banner
منوعات و غرائب
banner

كثير من الألمان يستنكرون فرض حد أقصى للسرعة على الطرق السريعة

{clean_title}
جهينة نيوز -

تسبب مقترح من لجنة عينتها الحكومة الألمانية في شهر يناير/كانون الثاني 2019  لوضع حدود للسرعة القصوى على شبكة الطرق السريعة (Autobahn) في ألمانيا، في إثارة أعمال شغب.

فقد تحدَّث السائقون الغاضبون عبر موجات البث الإذاعية. وارتدى القادة النقابيون ستراتهم الصفراء مُتَوَعِّدين، يلمحون إلى تنظيم احتجاجات في الشوارع. واستغلَّت المعارضة اليمينية المُتطرّفة الفرصة للتعبير عن الغضب ضد «سيطرة الدولة وقبضتها الخانقة». حسبما ذكر تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية.

ألمانيا تعاني بسبب عدد السيارات

أعلن وزير النقل الألماني، أندرياس شوير، سريعاً، مخالفاً لآراء خبرائه، أنَّ وضع حد أقصى للسرعة على الطرق السريعة «يتنافى مع الحس العام والإداراك السليم».

وانتهى الأمر على ذلك.

بقدر ما تمتد الهواجس الوطنية شبه الدينية إلى أجزاء كبيرة من سكان دولةٍ ما، فإنَّ النفور الألماني من فرض حدود قصوى للسرعة على الطرق السريعة يعادل استياءهم من القيود المفروضة على الأسلحة في أمريكا وصيد الحيتان في اليابان.

يذكر أنَّه توجد حدود للسرعة على الطرق السريعة بشكل أساسي في كل مكان آخر في العالم، مع بعض الاستثناءات القليلة مثل أفغانستان وجزيرة مان التابعة للتاج البريطاني.

لكن هذه ألمانيا، «أمة السيارات» كما أعلنت عن نفسها، حيث أنتج كارل بنز أول سيارة، وحيث لا تُعد السيارات فقط منتج التصدير الأكثر مدعاة للفخر بل رمزاً للهوية الوطنية أيضاً.

إنَّها أيضاً الدولة، حيث وضع هتلر، في فترات حالكة سابقة، الأساس لشبكة من الطرق السريعة متعددة المسارات، والتي أصبحت مثالاً يُجسّد النجاح الاقتصادي -والحرية- في سنوات ما بعد الحرب.

خاصة مع غياب قوانين منظمة للطرق السريعة

وحسب الصحيفة الأمريكية، يمكنك تسمية شبكة الطرق السريعة هذه «الغرب المتوحش» في ألمانيا، إذ تُعد شبكة الطرق السريعة Autobahn في ألمانيا هي المكان الوحيد الخالي من القواعد في مجتمع مُنظّم للغاية، ويُعتبر الحفاظ على مبدأ «عدم وجود قاعدة هو القاعدة» أمراً مقدساً في ذلك المكان.

قال ستيفان غيرونز، رئيس قسم النقل والحركة في نادي أداك، «إنَّه موضوع حسّاس للغاية». نادي أداك هو أكبر نادي سيارات في ألمانيا، إذ يضم 20 مليون عضو ويعارض وضع أي حدود للسرعة.

لكن الشيء الحسَّاس للغاية، على ما يبدو، يتمثَّل في أنَّ الحقائق والأرقام الآتية لا تعني الكثير بالنسبة لهم.

الطرق السريعة في ألمانيا/ NEW YORK TIMES

وهو ما أثر على المناخ في ألمانيا

لم تستطع ألمانيا على نحوٍ مؤسف تحقيق أهدافها المناخية لعام 2020، لذا عيَّنت الحكومة مجموعة من الخبراء لإيجاد وسائل لخفض الانبعاثات الكربونية في قطاع النقل. تُمثّل السيارات 11% من إجمالي الانبعاثات، وهذه النسبة آخذة في الارتفاع.

يقول خبراء بيئيون إنَّ فرض حد أقصى للسرعة على الطرق السريعة يبلغ 120 كيلومتراً في الساعة، أو 75 ميلاً (120.7 كيلومتراً) في الساعة، قد يغطي خمس الفجوة من أجل الوصول إلى أهداف عام 2020 بالنسبة لقطاع النقل.

قالت دوروثي سار من المنظمة الألمانية لحماية البيئة، وهي منظمة بيئية غير ربحية تضغط من أجل فرض قيود على السرعة: «من بين جميع التدابير الفردية، سيكون هذا الإجراء هو الأكثر تأثيراً، ولا يتكلّف شيئاً».

وأضافت: «لكن عندما يتعلق الأمر بالسيارات، يميل النقاش نحو اللاعقلانية ومخالفة الصواب».

