطرفين والخوارج الذين يستهدفون المسلمين كما يستهدفون غيرهم".
وبين جلالة الملك "أن أخطر ما في الأمر أن نجعل من المجتمعات الإسلامية في أوروبا وأميركا ضحايا، ونضعهم في عزلة توجههم نحو التطرف"، لافتا جلالته إلى أن الولايات المتحدة شريك استراتيجي في الحرب ضد الإرهاب لمعظم دول العالم، وهذه حرب طويلة المدى، وهي حرب عالمية ثالثة بوسائل مختلفة.
وفي رد على سؤال حول التطورات التي شهدتها المنطقة منذ الربيع العربي، أوضح جلالته "أن الربيع العربي شكل مفترق طرق بالنسبة لنا، إذ بدأ بحركات من قبل الشباب الذين طالبوا بالتغيير الذي يستحقونه، واختطفته الجماعات الإرهابية والمتطرفون لتحقيق أجنداتهم".
وأشار جلالته إلى أنه "لا بد لنا كدول عربية أن نتعلم من غيرنا، كما فعلت دول أوروبا، بل كذلك كما تفعل دول إفريقيا اليوم، حيث أنهم يعملون معا وينسقون فيما بينهم وحققوا تقدما كبيرا في إطار العمل الإفريقي المشترك"، مؤكدا جلالته ضرورة أن تعمل الدول العربية معا لتحقيق النمو والتكامل الاقتصادي فيما بينها.
وفيما يلي النص الكامل للحوار:
فريد زكريا: شكرا جزيلا جلالة الملك على هذا الحوار.
جلالة الملك: صباح الخير فريد، يسعدني أن أراك.
فريد زكريا: جلالة الملك، تحدثت منذ عدة سنوات خلت حول مخاطر الهلال الشيعي في الشرق الأوسط. يبدو أن هذه التوقع قد بات حقيقة. كيف ترى ما يجري في الشرق الأوسط، حيث باتت الديناميكية الرئيسية في الإقليم اليوم هي الحرب الباردة بين السعودية وإيران وتمتد من سوريا إلى العراق ولبنان وقطر، وفي كل مكان.
جلالة الملك عبدالله الثاني: أعتقد أنه، وبالإشارة إلى ما قُلتُه في السابق، فإن المصطلح الذي استخدمه حاليا هو: الهلال الإيراني. لأن التحدي الذي يواجهنا الآن هو أننا نرى الدين يوظّف كأداة من خلال السياسة. ونحن في المملكة الأردنية الهاشمية لا يمكننا أن نقبل صراعاً بين أتباع الدين الواحد، فخطوط المواجهة تمتد من بيروت إلى بومباي. لذا، فإن هناك قضايا تواجه منطقتنا بسبب السياسة الخارجية الإيرانية، والتي تؤثر على منطقتنا. وكأردنيين، نؤمن بأن الحوار هو السبيل إلى حل القضايا، والحيلولة دون تفاقم الوضع، الذي قد يؤدي إلى صراع مسلح. ولكننا نرى بوضوح الوضع في العراق، وهناك تحديات في سوريا ولبنان، واليمن هو مثال آخر على وجهة النظر العربية وأولوية التعامل مع إيران.
فريد زكريا: هل تعتقد بأن إيران الآن أكثر عدائية؟ هل تمرّ إيران الآن في مرحلة من التراجع بسبب صعوبات داخلية معيّنة؟ كيف يجب أن نقرأ الحكومة الإيرانية الحالية وسياساتها؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: لا أعتقد أن هناك تغييرا كبيرا في السياسات الإيرانية، لأنهم يفكرون بأسلوب إستراتيجي وبعيد المدى. لذا أعتقد أن السياسة الخارجية مستمرة في نهجها حالياً. وكما رأيتم فإن التحديات الداخلية، هي أمر آخر، ولها روايتان مختلفتان بحسب وجهات النظر. ومرة أخرى، أحذّر من دقّ طبول الحرب لأن ذلك لن يعود بالنفع على أيّ منا. وآمل أن نتمكن عبر الحوار من التوصل إلى تفاهم. ولكن هناك قضايا رئيسية، فعلى سبيل المثال فإن الأردن يتعامل مع مجموعات تدعمها إيران على الحدود مع سوريا، وهذا تحدي يواجهنا على مقربة من حدود بلدنا. كما نشعر بالقلق إزاء مستقبل لبنان، فقد عانى لبنان كثيرا على مدار العقود العديدة الماضية، ولا نريد أن تخلق تلك الديناميكيات مزيداً من المشاكل داخل لبنان، لذا آمل بأن تسود الحكمة.
