السودان في مفترق طرق
جهينة نيوز - مكرم الطراونةوزیر الدفاع السوداني الفریق أول عوض بن عوف الذي ترأس المجلس العسكري الانتقالي بعد الإطاحة بالرئیس السابق عمر البشیر، لم ینجح بطمأنة السودانیین في أن تكون الحكومة المقبلة بعد سنتین مدنیة، كما لم ینجح في نزع فتیل الاحتجاجات التي تواصلت رغم مغادرة البشیر سدة الحكم، فما كان من بن عوف إلا أن أعلن عن استقالتھ ھو أیضا. السودانیون الذین قضوا أشھرا طویلة من النضال الجماھیري، وواجھوا القمع الرسمي الشدید، طالبوا بتغییر سیاسي حقیقي وسریع، فھم لا یریدون الانتظار سنتین للتعرف على ما سیجود بھ المجلس العسكري الانتقالي، أو لمعرفة نوایاه الحقیقیة بالفعل، وإن كان ینوي فعلا تسلیم الحكم إلى حكومة مدنیة، أم سیظل قابضا علیھ! السودان یقف الیوم على مفترق طرق حقیقي، فبواسطة العقلاء ممن یمسكون بخیوط اللعبة فیھ یمكن لھ أن یمثل إنموذجا في التحول والتغییر، والرضوخ لمطالب الجماھیر التي اكتشفت قوتھا، وترید أن تبرھن أنھا صاحبة الولایة في التغییر، مدفوعة بأمثلة عدیدة من المنطقة. ولكن، أیضا، یمكن لھذا البلد العربي ذي المساحة الكبیرة أن یندرج ھو الآخر في أتون النزاعات والفوضى، لینضم إلى غیره من البلدان العربیة التي توقفت عجلة التنمیة فیھا وباتت لا تصدر سوى اللاجئین. بعد عقود طویلة من حكم العسكر، وبعد سلسلة من الانقلابات وتبدل الزعماء وطبقات الحكم، وبعد التأكد من فشل ھذه التجارب جمیعھا، یحق للمواطن السوداني أن یطالب بحكومات تمثلھ، وأن ّ ینتھي زمن العسكر وحكمھم الثیوقراطي المشوه. السودان الذي یمر بأزمة اقتصادیة عصیبة، لم یستطع الاستفادة من میزاتھ التنافسیة الاقتصادیة المتمثلة أساسا بالأراضي الشاسعة الخصبة، وتوافر الثروة المائیة التي تؤھلھ لأن یكون سلة غذائیة
كبیرة، ومصدرا رئیسیا للصناعات الغذائیة المختلفة التي یستطیع من خلالھا الاكتفاء ذاتیا، وأیضا التصدیر الخارجي الذي یمكن لھ جلب العملة الصعبة، ما سیحسن من وضع الجنیھ السوداني الذي تراجع الیوم لیكون سعر الدولار حوالي48 جنیھا. الاحتجاجات الشعبیة تشكلت في معظمھا من شباب جامعیین وباحثین عن عمل، خاضوا احتجاجاتھم تلك بعد أن شاھدوا مستقبلا غائما ینتظرھم، خصوصا حین نعلم أن نسبة البطالة في السودان تجاوزت حاجز 20 ،% بینما الأزمات الاقتصادیة تؤثر في قدرة الاقتصاد الوطني من القدرة على تولید فرص عمل كافیة لتخفیض نسب البطالة، في بلد قضى عقودا طویلة في الحروب والنزاعات التي أثرت في وضعھ الاقتصادي، خصوصا أنھ فقد جزءا كبیرا وغنیا بالثروات الطبیعیة بعد إقامة دولة جنوب السودان وانفصالھا عنھ. السودانیون یطالبون الیوم بحكومة مدنیة انتقالیة تستطیع وضع الخطوات الأولى لبناء دولة مدنیة، وأن تمھد لانتخابات حرة تمنح الفرص المتكافئة أمام الجمیع للمنافسة للوصول إلى تمثیل الشعب، من غیر أن تكون تلك الانتخابات محسومة سلفا للجھات التي تنظمھا وتشرف علیھا. السودانیون ما یزالون في الشوارع، مطالبین بما یرونھ حقا لھم، ولا نظن أنھم سیعودون إلى بیوتھم وأعمالھم قبل أن یتم تلبیة بعض ھذه المطالب. لكن ما لا نتمناه ھو أن نرى بلدا عربیا شقیقا آخر، یندرج في الفوضى والتفتیت.