فقر الكسل !!!
جهينة نيوز -المهندس هاشم نايل المجالي
في عالم الاقتصاد يعتبر الإنسان أكبر مورد بشري في علمه وعطائه وابتكاراته وإبداعاته وتفانيه وإخلاصه وأخلاقه وسلوكياته الإيجابية ، وتعاونه وحبه للعطاء والوفاء بالتزاماته تجاه الآخرين ، وهذا نجده في كثير من الدول المتحضرة والمتقدمة ، وليس بالضرورة أن تكون الدولة غنية بالبترول ، فمثلاً اليابان موردها من ثروات الأرض وتطور صناعاتها المتعددة والمتنوعة ، ولا معادن في أرضها ولا بترول فيها ، كذلك تايوان والهند التي حققت أرباحاً قبل أعوام تصل إلى 80 مليار دولار من البرمجيات حيث باعتها لدول العالم الغربي ، لذلك نقول إن أكبر مورد للاقتصاد هو الإنسان .
والاقتصاد جزء من الدين ، كذلك فإن العبادة التعاملية تعني أن الإنسان يتصف بالمواصفات الحسنة بأن لا يكذب ولا يغش ولا يستغل الآخرين ولا يرابي ولا يحتكر ، كذلك فإن إصلاح الشؤون الحياتية من الدين من حيث الاقتصاد في كل شيء وتجنب الفائض عن كل حاجة وتجنب الإسراف غير المبرر ، فالتكيف حسب الدخل تغني الأسرة عن الحاجة ، والرسول صلى الله عليه وسلم فهم الدين عملاً وتعاوناً وعطاءً، والمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف ، أي قوي بعلمه وبعمله ، حيث أن العمل شرف الإنسان وحتى لا يذل نفسه للآخرين ، والإسلام لا يقدس الفقر بل العكس هو الصحيح ولكن علينا ان نعترف بوجود ( فقر الكسل ) وهو عدم عزوف الشباب عن العمل المتوفر ، والتخاذل والتواني ويحب ان يضيع وقته فيما يلهيه ويسليه ولا يسعى الى رفع مستوى مؤهلاته من خلال التدريب لغايات اتقان العمل بل يسعى للاستمتاع الى وسائل التكنولوجيا التي تستنزف وقته وماله وفكره بدل ان يستغل وقته ليستفيد من كل وسيلة متوفرة ليطور نفسه ويزيد من دخله ليستغني عن حاجة الاخرين ، وان يكتفي برزقه الحلال وليحفظ ماء وجهه قال تعالى ( الم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى ) ، ومعنى أغنى اي أغناك عن الناس ، فالاسلام دين عمل وعطاء والفقر خطر على الاخلاق وعلى السلوك فصوت المعدة اقوى من صوت الضمير ، والفقر خطر على فكر الانسان وخطر على الاسرة وعلى تكوينها وتماسكها واستمرارها .
والانسان الذي يعمل ويتقن ويتفانى في عمله يكفِ نفسه عن الحرام لكننا نجد ان غالبية الفقراء فقرهم فقر كسل ، كذلك نجد ان كثيراً من العمال عملهم غير متقن ومواعيده غير مضبوطة بسبب انشغالاته الاخرى وتجد بضاعته سيئة ، ولا يعطي الاهتمام فيما ينجزه ولا لديه صدق في التعامل ولا في معاملة الاخرين بسبب كسلة عن اعطاء الاهتمام الكافي في عمله ويدعي ان السوق واقف ويبدأ بالقاء اللوم على الاخرين ، ولو كان غالبية هؤلاء يحبون الله ورسوله لأطاعوه بالعمل والعطاء والانجاز المتقن ، فتنظيم الوقت بين العمل واللقاء والراحة والدعوة الى الله هو المعيار الحقيقي للتقييم ، فكل يوم ينقضي من عمر الشباب بدون عمل يأكل من قوته وجسده وعطائه بل عليهم ان يكون لديهم هدف في هذه الحياة يسعون اليه ليحققوه .
ولقد كاد الفقر ان يكون ارهاباً او اختلاساً او عنفاً وتخريباً ، حيث نجد الجياع ينهبون ويرتكبون المعصيات لان ليس عندهم شيء يخسرونه وتجدهم ناقمون .
والرسول صلى الله عليه وسلم فهم الدين عملاً وتعاوناً وعطاءً وعباده ، فلقد رأى شاباً يعبد ربه وقت العمل فسأله النبي صلى الله عليه وسلم من يطعمك فقال الشاب أخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخوك اعبد منك ، كذلك فلقد امسك بيد احد اصحابه وكانت يده خشنة من كثرة العمل فرفعها وقال لاصحابه ( هذه اليد يحبها الله ورسوله ) ، اي ان الرسول صلى الله عليه وسلم اعطى للدين مفهوماً واسعاً فالاسلام هو الحياة بالعمل والعطاء والاتقان والعلم والاقتصاد من الدين ، وعلينا ان لا نكون ضعفاء ولقد اصبحنا نشتري كل ما هو مستورد وغالي الثمن مع العلم بأننا نستطيع ان نصنعه في المنزل من مواد واطعمة ، واصبحنا لا نحبذ الا الملابس الغربية وبأمكاننا ان نوفر شبيهاً لها في الاسواق وبجوده متقاربة وسعر منافس كمنتج وطني ، كذلك بامكاننا الاستغناء عن تغيير الموبيلات من جيل الى جيل جديد من اجل برنامج ومواصفة جديدة وبمبلغ كبير فهذا استنزاف لجيوب المواطنين خاصة الشباب ذوي الدخل المحدود ، وحتى لا نكون عبيداً لمنتوجاتهم المتغيرة يوماً بعد يوم بل علينا ان نعلم ان القوي هو المنتج والضعيف هو المستهلك ، لذلك علينا ان نضع الخطط والبرامج والاستراتيجيات لتفعيل دور الشباب وتدريبهم وتأهيلهم للعمل والعطاء والانجاز بكافة المجالات ، خاصة في المناطق النائية بالتعاون مع كافة الجهات المعنية هناك حكومية واهلية ومنظمات دولية لاستثمار اوقاتهم بما هو مفيد ولصالحهم ولصالح مجتمعاتهم ووطنهم ، فالفراغ قاتل ومشتت للاذهان والفكر ومضلل للرؤية السليمة وعلينا ان نترجم الاستراتيجيات الى عمل وعطاء .//
hashemmajali_56@yahoo.com