فريد زكريا: قال الرئيس ترامب إن إجراء تجميد العقوبات على إيران الذي أتخذه مؤخرا سيكون الأخير، ما يعني بأن هناك احتمالا واضحا بأن الولايات المتحدة ستنسحب على نحو ما من الاتفاق النووي الإيراني. ويقول بأنه يريد من الأوروبيين أن يتخذوا موقفا متشددا. الأوروبيون صرحوا علانية بأنه لا توجد لديهم النية لفعل ذلك، وأنهم يعتقدون بأن الاتفاق جيد، وبأن إيران ملتزمة به. ماذا سيحدث لو انسحبت الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاق النووي الإيراني؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: أعتقد أنه بإمكانك أن تسأل الرئيس الأمريكي بهذا الخصوص. موقفنا هو أن الأردن منذ نشأته يدعم وبكل قوة اعتبار الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، وأن ينطبق هذا على الجميع. إن الأسلحة النووية، المحتمل إنتاجها في منطقتنا أمر مخيف حقاً. نحن نتفهم الموقف الأمريكي، والموقف الأوروبي. وأنا أعرف بأن الأوروبيين والولايات المتحدة ما زالوا يبحثون هذه القضية، وآمل أن يتوصلوا إلى تفاهم مشترك.
فريد زكريا: اتخذ الرئيس ترامب إجراء آخر يؤثر عليكم، حيث أعلن أن الولايات المتحدة ستنقل سفارتها إلى القدس. إلى أي مدى يؤدي ذلك إلى تعقيد الأمور بالنسبة لكم؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: إنها مسألة تشكل تعقيدا بالنسبة للأردن. وكان لدينا حوارات جيدة مع الرئيس (الأمريكي) والإدارة (الأمريكية) على مدار السنة الماضية. وموقفنا آنذاك تمثل في أننا نعرف بأن هذا الأمر مهم بالنسبة للرئيس فهو وعد أطلقه ضمن حملته الانتخابية. ولكن موضوع القدس يجب أن يكون جزءاً من حل شامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لقد تم اتخاذ القرار كما تعلمون جميعاً. وكان له ردّ فعل عنيف لأنه أحبط الفلسطينيين الذين يشعرون بأنه لم يعد هناك وسيط نزيه. وأنا أود أن أتمهل في إصدار الأحكام، لأننا ما زلنا ننتظر من الأمريكيين أن يعلنوا عن خطتهم. ولكن أقدر وأتعاطف بشكل كبير مع ما يشعر به الفلسطينيون.
إن القدس تُعتبر موضوعاً عاطفياً للجميع، وأعتقد أن علينا أن ننظر إلى المستقبل بالنسبة لما نريده للقدس: فهل ينتهي المطاف بالقدس كمدينة تفرقنا، وهو الأمر الذي أعتقد أنه سيكون كارثياً للإنسانية جمعاء، أم هل تبقى القدس مدينة الأمل التي توحّدنا؟ فهي مدينة خالدة بالنسبة للمسلمين والمسيحيين وكذلك اليهود.
وإذا كنتم تذكرون رسالة قداسة البابا فرانسيس في عيد الميلاد المجيد، حيث أعرب عن أمله بأن يتم التعامل مع القدس كجزء من تسوية تقوم على المفاوضات والوضع القائم، فالمدينة بذات الأهمية للمسلمين كما هي للمسيحيين، وكل قادة الكنائس في القدس طلبوا من الأردن أن يتوجه إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي باسمهم.
لذا فالموضوع لا يرتبط فقط بالمسلمين واليهود، وإنما هذه المدينة إما أن تخلق لنا مشاكل كبيرة في المستقبل، أو أن تكون مظلة تمنحنا الأمل لنسير قُدُماً.
