حلمى الشخصى الذى ترجمه الرئيس الصينى "شى جين بينغ" إلى واشنطن
جهينة نيوز -بقلم: د.نادية حلمى
أستاذ مساعد العلوم السياسية بكلية السياسة والإقتصاد/ جامعة بنى سويف- خبيرة فى الشئون السياسية الصينية- محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط/ جامعة لوند بالسويد- مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا
تابعت الباحثة المصرية بشغف - شأنها شأن الملايين حول العالم - اللقاء المشترك بين الرئيسين الصينى "شى جين بينغ" ونظيره الصينى "بوتين" فى منتدى "سان بطرسبرج" الإقتصادى فى روسيا. وكانت الحكمة السياسية الراسخة دوماً فى ذهن الباحثة - طوال متابعتها للقاء الزعيمين شى وبوتين - هو ما يعرف بـــ "منطق السياسة"، رغم إعتقاد الكثيرين أنه لا منطق فى السياسة ولا سياسة فى المنطق، بما يقتضى تدعيم العلاقات والتحالفات، خاصةً عندما تحتدم الخصومات.
تمت دعوة الباحثة فى نفس يوم اللقاء المشترك بين "بوتين" و "شى" والذى تصادف أول أيام عيد الفطر المبارك على قناة الــ "بى بى سى البريطانية" للتعقيب على الزيارة، تلتها لقاءات أخرى ومداخلات على قنوات أخبارية مختلفة لتحليل لقاء الزعيمين الصينى والروسى... وإعتبرت الباحثة أن الإستمتاع" بلقاء الزعيمين "شى" و "بوتين" من خلال التحليل والتعليق والكتابة لا يقل لديها متعة عن متعة الإستمتاع بليال وأيام العيد، لأننى أستمتع بالعالم وهو يتغير الآن من حولى، خاصةً أننى - وكما ذكرت فى مقال آخر سابق لى - قد أصبحت "هدفاً حقيقياً" لمراكز الفكر Think Tanks الأمريكية والغربية لعمل مقابلات دقيقة معى بإعتبارى الأكاديمية "الأقرب" للجانب الصينى (الرسمى) وفق تصورهم، بل وأصبحت هدفاً آخر للدبلوماسيين الأجانب فى القاهرة، ممن يركزون معى حول تحليلات مختلفة من نوع: إشرحى لنا كيف تتغير المنطقة؟، ما الدور الصينى الجديد الذى باتت تلعبه الآن؟، كيف سترد بكين على واشنطن؟.... إلخ.
وأنا شخصياً - وعلى المستوى التحليلى الدقيق - قد ألقيت للجميع بمفاجأة لم يتوقعونها بأن "إيران" الآن كفاعل إقليمى باتت أهم من "إسرائيل" و "تركيا" لدى الصين، حيث أن (الدور الإيرانى) هو ما تحتاجه "بكين" الآن لضرب مصالح "واشنطن" التى بدأت بشن تلك الحرب التجارية" غير العادلة لكل أطرافها، والتى تقع فى النهاية على عاتق "المستهلكين" لتعويض خسائر المستثمرين والموردين والمصدرين. ولعل ما عزز وجهة نظرى هى زيارة وزير الخارجية الإيرانى "محمد جواد ظريف" إلى بكين عند إشتعال أزمة تدخل "إيران" فى المنطقة. وأنا شخصياً - ركزت كل تحليلاتى فى الفترة الأخيرة - لمتابعة تحركات "الدور الإيرانى" الجديد على أرض الواقع والدور الصينى فى هذا الإطار، خاصةً مع "توجس" الصين فى الوقت الحالى من نوايا "الإسرائيليين" الذين يكنون بالولاء لطبيعة الحال إلى واشنطن.
