القدس وصبيح المصري واشياء أخرى
جهينة نيوز -الدكتور مطلق سعود المطيري
العرب في هجرة مستمرة منذ عصر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إلى يومنا الحاضر، فالاستقرار أمر استثنائي في دنيا العرب، أخذت الهجرة أشكالاً متعددة وأسباباً ايضاً متعددة، الدعوة شكل وسبب، والتجارة والعلم أيضاً كذلك، إلا انه في زمننا الحاضر توحدت أسباب وأشكال الهجرة، هجرة اخلاق وليست هجرة منافع ، في السابق يهاجر العربي ليضع لنفسه ومجتمعه الأصلي حالة استقرار مستدامة، أما اليوم فالعربي يهاجر ليهجر نفسه ومجتمعه وربما دينه وضميره، داعش قبل أن يكون ظاهرة إرهابية عالمية تضرب القريب والبعيد وتستقطب المتوحش – هو حالة عربية بدأت تهجر وتفجر باسم العودة للمرحلة العربية الأولى للإسلام، حتى اختيارها للخليفة لابد أن يكون نسبه عربيا لينقلب المهاجر على هجرته.
يبدو انني ابتعدت عن القدس وصبيح المصري وانشغلت بالأشياء الأخرى، الا انه ابتعاد الهجرة للهجرة، فالقدس ارض الهجرة المقدسة لجميع الديانات، قبل الإسلام وبعده، البيت الهاشمي الشريف رعى قداسته بأمانه ودين وعدل، فالملك عبدالله الأول صاحب الوصاية والأمانة حافظ على عروبة المكان وقداسته ، بالرغم من تحديات الاحتلال الصعبة، الا ان الثبات كان صفة هذه الوصاية.
فاوض الفلسطيني والمصري حول القدس وعجزوا والسبب بسيط ولكنه معقد، التفاوض أمر سياسي بحت، يقدم التنازلات على المكاسب والعكس ولكن جميعها تصب في خانة السياسة التي تحتاج لأدوات متوفرة عند الطرف الآخر ولم تتوفر عند الطرف العربي، وهذا شيء مهم جداً أقصد قضية الوصاية فهي ليست قضية سياسية تحل عن طريق التفاوض، بل هي قضية قداسة لا يقبل فيها التفاوض، فالإشراف على الأماكن المقدسة يشبه المكان ذاته في القداسة، فليس المطلوب الان تسليم الوصاية أو انتزاعها لأنها ببساطه أمر ثابت لا يستطيع أي شخص أو جهة انكارها أو الغاءها لأسباب سياسية، وهذا ما يجب أن تفهمه واشنطن والمهاجرون العرب الجدد!!.
ابن بلدي الأستاذ صبيح المصري أفضل من يمثل حالة الهجرة العربية فهي بين فلسطين والأردن والمملكة العربية السعودية، فهذه الأخيرة له وللعديد من العرب، كانت ارض الهجرة والاستثمار والشهرة، فلو الغينا مرحلة السعودية من حياة المواطن السعودي صبيح المصري لما كان هناك اهتمام بالرجل او جنسيته أم استثماراته، ولهذا الاعتبار جانبان ، جانب خاص بموطنه السعودية وجانب خاص به ذاته، الجانب الأول : بلده السعودية فهي الفرصة والدعم وقصة النجاح والجانب الثاني: يتعلق بالمصري ذاته من كرم وعطاء ونبل أخلاقي جعلت منه هذه الصفات جهة لهجرة الباحثين عن العمل والاستثمار وطلب الحاجات.
سعودية المصري لم تكن شيئاً عابراً في حياته، طواها الزمن لمكان آخر، بل هي حياته كلها التي أصبحت اليوم غالية عند الجميع، فالكل يطلب الانتماء له والتقرب من حكاية هجرته، ولكن هو واستثماراته ونجاحاته ينتمي لمن؟؟
المملكة العربية السعودية لا تسيء لأبنائها فعندما تم استدعاء الأستاذ المصري لجهات رقابية في بلده السعودية، لقضية داخلية واسبابها داخلية، ليس في الأمر غرابه ، وليس من صلاحيات أي شخص او جهة بعيدة عن السعودية انتماء وهوية أن تتدخل في هذه القضية ... الا ان كانت عطاءاته المنتشرة في أكثر من بلد تجعل من هؤلاء المستفيدين أصحاب حق في التدخل في شأن مواطن وبلده ، وتخلق معارك وهمية لكسب الوهم وخسارة الوهم... هذا من الأشياء الاخرى التي تثبت حالة هجرة الضمائر وما صاحبها من مكاسب رخيصة.. في السعودية نعرف هجرة بعض العرب الحاليين ولمن، ولكنها هجرة لا يمكن أن تصنع مجداً مثل ما صنعته هجرة الأستاذ صبيح المصري للمملكة العربية السعودية.//
*أستاذ الاعلام السياسي في جامعة الملك سعود
ومستشار سياسي