لقد قلت في السابق إن مصطلح "استراتيجي" يوناني الأصل، ولن تجد له جذور في المعاجم العربية أو العبرية. وأعتقد أن هذا يعبر عن إحدى المشاكل التي نواجهها. لذا وفي ضوء اتخاذ هذه القرارات، ما هو تصورنا للقدس في المستقبل؟ فقد تكون مدينة عظيمة توحّدنا، أو تخلق عداء وعنفاً لم يسبق أن رأيناهما من قبل.
فريد زكريا: لقد كان هناك بعض الأمل بين الفلسطينيين والعرب أنه بالرغم من أن الرئيس ترمب أعلن عن هذه الخطوة، إلا أن السفارة لن تنتقل فعلياً. يقول نائب الرئيس بنس الآن بأن السفارة ستنتقل في العام القادم. هل تشجّعون على تأخير اتخاذ تلك الخطوة؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: مرة أخرى، يعود الأمر إلى الكيفية التي ننظر بها إلى هذه المسألة. فإحدى حوافز السلام تمثلت بالاعتراف بالقدس ]عاصمة[ للإسرائيليين، فما هو إذا الحافز للفلسطينيين؟
إننا جميعاً، ولا أقصد هنا في الشرق الأوسط فحسب، وإنما أصدقاءنا في أوروبا والغرب أيضاً، ننتظر تقديم مقترح السلام. المشكلة الحالية الآن، هي أن الفلسطينيين وبسبب الشعور الكبير بالإحباط لا يشعرون بأن الولايات المتحدة وسيط نزيه. إلا أنهم في ذات الوقت يتواصلون مع الأوروبيين، وأرى بذلك إشارة إلى أنهم يريدون السلام. فكيف نبني الثقة بين القيادة الفلسطينية والقيادة الأمريكية لكي يجلس الأمريكيون والإسرائيليون والفلسطينيون على طاولة المفاوضات؟ ومرة أخرى، جميعنا نعرف، وأعتقد أن الأوروبيين ينظرون إلى هذا الأمر بإيجابية كبيرة، بأنه لا يمكن أن يكون لدينا عملية سلام أو حل دون دور للولايات المتحدة. فكيف إذاً سنجمع جميع الأطراف معاً خلال الشهر القادم أو الشهرين القادمين، وما هي الخطة؟ ]خطة السلام[ لا أحد منا لديه فكرة عمّا هي الخطة. البعض يقول إنها خطة قاسية، الأمر الذي يجب أن نشعر بالقلق إزاءه، ولكن هل هي خطة جيدة؟ وإذا انسحب الفلسطينيون لأنها ليست جيدة، إلى أين نذهب من هناك؟ وأعتقد أن هذه هي المشكلة.
فريد زكريا: إلى أين نذهب؟ لأن هناك العديد من الفلسطينيين يقولون الآن إن حكومة بنيامين نتنياهو والكثير من السياسات التي تنتهجها تُظهِر بشكل أساسي بأن حلّ الدولتين قد مات. وأنه ربما ينبغي أن يبدأوا في السعي نحو حلّ الدولة الواحدة وببساطة يطالبون بحقوق سياسية ضمن دولة إسرائيل.
جلالة الملك عبدالله الثاني: أعود إلى التحديات الاستراتيجية، وهي سؤال بحثناه مع الإسرائيليين لمدة طويلة، إذ سألناهم: أين ترون مستقبلكم؟ فإذا كان يتمثل بحل الدولة الواحدة، فهل سيكون حل دولة واحدة بحقوق متساوية؟
إذا ما نظرنا إلى الحقائق الديموغرافية للعرب الإسرائيليين وإلى الفلسطينيين تحت الاحتلال، فإننا بالتالي سنكون في صدد مناقشة نظام فصل عنصري. هل نستطيع أن نتعامل مع نظام الفصل العنصري هذا ونجعله منصفاً للجميع؟ ولا يقتصر فقط الأمر على العرب الإسرائيليين والفلسطينيين تحت الاحتلال، فمواطنو الدرجة الثانية هم أيضاً المسلمون والمسيحيون، الإسرائيليون منهم أو الموجودون في الضفة الغربية. لذا، برأيي، فإن الحقائق الديموغرافية والتغيرات السكانية تشكل تحديا أكبر بالنسبة للإسرائيليين من تحديات حل الدولتين.