يوجد بالفعل حدود للسرعة على ما يقرب من 30% من إجمالي تقريباً 8000 ميل (12874.7 كيلومتر) من الطرق السريعة في ألمانيا، وفُرضت تلك القيود لتنظيم الضوضاء بالقرب من المراكز الحضرية والحد من مخاطر السلامة على الطرق التي تعتبر غير ملائمة للسرعة غير المحدودة. وكانت أعداد الحوادث القاتلة على امتدادات الطرق السريعة المفروض فيها حداً للسرعة القصوى أقل بنسبة 26% من تلك الأجزاء المتروكة بدون قيود على السرعة.

ولقي 400 شخص مصرعهم على الطرق السريعة في 2017

ووفقاً لمكتب الإحصاء الألماني، لقي 409 أشخاص مصرعهم على الطرق السريعة في عام 2017، وكانت السرعة غير المناسبة هي سبب وقوع نصف تلك الحوادث تقريباً.

لكن ذلك لم يجعل الرأي العام يحيد عن موقفه.

لا يزال نصف الألمان تقريباً معارضين لفرض حدود للسرعة على الطرق السريعة، وهي نسبة لم تتزحزح قيد أنملة في العقد الماضي، وذلك وفقاً لمايكل كونيرت، مدير شركة » Infratest Dimap» لاستطلاعات الرأي.

قال كونيرت إنَّ وضع حد أقصى للسرعة على الطرق السريعة سيجعل أقلية مهمة من «الأشخاص يحتجون في الشوارع أو على الأقل سيحجمون عن التصويت للحزب الذي مرر «ذلك الإجراء».

في فترةٍ ما، خلال أزمة النفط في عام 1973، أستغلَّ وزير النقل الألماني، لوريتز لوريتزن، الفرصة وفرض حداً للسرعة. تجاوزت أعداد ضحايا حوادث الطرق 20 ألف قتيل سنوياً في ذلك الوقت (ستة أضعاف مستوى اليوم) ومع ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، اعتقد لوريتز لوريتزن أنَّ الألمان ربما يرون بشكل معقول فوائد إنقاذ بعض الأرواح وتوفير بعض المال في الغاز أيضاً.

واستمر الحد الأقصى للسرعة لمدة 4 أشهر، ولم يستمر لوريتزن في منصبه لفترة أطول.

مهدت تلك التجربة الطريق لظهور حملة «قيادة حرة لمواطنين أحرار» – أقوى شعار للوبي عالم السيارة حتى يومنا هذا، والذي تستخدمه الأحزاب السياسية وشركات السيارات على حد سواء.

جراج للسيارات في ألمانيا/ NEW YORK TIMES

كانت هناك محاولات لوضع حد اقصى للسرعة في ألمانيا

قال جون كورنبلوم، السفير الأمريكي السابق لدى ألمانيا، الذي وصل إلى هنا لأول مرة في ستينيات القرن الماضي ويعيش (ويقود) هنا منذ ذلك الحين: «إنّ الأمر برمته يتعلق بالحرية».

وأضاف كورنبلوم: «بهذا المعنى، يشبه الأمر حقاً قيود انتشار الأسلحة، وإن كان مع عدد وفيات أقل كثيراً. تتوافر جميع الحجج العقلانية، لكن بالكاد ثمة أي جدوى من إثارة مناقشة عقلانية».

بُني أول طريق سريع في ألمانيا عام 1932 بين مدينتي كولونيا وبون. لكن بعد وصول النازيين إلى السلطة، قلَّصوا امتداد الطريق السريع إلى مجرد طريق بري عادي حتى يتمكَّن هتلر من ادّعاء الفضل في بناء الطريق السريع.

في عام 1937، كتب جون كينيدي، البالغ من العمر حينها 20 عاماً، رسالة يحكي فيها تجربته في القيادة على الطريق السريع في ألمانيا «بدون حدود للسرعة».

وبعد مرور عام، استخدم بيرند روزماير، سائق سيارات سباق ألماني وعضو منظمة Schutzstaffel التي كانت تابعة للحزب النازي، الطريق السريع لتسجيل أرقام قياسية في السرعة حتى اصطدم بجسر وتوفي بطلاً قومياً.

وخلال الحرب العالمية الثانية، فُرض حد أقصى للسرعة لتوفير الغاز، لكن سرعان ما أُلغي بعد الحرب.

لكن هناك قناعة في ألمانيا بأن ذلك يقلل من قدرة الرجال على القيادة

يقول إيرهارد شوتز، الأستاذ المتقاعد والخبير في تاريخ شبكة الطرق السريعة الألمانية، «بالنسبة لكثير من الناس، تبدو فكرة الحد الأقصى للسرعة وكأنها إهانة كبيرة للرجولة، وكأننا أصبحنا أقل صلابة وقدرة على التحكم».

