يسار السفارة ويمين الحسيني
جهينة نيوز -في لحظة اجماع وطني لم تتكرر منذ العام 1990, تخسر الاحزاب القومية والاسلامية فرصة جديدة من خلق حالة توافق حزبي يمكن ان تسمح بتحسين شروط التفاوض مع السلطة الممسكة عن التفاعل الحيوي مع الحركة الحزبية بشكل عام, فالسلطة لا تحبذ وجود احزاب قوية سواء في خانتها او في اي خانة من خانات الاتجاهات الاربعة, رغم حاجتها اليوم الى الحركة الحزبية وتحديدا الاحزاب ذات الثقل البشري, لمواجهة القرارات الامريكية المتتالية والتي لا يملك الاردن الرسمي حيالها الا دبلوماسية وازنة ودعما شعبيا داخليا, بعد ان اختارت عواصم الثقل العربي النأي بالنفس عن الصدام مع الادارة الامريكية في هذا الملف .
الدبلوماسية الاردنية تحقق اختراقات ملحوظة في هذا القاطع, وزيارة الملك الى حاضرة الفاتيكان ستمنح الملف مزيدا من التنوع والدعم, فالوصاية الهاشمية على المقدسات بشقيها الاسلامي والمسيحي, ودعم الفاتيكان لهذه الوصاية نقلة نوعية, بعد الدعم لها من المحور التركي وطبعا السلطة الفلسطينية لم تغادر هذا المربع مطلقا, وكل ذلك يحتاج الى اسناد شعبي, لا تستطيع الحكومة توفيره منفردة, فالحكومة تمتلك حزبا كبيرا دون تأطير واضح لكي يصبح جماعة قابلة للتحرك والتحريك, والجماعة بنسختها التاريخية تمتلك كتلة بشرية وازنة تتحرك برشاقة سياسية وانتظام تكتيكي مدهش, اي ان حزب السلطة بلا جماعة والجماعة بلا حزب بالمعنى السياسي وكلاهما بحاجة الى الاخر .
في منتصف العلاقة بين اليمين الاسلامي واليمين السلطوي تجلس الاحزاب القومية واليسارية, فهي تخشى التورط مع الحكومة في تحالف سرعان ما ينقلب لاحقا بفعل العقل السائد في السلطة الرافض للاحزاب اساسا وتحديدا اليساري والقومي, ولا تستطيع مغادرة الملف السوري لانتاج تقارب مع اليمين الاسلاموي, رغم جذر العلاقة الطيب والذي انتج تنسيقية احزاب المعارضة بتلاوينها الاسلامية والقومية واليسارية, حيث نجح الاسلامويين في انتاج ما بات يعرف بتحالف الاصلاح لاحقا للحفاظ على هذه الذائقة التحالفية, بعد ان حافظت على حلفها مع بعض القوى القومية واليسارية على المستوى الفردي, وخسرت الاحزاب القومية واليسارية كثافة وزخم الشراكة مع الجماعة دون بديل موضوعي .
اليوم تتمترس الاحزاب القومية واليسارية على رصيف مقابل السفارة الامريكية, وتحتل جماعة الاخوان بنسختها التاريخية ساحة المسجد الحسيني والعنوان واحد وموحِد اسمه القدس, فاليسار اختار قوة الرسالة ودلالتها واليمين الاسلاموي والسلطوي اختار الفضاء الشعبي لايصال الرسالة الى ادارة ترامب, ومن نافل القول ان ديمومة ساحة الحسيني تفوق ديمومة رصيف السفارة, اذا ما أخذنا في الاعتبار -ايضا- صبر اليمين السلطوي على الاعتصامات المفتوحة بشكل عام وامام السفارات تحديدا, حيث احتمالية الصدام قائمة في ظلّ انسداد الحالة السياسية بين الاحزاب والحكومة, ومحاولة الجماعة التاريخية تحسين شروط التفاوض والمقايضة على الحضور وديمومته او ضبطه وتحويله الى ايقاع آخر حال استنفاذ الغاية من الميادين والشوارع والساحات .
ومع ملاحظة الفوارق بين براغماتية الجماعة وتكلّس الاحزاب القومية واليسارية, فإن المحصلة تقول، إن الجماعة قادرة على استثمار براغمتيتها في حين فشلت الاحزاب القومية واليسارية في الخروج من حالة التكلّس السياسي, وحتى نكون منصفين فلا جذرية في المواقف لدى الاطراف جميعها, فمن قبل التنسيقية تخلّى بالضرورة عن جذريته فالانقسام حدث على ارضية تناقض المواقف من الازمة السورية وليس على اي جذر آخر, ما يستدعي مراجعة المواقف للاستفادة منها في هذه اللحظة الفارقة, حيث تحتاج السلطة الى اسناد شعبي وتحتاج الاحزاب الى تحسين البيئة السياسية, وهذا ظرف مثالي لانتاج علاقة قائمة على المصالح المتبادلة التي هي ارقى اشكال العلاقات السياسية , فنحن جميعا نتشارك في عواطفنا حيال القدس وحيال قوة الاردن ومنعته .