الإرهاب الوطني الأبيض
بلال العبويني
يشكل صعود اليمين المتطرف في دول العالم المتحضر تحديا يستهدف المهاجرين على وجه الخصوص، بما يحمله أتباع هذا الفكر من قناعات ترى في الأعراق الأخرى خطرا يتهدد وجود "البيض"، من الذين يؤمنون بتفوق عرقهم على غيره من أعراق .
هذا النزوع المتطرف لليمينيين، من شأنه أن ينفجر عنفا ينتج عنه مجزرة إرهابية كالتي ارتقى فيها أكثر من خمسين شهيدا في مسجدين بنيوزلندا، وذلك قد يكون نتيجة طبيعية لاستمرار آلة الشحن اليمينية المتواصلة في تلك الدول والتحريض المركّز ضد الأعراق والقوميات الأخرى.
اليوم، تكمن الخطورة في أن يكون العنوان الأبرز خلال المرحلة المقبلة متمثلا بالإرهاب "الأبيض"، في مقابل "الإرهاب الأسود" المتمثل بالقاعدة وداعش ومن دار في فلكهما والذي كان العنوان الأبرز والأسوأ خلال العقدين الماضيين.
ما يدفع باتجاه هذا الخوف بعض الحوادث الإرهابية التي شهدناها خلال السنوات الماضية مثل هجمات النرويج عام 2011 والتي قتل فيها نحو 77 شخصا من أنصار التعدد الثقافي، بدافع "منع غزو المسلمين"، وعملية "معبد السيخ" عام 2011 في أمريكا، وعملية "المركز اليهودي" في أمريكا والتي نفذها زعيم منظمة تؤمن بتفوق العرق الأبيض، وعملية "كنيسة السود" أيضا في ولاية كارولينا الأمريكية وغير ذلك من عمليات إرهابية.
ولعل الخطورة تكمن أكثر في وجود "أب روحي" لـ "الإرهاب الأبيض"، وهو ما قد يكون عاملا حاسما في تطور هذا النوع من الإرهاب، كما هو الحال في منفذ عملية المسجدين الإرهابية في نيوزيلندا الذي يرى في ترامب "رمزا للهوية المتجددة والهدف المشترك".
صحيفة "ديلي بيست" الأمريكية كانت قد دعت إلى شن حرب عالمية ضد ما أسمته بـ "الإرهاب الوطني الأبيض"، غير أنها رأت في ترامب عقبة كبيرة أمام مثل هذه الحرب.
الصحيفة رأت أن الوقت بات حاسما للتحرك ضد "الإرهاب الأبيض" قبل أن يصبح بضخامة تنظيم "القاعدة" وقبل أن يتوسع ليصبح أكثر خطرًا على الأنظمة الديمقراطية الغربية في المستقبل.
في الواقع تخوفات الصحيفة الأمريكية تبدو في محلها بالنظر إلى التقارير الأمريكية التي تحذر من عدم انتقال السلطة في الولايات المتحدة بشكل سلمي إذا ما ترشح ترامب لولاية ثانية وخسرها في انتخابات 2020، أو إذا ما تم عزله من منصبه، ما قد ينتج عن ذلك أعمال عنف وشغب قد تمزق الولايات المتحدة وفقا لما نقلته التقارير عن مسؤول في الاستخبارات الأمريكية.
قد يكون منفذ عملية المسجدين في نيوزيلندا لم ينطلق بدافع الانتصار للعرق الأبيض، لأنه لو كان كذلك لكان قد وجد أماكن أخرى لتنفيذ عمليته الإرهابية في مرقص أو ناد ليلي أو تجمع لعرقيات في أماكن غير دور العبادة.
غير أن إشارته لترامب كرمز للهوية المشتركة، ينطوي على خطورة كبيرة في وقت يُظهر فيه الرئيس الأمريكي، الموسوم باليميني المتطرف، عنصرية مقيتة تجاه المهاجرين، وهو ما يؤكد على أن الحاجة باتت ماسة لأن تكون النظرة لمحاربة الإرهاب نظرة شمولية لا تتوقف عند حدود "الإرهاب الأسود" فقط.