البنية التحتية في السياسة والخدمات
جهينة نيوز -لا يمكن المقارنة بين البناء السياسي الاردني والبناء الخَدمي في بنيته التحتية؛ ما يرفع درجة الاستنفار النفسي عند المواطن الاردني، فالاداء السياسي للدولة الاردنية حقق المطلوب منه، فوزن الدولة الاردنية السياسي متقدم على المستوى العالمي قياسا بالحجم الجغرافي والتعداد السكاني والموارد الطبيعية، والاعتذار والندم الذي ابدته دولة الاحتلال الصهيوني حيال اغتيال القاضي الشهيد رائد زعيتر وضحايا حادثة السفارة يقول ذلك بالفم الملآن، فهذا الاعتذار اعلى في الرتبة الدبلوماسية من الاعتذار الذي سبق وان قدمه رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو الى دولة بحجم تركيا، حين اكتفى نتنياهو باعتذار من خلال اتصال هاتفي مع اردوغان ابان ازمة الاعتداء على السفينة مرمرة ، والسياق السياسي والدبلوماسي الاردني في الازمات متلاصق مع النبض الشعبي وله اثر دولي حتى ولو كان بأثر رجعي كما حدث في الحالة العراقية بعد حرب الكويت، او بالاستجابة اللحظية كما في ازمة نقل السفارة الامريكية الى القدس، حيث كان الموقف الاوروبي متأثرا بالموقف الاردني وكذلك الحال مع دول كثيرة .
الدولة الاردنية عميقة بما يكفي لاثبات وزنها وحضورها على المستويات السياسية والدبلوماسية، وهي حاضرة في المحافل الدولية بفضل الادارة الحصيفة للملك عبدالله الثاني، الذي يتقن فنون التعامل مع المجتمع الدولي ونجح في بناء صدقية لخطاب الاعتدال الاردني كنموذج في المنطقة المتنافرة والمتحاربة، وثمة فارق بين الاعتدال والتفريط، فالاعتدال ليس نقيصة لكنه منطقة وسطى بين رذيلتين، التطرف والتفريط، ويتطلب الوقوف في هذه المنطقة مهارة وحصافة، ولا يجوز التقليل من حجم الدولة العالمي ووزنها السياسي، الذي تثبت الايام بانها حاضرة باحترام وتقدير وتنجح في عدم التفريط بالحقوق حتى وان تأخر تحصيلها، فالادارة الامريكية ادركت ذلك ولو متأخرا واستبقت زيارة نائب الرئيس الى المنطقة بالضغط على دولة الاحتلال للاعتذار والتعويض وتحقيق العدالة القانونية، وهذا يقودنا الى مراجعة زيارة الملك الاخيرة التي لم يعلن عن وجهتها رسميا لكنها كانت في الولايات المتحدة وهذه اولى ثمارها .
مقابل هذا النجاح الدبلوماسي والسياسي الذي وفرّ له الملك البنية التحتية اللازمة الذي يراها اي وفد اردني في الخارج واي وزير خارجية، ثمة اختلال واضح في البنية الخدمية المحلية على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فمنخفض مطري كفيل بكشف عوار الشوارع ومؤسسات الخدمات الكبرى والصغرى، ومشاجرة عائلية تكشف زيف البنية التحتية الاجتماعية ومباراة كرة قدم تكشف اختلال الوحدة الوطنية، وحالة حزبية مخالفة او معارضة تكشف البناء السياسي الهش، وكأن قدرنا ان نعيش ازمات خارجية لنحافظ على تماسكنا، فالمجتمع الاردني يعيش حالة تناقض عجيب في الرخاء او في حال انعدام الخطر الخارجي او تراجعه، ومن شاهد بيوت عزاء رائد زعيتر ومعاذ الكساسبة وراشد الزيود سيصاب بصدمة عصبية اذا شاهد بعدهما مباراة كرة قدم او تداعيات مشاجرة عشائرية، ومن شاهد موقف جماهير المدرجات اثناء ازمة الاقصى والقدس سيراجع فورا طبيبا نفسيا اذا اعاد شريط مباراة سابقة .
حتى المواطن الاردني نفسه يتحول او يختلف او يسترجع كل السلوك المدني والحضاري اذا ما غادر اراضي الدولة الاردنية، فيصبح منضبطا ومثالا وقدوة، سرعان ما تتغير حال وصوله قاعة الاستقبال في مطارنا الوطني، وكأن الفيروس موجود في الهواء او على المقاعد التي نجلس عليها، وكل هذا يعني ان هناك فجوة كبيرة واختلالا ضخما في منظومتنا التشريعية والمسلكية والاكبر في مشهدية السلوك الرسمي الذي غابت عنه المساءلة والمحاسبة فمارس المواطن العادي طقوسه وفقا لغياب المحاسبة والمساءلة، فمارس اعلى طقوس المخالفة، وباتت السلبية سلوكا عاما، فهو يحجم عن المشاركة وينتقد دون فعل ويهاجم دون سبب، فالشخوص الذين اعتبروا اعتذار نتنياهو لتركيا نصرا مؤزرا، يهاجمون الاعتذار الاقوى للاردن، والمواطن الاردني الذي يعيش في الخارج يتغنى بقيادة وسلوك تلك الدولة ، رغم ان مواطنها لا يتمتع بربع ما يتمتع به الاردني، وهذا كله يعني اننا بحاجة الى مراجعة شاملة لثقافتنا الوطنية التشريعية والتربوية والاهم اعلاء ثقافة المحاسبة وتحمل المسؤولية وتحميلها حتى نسترد التوازن الوطني .
لدينا دولة قوية وعميقة ولدينا كل اسباب النجاح والتقدم ولا يوجد لدينا ازمة اقتصادية او سياسية بل لدينا ازمة في ادارة الموارد السياسية والاقتصادية وهذا بيت القصيد .