إنَّ خدمات تقديم الطعام والمشروبات إلى الزوار الأثرياء من جميع أنحاء العالم الراغبين في الاستمتاع بمشاعر الإثارة الناجمة عن قيادة سريعة على الطراز الألماني تُعد أحد الأعمال التجارية الكبيرة لشركات السياحة وتنظيم الرحلات.

وكتب أحد مقدمي خدمة الطعام والمشروبات على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي في حملته الترويجية للقيادة بدون حدود للسرعة: «هل تحلم بنمط قيادة بسرعة فائقة غير محدودة على الطريق السريع الألماني في سيارة ذات مواصفات مميزة ستدهش عقلك بدون أي قيود سرعة على الإطلاق؟. إليك العرض يشمل قيادة لمدة 80 دقيقة بسيارة طراز بورش بسعر 699 يورو، أو 800 دولار، مع مدرب قيادة وتأمين شامل بالكامل».

الطرق السريعة في ألمانيا/ NEW YORK TIMES

حتى أن حملة تسويقية نظّمتها الحكومة الألمانية، التي طالما كانت مؤيدة لعالم صناعة السيارات، تدرج القيادة على الطرق السريعة الألمانية باعتبارها واحدة من «سبعة أشياء يجب عليك فعلها أثناء زيارتك ألمانيا»، جنباً إلى جنب مع زيارة قلعة نويشفانشتاين في ولاية بافاريا والاستماع إلى أوركسترا هامبورغ.

يقدم مكتب الخارجية الألمانية على نحوٍ مفيد دليلاً للبقاء على قيد الحياة على الطرق السريعة الألمانية مكوناَ من 10 نقاط، على رأسها: اعرف حدودك.

يوضح الدليل الآتي: «الممر الأيسر للقيادة بسرعة فائقة، انتبه إلى السيارات التي تتحرك ببطء إلى خارج الطريق مع التزمير الغاضب وأضواء المصابيح الأمامية المتوهجة».

تتواصل إرشادات الدليل: «لتفادي وقوع الحوادث، حافظ دائماً على مسافة أمان».

لكن ما هي مسافة الأمان، على سبيل المثال، على سرعة 200 ميل في الساعة؟ يمكن حسابها بسهولة، كما يوضح الدليل، عن طريق قسمة السرعة التي تسير بها على 2 وترك هذا الرقم بالأمتار بينك وبين السيارة التي أمامك.

سهلة، أليس كذلك؟

تذكر كورنبلوم، السفير السابق، عندما أخذ الدبلوماسيين الأمريكيين الزائرين المذعورين لجولة قيادة بالسيارة، فقال: «أول رد فعل كان البدأ بالصراخ.. سنموت. هم لم يستطيعوا التعامل مع الأمر».

أو كما وصف الممثل توم هانكس ذات مرة: «بغض النظر عن مدى السرعة التي تقود بها في ألمانيا، ثمة شخص آخر يقود أسرع منك».

تطور صناعة السيارات في ألمانيا/ NEW YORK TIMES

وفي قاعدة رامشتاين الجوية العسكرية الأمريكية، تذكَّرت قائدة الطائرة رفيعة المستوى، سارا فويغت من ولاية أوهايو، تجربة القيادة على الطريق السريع الألماني لأول مرة منذ عامين. إذ ظلَّت صديقتها تخبرها أنَّها كانت تُشكَّل خطراً على سلامة نفسها وعلى الآخرين لأنَّها كان تقود ببطء للغاية.

قالت فويغت: «لقد اضطررنا إلى الوقوف على جانب الطريق وانتقلت إلى مقعد الراكب، كان الأمر مخيفاً».

خارج حدود الطرق السريعة، تظل ألمانيا دولة زاخرة بالقواعد التنظيمية، لدرجة أنَّ بعض السلطات المحلية تحدد لون المظلات الشمسية.

قال كورنبلوم: «إنَّ ألمانيا دولة مُنظّمة بصورة مروعة، لأسباب لها علاقة بالماضي، والخوف من عدم اليقين، والخوف من الانهزام. لذا، يبحث الناس عن تلك المساحات الصغيرة للاستمتاع بحريتهم، وتُعد القيادة على الطرق السريعة واحدة من تلك المساحات».

يذكر أنَّ السرعة الفائقة غير المحدودة ليست هي الحرية الوحيدة المُقدَّمة على الطرق السريعة الألمانية. إذ أنَّ حرية القيادة عارياً هي قانونية أيضاً في ألمانيا. لكن إذا خرجت من السيارة عارياً، فستدفع غرامة قدرها 45 دولاراً.

تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير