الاعلام بين التربية والتنمية
جهينة نيوز -الاعلام بين التربية والتنمية
بقلم: زيد ابوزيد
يقال للصحافة "صاحبة الجلالة"لأهميتها في رسم مسار الأحداث الإقتصادية والإجتماعية، بل وفي تحديد وجهتهاالمطلوبة أوقلب إتجاهها.
إن السلطة الرابعة هي نبض العالم الجديد الذي يقرر عناوين واولويات الحكومات والمؤسسات، بل وحتى الافراد في زمن تسيده الاعلام بمختلف أشكاله ووسائله وانتقلت به التكنولوجيا الى فضاء أكثر اتساعًا وخطورة.
ويتصدر الإعلام المشهد في برامج عمل معظم المؤسسات ، لانه يدرس مجموعة الأنشطة والفعاليات التي يزاولها القائمون بعملية الاتصال داخل المؤسسة من أجل تحقيق أهداف محددة تهمهم على المستوى الذاتي، وينصب جوهر الاتصال في إحداث التأثير وتغيير الآراء والقناعات لدى الجمهور المستقبل باتجاه محدد، وهو ما يريده القائمون على العملية الاتصال.
وتعد حملات الاعلام لطرح البرامج والأفكار والمشاريعداخل المؤسسات جوهر ولب عملية الاتصال، ويعتبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي المتعدده فيها من أهم العوامل الأساسية في نجاح العملية الاتصالية في عصر ما بعد الثورة الثالثة.
إن النجاح والفوز في تسويق الحملات بمختلف عناوينها وموضوعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق الهدف يتوقف على دقة اختيار الرسالة الإعلامية وصياغتها؛ لتكون متوافقة مع المعايير والقيم السائدة، وأسلوب عرضها على الجمهور في الوقت المناسب، وطريقة إدارتها بطريقة ذكية ، كما تجمع الدراسات على أن تسويق أي مشروع ناجح أو فكرة أو مشروع تطويري، أو تغييريتوقف على خبراء الاعلام من جهة، وعلى الانتشار الواسع لوسائل الإعلام من جهة أخرى.
لقد شهدت الساحة الإعلامية تطورًا علميًّا وتكنولوجيًّا كبيرًا في شتى وسائل الاتصال، ممَّا جعل من عالم اليوم قرية كونيةالكترونية مفتوحة بعد انتشار تكنولوجيا الأقمار الصناعية وشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، ولقد ساعد وجود هذه الوسائل الحديثة على تخطي حواجز الزمان والمكان وبث ثقافات مختلفة عبر الفضائيات وشبكة الانترنت بكل ماتحمله من أفكار وقيم وصور وسهولة استقبالها من جميع الشعوب في العالم تعبيرًا عن انتقال الدول الى عصر الثورة الرابعة.
لقد أصبح المواطن العربي في ظل هذا الواقع الإعلامي الجديد محاصرًا بكم هائل من الرسائل الإعلامية التي تتفق في بعضها مع قيمه وأخلاقياته وثقافته، ولكنها في الجانب الأكبر منها تقدم مضامين ومعلومات وصورًا مشوهة من جانب بعض الدول أو الهيئات أو الأفراد عن الشعوب والدول الأخرى، مما يجعل الفضائيات والإنترنت وسائل اتصال خطيرة في تزييف الواقع الخاص بشعب من الشعوب في العالم، والمتابع لهذه الرسائل يلحظ تشويهًا متعمدًا لكثير من الدول والشعوب والثقافات والأديان والتاريخ وغيرها، مما يؤدي إلى نقل معلومات مضللة أومشوهة للشعوب، وفضلًا عن ذلك ما تروجه هذه الوسائل من مضامين يمكن أن تسهم في تدمير منظومة القيم التربوية والأخلاقية عند الشباب والمراهقين والأطفال في الوطن العربي إن لم يتم تحصينهم وتمكينهم عبر المناهج والكتب الدراسية وتعريفهم بكيفية التعامل مع أدوات الثورة الرابعة ، وتعميق ثقافة القبول بالآخر، وقبول التنوع مع الحفاظ على الشخصية الوطنية.
وفي إطار هذا الواقع الثقافي الفضائي الجديد بإيجابياته وسلبياته، والذي أفرزته لنا تكنولوجيا الاتصال الحديثة، يكون من الضروري أن نفكر التربية الإعلامية، باعتبارها ثورة جديدة في مجال الإعلام، لتضع أسس التعامل مع الرسائل التي يتعرض لها الجمهور على مدى اليوم من خلال وسائل الإعلام المختلفة،مع دعم فكرة تدريس مبادئ التربية الإعلامية ومهارات الاتصال في المناهج المدرسية، وكذلك تدعيم دور الأسرة والمدرسة في نشر مفاهيم التربية الإعلامية لدى الطلبة.
إن الغرض الأساسي للتربية الإعلامية ليس فقط تكوين الوعي النقدي، ولكن تكوين الحكم الذاتي المستقل بشأن الرسائل المختلفة في وسائل الإعلام؛ بمعنى تعلم عملية تكوين الأحكام الذاتية التي تمكنه من مواجهة وسائل الإعلام طيلة حياته، كما أن التفكير النقدي في بعض المهارات يجعل الأفراد يناقشون القضايا العامة بوسائل الإعلام؛ حتى يقوموا بردود أفعال حاسمة تجاه هذه الوسائل.
لقد أحكم الإعلام سيطرته على العالم، موجهاً شاغلاً مشغلاً ومعلمًا، ويظهر كل يوم بوجه جديد، وفي كل فترة بأسلوب مبتكر، وفي كل مرحلة بتقنية مدهشة، متجاوزاً حدود الزمان والمكان، مما جعل التربية بوسائلها المحدودة، وتطورها التدريجي الحذر تفقد سيطرتها على أرضيتها، وأصبح الإعلام يملك النصيب الأكبر في التنشئة الاجتماعية، والتأثير والتوجيه، وتربية الصغار والكبار معاً.
وما لم يكـن الإنسان واعيـاً إعلاميـاً فإن التيـار الجارف سيكتسح كـل معصـوب العينين، أما أن تم تدارك ذلك فان الاعلام سيكون محركا للتنمية والتربية معًا.
إن مشروع الاعلام التنموي والتربوي هو تحقيق التحصين والتمكين بإعداد الشباب لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم، وحسن الانتقاء والتعامل معها، والمشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة، ونشــير بذلك إلى أن الإعلام يملــك سلــطة مؤثــرة على القيــم والمعتـقــدات والتـوجـهــات والممارسات، في مختلف الجوانب اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.
وعندما يكون لدينا تجربة أردنية نحو التغيير والإصلاح والتحديث والتطوير، تنمو بشكل تدريجي منظم، وهي تجربة في الواقع العملي تشكل رأس المال الحقيقي الذي نعرضه على الآخرين في العالم وفي المنطقة، وهذا العرض هو بصراحة وببساطة محور دورنا الإقليمي وموقعنا على خارطة العالم في المستقبل، فكيف يجب أن يعبر إعلامنا عن هذه القضية، وكيف يكون للتربية الاعلامية الدور البارز في إظهار ذلك، إن هذا بالضبط هو جوهرتحقيق التنمية عبر الاعلام ، إلى جانب رسم أدوار متعددة في غرس الوعي الفردي والجماعي، والتحلي باليقظة والتفكير النقدي، واستقاء المعلومات من المصادر الأمينة الموثوقة، والحذر من الأكاذيب والإشاعات، وعدم التعرض للمؤثرات السلبية ولو بقصد التسلية، فالوقاية خير من العلاج.