فريد زكريا: هل تعتقد أن رئيس الوزراء نتنياهو ما زال يؤمن بحل الدولتين، أو أنه سبق وأن آمن بحل على الإطلاق؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: في ضوء ما نراه اليوم، يجب أن نتمهل في إصدار الأحكام – رغم أنه لديّ بعض الشكوك – إلى حين أن يطلعنا الأمريكيون على الجانب الآخر من الخطة ]خطة السلام[.
أتصور بأن التحدي الذي يواجهه الأمريكيون مع الإسرائيليين هو أنه وحتى تكون الأمور منطقية، ينبغي تقديم مبادرة جيدة للفلسطينيين. وأعتقد أنه عند تلك اللحظة علينا أن نرى ما إذا كان الإسرائيليون سيقبلون بذلك. ولكن يراودني شعور بأن حل الدولتين وفق رؤيتنا مختلف عن حل الدولتين بنظرهم.
فريد زكريا: أنتم تبنون كثيراً من الأمل على هذه الخطة الأمريكية، هل لديكم أي آفاق واقعية بأنها ستكون طموحة وشاملة؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: إننا منخرطون في هذا الموضوع منذ وقت طويل، ودائماً ننظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، وأعتقد أنه علينا أن نعطي الأمريكيين فرصة، وأن نعمل جميعاً معاً للتأكد من أننا نساعد الأمريكيين والإسرائيليين والفلسطينيين في أن يجلسوا سوية. ولكن في المستقبل القريب، إذا تبين أنها ليست خطة جيدة، فإن النقاشات بيننا هي حول الخطة البديلة؟. ولا أعتقد أنه يوجد لدينا خطة بديلة في هذه المرحلة، أم أنها حل الدولة الواحدة؟ وكيف ننفذ ذلك بطريقة إيجابية بحيث يتم إدماج إسرائيل وتصبح جزءا من مستقبل المنطقة؟.
فريد زكريا: هل يمكنكم تخيّل حل دولة واحدة يتمتع فيها الفلسطينيون بحقوق متساوية؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: أستبعد ذلك. إذ سيكون هناك العديد من التعقيدات بالنسبة لهوية إسرائيل وإلى ما تسعى له قيادتها. وبنظري، فإنني لا أستطيع أن أتصور حل دولة واحدة يمكن أن يكون مقبولاً.
فريد زكريا: هل انتصرت روسيا في سوريا؟ روسيا وإيران؟ تبدو حكومة الأسد ثابتة في مكانها، ولكنها لا تسيطر على نصف البلاد، فما هو مستقبل سوريا إذاً؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: أعتقد أنك قد أجبت على ذلك للتو. فلا أعتقد أن هناك رابحا في سوريا. الروس لاعبون رئيسيون، ونحن الآن نتجه إلى جنيف بعد محادثات أستانا التي كانت منصة لوقف إطلاق النار، إن مسار جنيف يأتي نتيجة مباحثات أستانا ولكن ليس جزءا منها.
تمكنا في الجنوب، وأستطيع هنا الحديث باسم الأردن، نحن والروس والأمريكان من العمل معاً للتوصل إلى طريقة لإنشاء مناطق مستقرة في الجنوب (مناطق خفض التصعيد). وهذه إحدى النماذج الإيجابية التي يمكن أن نشير إليها فيما يخص سوريا. فمنذ ربيع العام الماضي وحتى هذا اليوم، يعمل الجيشان الأمريكي والروسي تحت مظلتنا على إدارة مركز يعمل على مدار الساعة لتفادي النزاعات واستدامة الاستقرار في الجنوب.
والخطوة التالية، هي كيفية تطبيق هذا النموذج في الوسط والشمال. وقد أصبح الوضع في الشمال أكثر تعقيدا بسبب التحديات التي ظهرت مؤخراً والمتعلقة بتركيا. علينا أن ندرك أهمية الوصول إلى جنيف في نهاية المطاف من أجل الجانب السياسي.
فريد زكريا: هل سيذهب الأسد إلى جنيف والتي تمثل الحل السياسي الذي يشتمل عقد انتخابات وأموراً من هذا القبيل؟ فكلما حقق الأسد تقدماً في الجانب العسكري، يصبح أقل ميولاً للذهاب إلى جنيف للتفاوض حول انتقال سياسي بعيداً عن نظامه.
