لماذا اختفى مارك ولم يعلق بكلمة واحدة على حادثة نيوزيلندا؟
أكثر من أسبوع انقضى على شن أحمق رجل في العالم هجوماً أودى بحياة 50 شخصاً خلال صلاة الجمعة (15 مارس/آذار 2019)، بمدينةكرايستشيرش. لقد ارتكب هذه الجريمة في أثناء تثبيته كاميرا على جبهته، يبث من خلالها الجريمة مباشرة على موقع فيسبوك، أقوى وسيلة إعلامية من حيث التأثير بالعالم. وقد حُذف الفيديو بعد أن دقت الشرطة ناقوس الخطر؛ لكنه كان قد انتشر بالفعل على تويتر، حيث لم تتعرض روابط المقطع لأي اعتراض رغم الشكاوى المتكررة. وانتشر أيضاً على منصة يوتيوب التي تملكها جوجل، حيث يجري إشباع أشنع شهية للربح على وجه الأرض يومياً.
لكن كان فيسبوك هو المنصة التي بُث عليها الهجوم مباشرة في أثناء حدوثه. وعلى الرغم من أن الشركة المالكة لموقع التواصل الأول من نوعه حقاً في العالم قد تحتج بأنها عملت بجد لاجتثاث هذا العرض الغريب الذي يجسد أسوأ الكوابيس التكنولوجية، فإن مشاركة المقطع لا تزال مستمرة على المنصة حتى يومنا هذا.
بعد أكثر من أسبوع على الواقعة، فإن السؤال الموجَّه إلى الرجل ذي الـ64 مليار دولار (وهو قيمة ثروة زوكربيرغ) هو: ماذا لديك لتقوله تسوغ به موقفك يا مارك؟ يبدو أنك مشغول، وأنك أرسلت بدلاً عنك إحدى مرؤوسيك لتقديم التعازي، وإعلان «التزامكم مكافحة خطاب الكراهية، والتهديدات الإرهابية الإلكترونية». وبالنظر إلى ما حدث في نيوزيلندا، فإن ما قدمتَه لا يقترب من كونه جيداً بما فيه الكفاية.
لقد التزمت الصمت، كما فعلت عندما تجاهلت تساؤلات ممثلي 9 دول عن التأثير الخطير لـ «فيسبوك» على الديمقراطية. لم تقدم أي إجابات، لأن مقعدك شاغر. آمل يا مارك أن يجري استدعاؤك للاستجواب في التحقيق الوشيك بخصوص ما حدث في كرايستشيرش، وأن تقدم تقسيراً للدور الذي أداه فيسبوك باعتباره قناة دعائية وآلية لنشر الإرهاب في نيوزيلندا؛ فهل سيكون مقعدك خالياً هذه المرة أيضاً؟
في هذه الأثناء، يتخطى وادي السليكون العظيم الأخبار ببساطة. ويقولون ببساطة: ما بالكم، إننا نفعل كل ما بوسعنا لضبط الآلات لحجب المحتوى السيئ! الذكاء الاصطناعي على وشك التفعيل؛ حافظوا على إيمانكم بنا! شكراً لكم كل الشكر على لا شيء، لكن كلا. إلى أن تستطيعوا تجهيز نظام يستطيع إحباط البث المباشر لعملية قتل جماعي، أغلقوه. نعم، قد يتضمن أي حل توظيف كثير من البشر الحقيقيين للبت في المحتوى. وهو حل سيكون مرتفع التكلفة للغاية بالفعل؛ لكن الواقع يقول أيضاً إن فيسبوك جنى خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2018 -أي ربع واحد من العام- أرباحاً بقيمة 6.9 مليار دولار أمريكي.
قد يتطلب الحصول على انتباهك بالكامل ظهور تهديد حقيقي وآني لهذه المليارات. حسناً، هذا الخطر بدأ في التشكُّل، وما يطلقه هو الغضب الشديد. لقد أصدر زعماء كبرى شركات الاتصالات النيوزيلندية اليوم توبيخاً طالك وطال تويتر وجوجل. وتسحب الشركات في نيوزيلندا وما حولها إعلاناتها (من مواقعكم). وبدأ عدد كبير من المستخدمين إغلاق حساباتهم بدافع الاشمئزاز. العالم يراقب، وشيء ما يحدث.
بالنسبة لـ «فيسبوك» وجوجل وتويتر وبقية مواقع التواصل، يبدو الهراء «التخريبي» للضالعين بمجال التكنولوجيا عبر Ted-talk كل يوم أكثر كأنه تمويه ساخر للفوضى والجشع. لم يعد فيسبوك إحدى الشركات الناشئة الجريئة، فقد أصبح أقوى ناشر عرفه العالم، ويمارس الآن نفوذاً وسلطة غير مسبوقَين. وقد تتنكر بارتداء هودي وجينز؛ لكننا نعرف من أنت: إنك تملك قوة بقدر أحمق. إنك الرئيس والمدير التنفيذي لهذا العملاق. هذا سخيف!
أشادت مسؤولة العمليات لديك، شيريل ساندبرغ، مراراً برئيسة وزرائنا. تعتبر جاسيندا أرديرن مثالاً مثالياً للنساء، إنها «أعجوبة» بحق. وقالت ساندبرغ: «إنها لا تقود الدولة فحسب؛ بل تغير قواعد اللعبة». لقد حامت بعض الشكوك حول قدراتها في البداية، لكن استجابة جاسيندا للكارثة التي حلت على مجتمع المسلمين النيوزيلنديين في مدينة كرايستشيرش، وفي نيوزيلندا بشكل عام، لم تترك أي مجال للشك. ويأتي على رأس ذلك، تصريحات جاسيندا حول دور مواقع التواصل الاجتماعي، خلال خطابها في البرلمان الثلاثاء 26 مارس/آذار 2019، وهي الملاحظات التي غيرت قواعد اللعبة وهدّأت الأجواء بالتأكيد، حتى في مقر فيسبوك المسمى على نحو مراهق 1 Hacker Way (أي طريق القراصنة).
حيث قالت: «لا يوجد شك في أن الأفكار واللغة التي ترسّخ الانقسام والكراهية موجودة منذ عقود؛ لكن طريقة نشرها، وأدوات تنظيمها هي الجديدة».
وتابعت: «لا يمكننا الاسترخاء وتقبّل أن هذه المنصات موجودة بالفعل، وأن ما يقال لا تقع مسؤوليته على عاتق المنصة التي نُشر عليها؛ فهم ناشرون وليسوا ساعي بريد بريئاً. لا يمكن أن نتقبل وضع الحصول على كل الربح دون تحمّل أي مسؤولية».
هناك شيء ما يتغير بالتأكيد.
لقد اعترفت من قبل، مارك زوكربيرغ، مثلما حدث في خطابك العاطفي إلى ابنتك المولودة حديثاً، بأنك تتحمل «مسؤولية أخلاقية». والآن، لم نسمع منك أي شيء! أكثر من أسبوع وعقارب الساعة لا تتوقف، ونحن -في نيوزيلندا- ننتظر لنرى إذا ما كنت تمتلك أي حس ذي معنى بالمسؤولية الأخلاقية من عدمه.