حيث باتت "إيران" الآن هى "الورقة الرابحة" لدى (بكين) لممارسة "دور تفاوضى" مع واشنطن، ومما يعزز من "فرضية ووجهة نظر الباحثة المصرية" هو ما إعتبره مستشار الأمن القومى الأمريكى "جون بولتون" صراحةً بأن "المشاكل الإقتصادية التى تواجهها إيران ناجمة عن دعمها الإرهاب، مشيراً إلى الفرصة التى منحها الرئيس "دونالد ترامب" لطهران رغم ذلك". فهذا وإن دل فإنه يدل على أن "واشنطن" على إستعداد للتغاضى عن دعم "طهران للإرهاب وفق هذا التصور الأمريكى" مقابل فرص إقتصادية وتنموية حقيقية للنظام الإيرانى إذا ما قبل التفاوض وفق شروط واشنطن، هذا رغم أن الولايات المتحدة قد أدرجت فى وقت سابق من العام الجارى "الحرس الثورى الإيرانى" على قائمتها للتنظيمات الإرهابية فى خطوة غير مسبوقة، وردت "طهران" على ذلك بإدراج القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط على لائحتها السوداء. وكانت تلك التغيرات تحديداً موضع نقاش وتحليل بين الرئيسيين "بوتين" و "شى" فى موسكو.
كانت تقريباً كل الأسئلة والتحليلات الصادرة لى من وسائل الإعلام المختلفة خلال لقائى"بوتين" و "شى" فى موسكو لا تخرج عن نطاق: ما تأثير التقارب الصينى - الروسى على الحد من نفوذ واشنطن؟، وربما نسى جميع المذيعين والمعلقين أن يسألوننى سؤال حقيقى كنت حتى - على الأقل - أنتظره من الجميع، مفاده: كيف يمكن أن تستفيد مصر من التقارب الصينى - الروسى ضد أو فى مواجهة واشنطن؟.... وهذا السؤال الأخير تحديداً، كتبت الباحثة مقالاً شبيهاً به - ورفضت عدة صحف قومية نشره - بمنطق ضرورة "توازن" علاقات مصر مع الجميع بدون أخذ موقف أو صف قوى ضد أخرى بمنطق "التوازن" و "التعددية" و "الإنفتاح" المصرى على الجميع، رغم أن هذا المقال يدخل فى باب الآراء الشخصية للكاتبة، وكان المقال الذى رفض نشره بعنوان: كيف يمكن أن تستفيد الرئيس "السيسى" من عدم مشاركة واشنطن فى قمة مبادرة الحزام والطريق فى بكين؟
فمنذ أن أعلن "ترامب" سياسته المعلنة "أمريكا أولاً" ودأبه على إستعداء الأصدقاء وإستفزاز الحلفاء، وهو الأمر الذى دفع بالجميع لا محالة أكثر نحو خصوم المستعدى والمستفز. وفيما يتعلق بالجانب الصينى، فلاحظت الباحثة المصرية أن "ترامب" لا يضمر ضغينة لبلد أكثر مما يضمره للصين، ومع تتبع الباحثة لجميع التصريحات الإعلامية لترامب وعمل تحليل مضمون سياسى ونفسى لخطاباته السياسية - وهذا النوع من التحليلات يقع فى صميم عمل وتخصص الباحثة كأستاذة جامعية فى العلوم السياسية -للتعرف على (ما وراء النص) فى "خطابات ترامب السياسية تجاه الصين"، فقد يكون مستحيلاً العثور على تصريح إعلامى لترامب بشكل علنى وليس مستتر أو خفى مضمر، حتى قبل أن يترشح للرئاسة، دون أن ينتقد فيه الصين بشكل لاذع، وأن ينتقد الساسة الأمريكيين، بسبب ما إعتبره عدم قدرتهم على التعامل مع الإقتصاد الصينى المتمدد فى الداخل الأمريكى.
