عندما فرّق "الربيع" العرب جمّعتهم القدس
جهينة نيوز -
عندما فرّق "الربيع" العرب جمّعتهم القدس
بلال العبويني
غابت القضية الفلسطينية، أو غُيبت كثيرا خلال السنوات السبع الماضية، التي اندلعت فيها موجات ما سُمي بـ "الربيع العربي"، وهو ما صبّ في صالح الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يكتف بدور المتفرج "المستلقي" بل مدّ يده أكثر للتدخل في شؤون العرب وإثارة القلاقل وتأجيج الصراعات لإطالة أمدها بحيث تتحول دول العرب إلى دول فاشلة بامتياز.
"الربيع العربي"، أصاب جميع دول العرب، دون استثناء، سواء بشكل مباشر انفجر عنفا وقتلا وتدميرا وانقساما مجتمعيا أو غير مباشر بتداعياته السياسية والاقتصادية والأمنية التي أصابت وهددت الجميع، وهو ما ساهم في إعادة العرب إلى الوراء سنوات بعيدة، وهي اليوم تجهد في محاولة الخروج من أزماتها التي تتوالد كل يوم دون أمل قريب في الوصول إلى حالها الذي كانت عليه قبل سبع سنوات.
خلال السنوات السبع الماضية، اندلعت "انتفاضة الخنجر" في القدس المحتلة، وحاول الاحتلال تغيير الواقع الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، ونكّل الاحتلال الإسرائيلي بالمقدسيين، وعاث المستوطنون فسادا في الحرم القدسي، وتوسعت السلطات الإسرائيلية في الحفر تحت المسجد الأقصى، وعطّلت المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وتوسعت في بناء المستوطنات في القدس والضفة الغربية.
فهل تحرك "ثوار الربيع العربي" لنصرة أولى القبلتين؟
لم يتحرك أحد، بل على العكس، ظلت تل أبيب محجا لبعض "ثوار الربيع العربي" ممن رأوا في العلاقة مع الاحتلال طريقا للغنيمة والسلطة، لذلك ظل الاحتلال بمنأى عن أي تهديد، ولم يفلح ما ارتكبه من جرائم بحق أولى القبلتين في جرّ العرب للاهتمام بالقدس والقضية الفلسطينية، بل ثمة من هاجم الشباب المقدسي الثائر ضد الاحتلال، وثمة من تآمر عليهم ووصفهم بـ "الزعران"، ومن هؤلاء سياسيون ورجال دين.
في ذلك الوقت، كان العرب مشغولين في "الثورات"، وفي دعم البعض منهم من يناسبه من "الثوار"، بالمال والسلاح والعتاد والغطاء، فوقع الخلاف والانقسام بينهم ووصل حد التصادم والاحتراب، ما عمق من أزمات تلك الدول الداخلية والخارجية وعلى كافة المستويات.
فما الذي استفاده العرب من الربيع العربي بعد إذن؟.
لم يستفيدوا شيئا بالمطلق، بل كان وبالا على الدول شعوبا وأنظمة، وإن كان على مستوى الدول ذكرناه آنفا، فإنه أيضا ساهم في حدوث شرخ في المجتمعات بل إنه ساهم في حدوث الانقسام الأفقي والعامودي بين أبناء التيار السياسي أو الفكري الأيدولوجي الواحد.
بالتالي، لم تحز خلال السنوات الماضية أية قضية عربية، من قضايا "الربيع العربي" على إجماع أو حتى على أغلبية، فانتهى الربيع العربي، واندثر إرهاب داعش لكن بعد أن خلف خلفه الكثير من الخراب، ليأتي بعد ذلك قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل لتصعد القضية الفلسطينية والقدس إلى الواجهة من جديد حيث مكانها الطبيعي.
قرار ترامب، تكمن أهميته، من هذه الزاوية بالتحديد، في إثباته أن لا قضية جامعة لدى العرب والمسلمين إلا قضية القدس التي وحدها القادرة على ضم الجميع تحت رايتها، وما عداها من رايات هي محفز قوي للفرقة والانقسام والاحتراب.
بالتالي، فإن ما يواجه العرب من أزمات داخلية وحتى خارجية يبقى تفصيلا صغيرا أمام القضية الفلسطينية، وهو ما يحتم عليهم تصعيد الملف الفلسطيني إلى رأس سلم الأولويات لديهم، لضمان رجوع الحق لأصحابه، وغير ذلك فإن الأزمات الداخلية العربية ستظل قائمة طالما ظلت القضية الفلسطينية بالنسبة إليهم مهملة ، وطالما ظل الاحتلال الاسرائيلي مستلقيا بمنأى عن اي تهديد.//