عقوبات استمرت يوماً واحداً.. تفاصيل تغريدة ترامب التي أثارت الارتباك عدة ساعات قبل أن يبحث لها عن مخرج
في واقعة مثيرة أربك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم بتغريدة عن رفع العقوبات عن كوريا الشمالية بعد يوم واحد من فرض وزارة الخزانة الأمريكية التي لم تعلم بالتفاصيل إلا من خلال تويتر قبل أن يبحث ترامب عن مخرج لهذه الورطة.
وقالت صحيفةThe Washington Postالأمريكية إن ترامبأعلن، الأسبوع الماضي عبر تغريدةٍ غامضة، أنه سيلغي العقوبات الرئيسية المفروضة على كوريا الشمالية. وأدى هذا إلى حدوث حالة من الارتباك عدة ساعات؛ لأن وزارة الخزانة كانت قد أعلنت قبلها بوقتٍ قصير فرض عقوبات ضد شركتي شحن صينيتين واتهمتهما بتسهيل التبادل التجاري مع كوريا الشمالية.
خطوة غير مسبوقة
وبحسب الصحيفة الأمريكية، بدا أن إلغاء العقوبات بعد يومٍ واحد فقط من إعلانها خطوةً غير مسبوقة. وبعد عدة ساعات من الارتباك، أعلنت الإدارة الأمريكية أن ترامب لا يشير إلى هذا العقوبات، بل إنه ألغى عقوبات جديدة لم تعلن بعد وكانت لا تزال في مرحلة الإعداد.
أفادتوكالة Bloombergاليوم بأن هذا التفسير ربما يكون مغلوطاً. ويقول مراسلو الوكالة إن 5 مصادر لم تسمّها مطلعة على المسألة، أخبروهم بأنه لم يكن هناك عقوبات جديدة مُخطط لها ضد كوريا الشمالية وأن ترامب كان يشير بالفعل إلى العقوبات المفروضة على سفينتي الشحن الصينيتين اللتين كانتا تمارسان نشاطاً تجارياً مع كوريا الشمالية. لكن أشخاصاً أقنعوه بأن يغير رأيه في نهاية المطاف. وفقاً لوكالة Bloomberg، فإن التفسير المزعوم لم يكن سوى «قصة تمويهية» تهدف إلى التغطية على تذبذب عملية صنع السياسات داخل البيت الأبيض وتغيير رأي ترامب في نهاية المطاف.
في مقال نشرته صحيفة International Security، ناقش كيف استخدمت الولايات المتحدة عقوباتها لبناء نظام تحكم مالي دولي مكثف، بسط نفوذ الولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير في مناطق عديدة بالعالم. غير أن الخطوات الأخيرة لإدارة ترامب، بما فيها تجاوز الحدود في بعض المناطق (مثل التهديد بفرض عقوبات ضد حلفاء مقربين من الولايات المتحدة) واتخاذ قرارات لا يمكن التنبؤ بها في ملفات أخرى (مثل استعداد الإدارة لتحويل العقوبات إلى ورقة مساومة في الدبلوماسية التجارية)، تسهم في تقويض نفوذ الولايات المتحدة. وسيُعمق تقرير وكالة Bloomberg الانطباع العام عن فوضى صنع القرارات الجيوسياسية داخل البيت الأبيض.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، وسّعت الولايات المتحدة من استخدامها للعقوبات خلال الفترة الأخيرة. وكانت قادرة على ممارسة نوع جديد من السلطة، مستغلةً الدور الرئيسي الذي يلعبه الدولار وأنظمة الرسائل المالية مثل SWIFT في الهيكل المالي العالمي. وكانت الولايات المتحدة قادرة على الاعتماد على أجهزة إدارية معقدة، والمتركّزة في وحدة إدارة الأصول الأجنبية التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية، لإدارة سياسة فرض العقوبات على الكيانات الأجنبية.
غير أن هذه القوة لها حدود، إذ تكون هذه الأداة فعّالة عندما تحترم الدول الأخرى -خاصة حلفاء الولايات المتحدة- هذه العقوبات وتتعاون معها لتنفيذها. وتعتمد هذه الأداة أيضاً على مدى اهتمام النظام القضائي الأمريكي بقرارات الإدارة بشأن العقوبات. عندما تقول الإدارة إن العقوبات تخدم المصالح الأمنية للولايات المتحدة، فستهتم المحاكم الأمريكية غالباً بالنظر في هذه القرارات.