جلالة الملك عبدالله الثاني: كما أشرت، فإن الحل للأزمة في سوريا لن يكون قريبا. وبوجود العديد من اللاعبين الدوليين في سوريا بأجنداتهم الخاصة، أعتقد أن (الرئيس السوري) بحاجة إلى الذهاب إلى جنيف، وهي ليست محطة شاملة تتناول جميع القضايا. فهناك اجتماع قريب في سوتشي، يعقد لمرة واحدة ويمكنّنا من أن نصل، كما نأمل، بشكل أفضل إلى جنيف. وستكون جنيف عملية مستمرة، لأننا نتعامل مع الانتخابات والدستور، وبالتالي، فما هي الخطوة التالية بعد ذلك إذاً؟ إنها إعادة إحياء جنيف، وعلى جميع الأطراف، الأطراف العقلانيين، أن يدركوا أن الوضع في سوريا لن يتحسن، فهو معقد ويمثل تحديا، ونحن جميعاً ندفع الثمن. وأعتقد أنه من المنظور الروسي، فإنهم يجب أن يجدوا حلاً، وجنيف هي أفضل مسار.
فريد زكريا: ما هي الاستراتيجية وراء ما يبدو بأنه سياسة خارجية جديدة للسعودية تعتمد المواجهة؟ فهي تتحدّى إيران في لبنان وفي سوريا وفي العراق وفي قطر وطبعاً في اليمن. وفي جميع هذه الأماكن يبدو أنها اتّخذت أكثر المواقف هجومية، وفي جميع هذه الحالات، حتى الآن، لا يبدو أنها لاقت الكثير من النجاح. لماذا يحدث ذلك وهل تتوقع استمرار ذلك؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: أعتقد أن السعودية بقيادة (خادم الحرمين الشريفين) الملك سلمان بن عبدالعزيز تلعب دورا فاعلا واستباقيا لم نراه منذ مدة.
وكما قلت آنفاً، فإننا نلمس فعلاً تدخّلا للسياسات الإيرانية في العديد من الدول العربية. ويظهر مجدداً خطر استغلال جماعات وقضايا على أسس دينية في منطقتنا. وأعتقد أنني ذكرت ذلك مسبقاً.
لذا أعتقد أنه ليس السعودية فحسب وإنما بعض دول الخليج الأخرى لديهم مخاوفهم بعد أن رأوا ما حدث، كما أشرت، في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وفي أجزاء أخرى من العالم.
لذا يوجد توتر مع إيران بسبب السياسة التي يتم ممارستها في منطقتنا، وهو الأمر الذي نود من الإيرانيين أن يتوقفوا عنه. وأعتقد أن السياسة السعودية تضع خطوطا حمراء أمام هذا التدخل (لإيران).
وعلى صعيد متصل التقى الملك عبدالله الثاني، بحضور سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، في دافوس الخميس، مع الرئيس البولندي أندريه دودا، حيث تم بحث سبل تعزيز التعاون بين الأردن وبولندا في عدد من المجالات، لا سيما الاقتصادية والعسكرية منها.
كما جرى بحث التطورات المرتبطة بالقضية الفلسطينية والقدس، حيث أكد جلالته ضرورة كسر الجمود في العملية السلمية، والتوصل إلى سلام عادل وشامل، وبما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وتطرق اللقاء إلى المستجدات الإقليمية والدولية، وما تشهده منطقة الشرق الأوسط من أزمات، إضافة إلى جهود محاربة الإرهاب، ضمن استراتيجية شمولية.
وحضر اللقاء وزير الخارجية وشؤون المغتربين، ومدير مكتب جلالة الملك.
كما التقى جلالته على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي، مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
وفي لقاء جلالة الملك، الذي حضره سمو ولي العهد، مع وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، جرى استعراض سبل دعم الأردن اقتصاديا.
وتناول اللقاء أيضا برامج الإصلاح الاقتصادي التي ينفذها الأردن، بهدف تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز قدرته على مواجهة التحديات الناجمة عن الأزمات الإقليمية.
وحضر اللقاءين وزير الخارجية وشؤون المغتربين، ومدير مكتب جلالة الملك، ووزير التخطيط والتعاون الدولي.