إلا أن التغير الحقيقى الذى حدث فى "موسكو"، والذى لم تتوقعه الباحثة فى حينه - والتى تتفهم نوايا الصينيين جيداً - هو ما قاله وأعلنه الرئيس الصينى "شى جين بينغ" يوم 7 يونيو 2019 صراحةً بأن: "ترامب صديقى وغير معنى بقطع العلاقات بين بلدينا". حيث قال الرئيس الصينى "شى" خلال الجلسة العامة لمنتدى "سان بطرسبورغ الإقتصادى الدولى" بشكل دقيق بأنه: "على الرغم من وجود بعض الجدل التجارى بيننا وبين الولايات المتحدة، إلا أن الصين والولايات المتحدة مترابطتان الآن بشكل وثيق. بيننا تجارة كبرى... من الصعب تخيل الفصل التام بين الولايات المتحدة والصين. نحن لسنا مهتمين بهذا، الشركاء الأمريكيون غير مهتمين بهذا". وأضاف "شى" بأن: "الرئيس ترامب صديق لى، وأنا متأكد من أنه غير معنى بذلك (قطع العلاقات بين البلدين).
ومن هنا، تأتى بداية المقالة الحقيقية لدى الباحثة المصرية، وهو نفسه تدشين لـــ "حلم قديم" قد راودنى منذ طفولتى المبكرة وكتبت بشأنه "رسمياً إلى كلاً من "واشنطن" و "بكين" بإعتبارى وجه مألوف ومعروف لدى الطرفين، بشأن: كان عندى "حلم" منذ أن كنت طفلة ألا وهو أن أكون "جسر يربط بين الشرق والغرب".
Bridge between the East and the West
تنبأت بالفعل منذ فترة - رغم إنعدام مؤشرات ذلك وقتها - بأن هناك تقارباً ما سيحدث بين بكين وواشنطن، خاصةً فى منطقة الشرق الأوسط بشأن ملفات عديدة، يعتبرها كل طرف منهما "مناطق نفوذ" له، مثل: سوريا، اليمن، طهران، ليبيا... إلخ. وكتبت رسالة "نصية" لأطراف "رسمية" بأننى أرغب أن أكون "منسقة" العلاقات بين واشنطن وبكين فى منطقة الشرق الأوسط"، وبغض النظر عن "طبيعة الرد (الرسمى) الذى تلقيته فى حينها"، إلا أننى - وبطبيعتى المعهودة - لن أيأس وسأظل أحارب من أجل تحقيق "حلم الطفولة القديم" - الذى قد يعتبره البعض منكم محل سخرية - وأنا أعتبره تدشيناً لكل أحلام الطفولة التى تجسدت فجأة أمام عيناى اليوم بعد كلام سيادة الرئيس الصينى "شى جين بينغ" عن رغبته فى التقارب مع واشنطن رغم الخلاف وإستئناف الحوار والتفاوض، وهو نفسه السبب الذى دفعنى أن أكتب رسالة الدكتوراه فى العلوم السياسية الخاصة بى عن الصين، وإبتسامتى المعهودة فى وجه أصدقائى الدبلوماسيين والأكاديميين الصينيين بل ولاحقاً أمام مسئولين ودبلوماسيين أمريكان، بأن لدى حلم لم ولن أتنازل عنه، ألا وهو أن أكون "جسراً" يربط بين الشرق والغرب.
فهل ستستمع واشنطن وبكين إلى نفس حلمى القديم.... حلم الطفولة.... الذى لم ولن يتغير على الرغم من مرور السنين والأحوال وتغيرها، خاصةً مع وجود بعض المؤشرات والدلائل على أننى - قد - أصلح لهذا الدور بشكل أو بآخر.... وهذا هو ما أنتظر من الأيام والسنين تحقيقه، لأننى بالفعل قد عملت وهيأت نفسى منذ سنوات طويلة للعب هذا (الدور) المهم بين واشنطن وبكين، والأمر لم يعد "حلماً طفولياً" بقدر ما أضحى "حلماً حقيقياً" قد تخدمنى الظروف وتغير الأحوال - خاصةً بعد كلام الرئيس "شى" بشأن التقارب مع واشنطن - فى سبيل تحقيقه فى المستقبل القريب. والسلام