القرار سيربك الشركات الأوروبية
ووفق الصحيفة، فقد باتت هذه الحدود أكثر وضوحاً بينما تختبر إدارة ترامب تطبيقها. من ناحية، فإن الإدارة الحالية غير مستعدة للاستماع إلى حلفائها بشأن سياسة العقوبات التي تتبعها. وأجبرت الإدارة الأمريكية SWIFT -وهو تحالف مكون من مجموعة من الشركات المتمركزة في بلجيكا- على الالتزام بقرار الولايات المتحدة بشأن فرض عقوبات ضد إيران رغم المعارضة القوية التي أبدتها الدول الأوروبية. وتغيّر الإدارة الأمريكية أيضاً منهجها في التعامل مع عقوبات كوبا بطريقةٍ -إذا استمرت على وضعها الحالية- سيكون لها تداعيات هائلة على الشركات الأوروبية. وأدى هذا إلى تشكيل معارضة منظمةٍ إلى حد كبير من الحلفاء الأوروبيين، بالإضافة إلى المنافسين والأعداء التقليديين للولايات المتحدة مثل الصين وروسيا.
وتواجه إدارة ترامب أيضاً تحدياً متزايداً لقراراتها الخاصة بالعقوبات في المحاكم الأمريكية.ويقاضيعملاق النفط شركة ExxonMobil وزارة الخزانة بشأن فرض عقوبات ضدها لتعاملها مع شركة النفط الروسية Rosneft، بينما أعلن رجل الأعمال الروسي أوليغ ديريباسكارفع قضيةبشأن عقوبات فرضت عليه خلال الشهر الحالي. وأخيراً، يشهد مكتب التحكم في الأصول الأجنبيةخسارةً كبيرة في عدد موظفيه، إذ ينتقلون للعمل في القطاع الخاص.
تناقُض الإدارة في قراراتها يقوض منهجها في العقوبات
تحول ترامب الواضح عن قراره هو آخر الأمثلة على تناقض القرارات الأمريكية بشأن العقوبات. في العام الماضي، خفف الرئيس الأمريكي العقوبات المفروضة على شركة تكنولوجية صينية تدعى ZTE لاستخدامها كورقة مساومة، على ما يبدو، في مفاوضاته التجارية. وصف آدم سيغل، من مجلس العلاقات الخارجية، هذا القرار بكونه «صادماً». وكان سفير ترامب في روسيا مستعداً لمشاركة منصّة مع رجل أعمال روسي يخضع لعقوبات أمريكية. وكانت الحُجة المنطقية التي قالتها المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز بشأن تغيير قرار ترامب، أن «الرئيس ترامب معجب بالرئيس كيم وهو لا يعتقد بأن هذه العقوبات ضرورية»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ويدمر هذا التناقض قدرة واشنطن على حمل حلفائها على احترام عقوباتها وسياساتها الخارجية المرتبطة بها. ويقول دبلوماسيون أوروبيون، بشكلٍ غير معلن، إن أحد الأسباب التي دفعت الدول الأوروبية إلى عدم الاستجابة لقرار الولايات المتحدة فرض حظرٍ على معدات الاتصالات اللاسلكية التي تُصنعها شركة هواوي هي عدم تأكدها مما إذا كانت الإدارة الأمريكية ستلتزم بهذا القرار. فهم يخشون إذا ما غيّروا سياساتهم وقوانينهم استجابةً للضغط الأمريكي، ربما يقرر ترامب في لحظةٍ فجأة تغيير السياسة الأمريكية بشأن شركة هواوي، ما قد يترك أوروبا في مهبّ الريح.
وربما يتسبب هذا في الإضرار بالروح المعنوية لموظفي الإدارة الأمريكية المسؤولين عن صياغة هذه العقوبات. ويعتمد مكتب التحكم في الأصول الأجنبية على روح الولاء للحفاظ على المحامين الماهرين، الذين قد يجنون أضعاف راتبهم إذا عملوا في القطاع الخاص. ومن المستبعد أن يكون مسؤولو مكتب التحكم في الأصول الأجنبية متحمسين تجاه تقرير وكالة Bloomberg بشأن عدول ترامب عن قراره ومحاولة التغطية عليه.
وأخيراً، قد يشعر بعض مسؤولي ومحامي الإدارة الأمريكية بالقلق من أن يؤدي التضارب الواضح في صنع القرار إلى تدمير مصداقية الولايات المتحدة في المحاكم. وبشكلٍ عام، تحيل المحاكم صلاحية اتخاذ القرار إلى الإدارة الأمريكية عندما تشير إلى مصالح الأمن القومي الأمريكي. لكن، مثلما يحدث في المجالات القانونية الأخرى، فإن التغطية الإخبارية بشأن تضارب وتذبذب عملية صنع القرار، بالإضافة إلى محاولة التستر على الأمر ربما تجعل القضاة أكثر تشككاً في مزاعم الإدارة الأمريكية أكثر من الماضي.
ولا يزال مستبعداً إلغاء القضاة للتقليد المتبع منذ وقت طويل، الذي يقضي بإحالة صلاحية اتخاذ القرار إلى الإدارة أو حتى تعديله بشكلٍ كبير، لكنه لم يعد مستبعداً كثيراً.