كيف خدع ترامب الفلسطينيين؟
خطة خطيرة.. "نيويورك تايمز" تكشف ما قاله سفراء أميركيون سابقون بإسرائيل عن قرار القدس
مامون العمري
بعد المعارضة التي واجهت الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب، بدات المراكز والباحثون يحللون ويبحثون بما حدث الانباط تستمر في بحثها في ذلك وتنقل مما كتب سويل تشان في صحيفة "نيويورك تايمز"، إن الغالبية من 11 سفيراً سابقاً في إسرائيل اتصلت بهم الصحيفة، يعتقدون أن خطة ترامب خاطئة وخطيرة ومليئة بالعيوب إلى حد كبير.
وأضاف أن السفراء الـ11 تابعوا عن كثب إعلان ترامب الأربعاء. وحتى أولئك الذين رأوا أن الرئيس الأميركي يعترف بواقع على الأرض اختلفوا معه في هذه المقاربة، التي تقوم على تقديم تنازل ديبلوماسي أساسي من دون الحصول على مكسب ملموس.
استثناء
ولفت إلى أن أحد الاستثناءات كان أوغدين ريد، العضو السابق في الكونغرس الذي تولى منصب السفير لدى إسرائيل بين 1959 و1961، في نهاية ولاية أيزنهاور. وقال: "أعتقد أنه قرار سليم... وليس لدي ما أضيفه". وكان الاستثناء الآخر إدوارد س. وولكر جونيور الذي تولى منصب السفير لدى إسرائيل بين 1997 و1999 إبان ولاية الرئيس بيل كلينتون. وقال: "أعتقد أن الأمر يتعلق بالوقت...لقد افتقدنا الاعتراف بالحقائق كما هي. كلنا يعلم أن إسرائيل لديها عاصمة، تدعى القدس، وعلى مدى 35 عاماً من خدمتي في الشرق الأوسط لم يتساءل أحد عن ذلك".
الوضع النهائي
وتساءل تشان ماذا عن التخلي عن سياسة تتبعها الولايات المتحدة منذ 1948، ألا وهي أن الوضع النهائي للقدس أمر يجب أن يتقرر في المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وماذا عن الإدانة الصادرة عن الأسرة الدولية؟ وعن ذلك اجاب والكر: "في الحقيقة إنه سؤال عن الخطوط والحدود والوضع النهائي لفلسطين... ولا شيء في ما قاله الرئيس يمنع التفاوض على تسوية لهذه القضية".
سلبيات
ولفت تشان إلى أن هذا الرأي ليس هو السائد. والأكثر تداولاً هو تصور دانيال كورتزر الذي تولى منصب السفير لدى إسرائيل بين 2001 و2005 إبان ولاية جورج دبليو بوش. ورأى كورتزر أن "هناك الكثير من السلبيات، سواء ديبلوماسياً أو في ما يتعلق بظروف عملية السلام في الشرق الأوسط...نحن معزولون دولياً مرة جديدة- باستثناء حكومة إسرائيل، التي تدعم ذلك- ها نحن نسحب أنفسنا من الدور الذي يقول الرئيس إنه يريد أن يلعبه كوسيط سلام".
ويسأل تشان ماذا عن الحجة التي تقول إن عملية السلام التي ترمي إلى إقامة دولتين تغط في سبات عميق وأنها تحتاج إلى من يهزها؟ ويجيب كورتزر بأن "عملية السلام راكدة، وذلك يستدعي القيام بدور دراماتيكي...ولا يستدعي ذلك من الولايات المتحدة الإنحناء وتبني موقف أحد الطرفين وعدم تقديم أي شيء للطرف الآخر".
فورين بوليسي: بعد اللقاء السري.. هل خدع ترامب الفلسطينيين بشأن القدس؟
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للكاتب ديفيد كينر، يتحدث فيه عن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل.
ويكشف كينر في مقاله، عن أن الإدارة الأميركية لترامب لم تبلغ الوفد الفلسطيني الأمني الدبلوماسي، الذي زار واشنطن نهاية الشهر الماضي، بشأن خطط ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الاميركية إليها، مشيرا إلى أن التعتيم على الأمر في اللقاءات جاء رغم معرفة المحاورين الأميركيين بأن ترامب مصمم على هذا الإعلان.
وتشير المجلة إلى أن الوفد الفلسطيني كان متفائلا، ويتطلع للخطة الأميركية للتسوية والجدية التي أبداها الرئيس الأميركي للمساهمة في حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
ويقول الكاتب: “كان الدبلوماسيون الفلسطينيون متفائلين الأسبوع الماضي بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسير على الطريق الذي يمكن أن يقود لما أسماه (الصفقة الكبرى) وحل تفاوضي للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني”.
وتنقل المجلة عن مسؤول فلسطيني بارز، قوله إن التفاؤل تعزز من خلال حوارات مع إدارة ترامب، التي وصلت ذروتها في اللقاء السري الذي عقد في 30 تشرين الثاني، وشارك في اللقاء صهر ومستشار ترامب، جارد كوشنر، ومسؤول التفاوض الدولي جيسون غرينبلات، ونائبة مستشار الأمن القومي دينا باول، الذين قابلوا ثلاثة مسؤولين أمنيين فلسطينيين ودبلوماسيين بارزين.
ويلفت كينر إلى أن الجانب الأميركي لم يخبر الوفد الفلسطيني بخطط ترامب الاعتراف بالقدس في ذلك اللقاء، رغم إصرار الرئيس على القيام بهذه الخطوة في اللقاءات الداخلية التي أجراها مع مسؤولي إدارته، وكان آخرها اجتماع تم قبل 3 أيام من وصول الوفد الفلسطيني، مشيرا إلى أن اللقاء عقد في الوقت الذي ظهرت فيه تقارير عن الخطة الأميركية الجديدة بشأن القدس، حيث سأل الفلسطينيون عما إذا كان ترامب سيوقع على قرار تأجيل نقل السفارة الذي سينتهي موعده يوم الاثنين، “الذي وقعه”، لكن الجانب الأميركي لم يتطوع ويقدم معلومات للجانب الفلسطيني حول اعتراف ترامب بالقدس.
وتبين المجلة أن الحديث تركز على الخطة المزمع الإعلان عنها، التي أصبحت الآن محلا للشك، بعد اندلاع الاحتجاجات في أنحاء العالم العربي كله، في أعقاب خطاب ترامب يوم 6 كانون الأول، لافتة إلى أن المئات جرحوا فيما قتل اثنان في الضفة الغربية.
ويورد الكاتب نقلا عن السكرتير العام للجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، قوله بعد خطاب ترامب: “انتهى حل الدولتين.. وحان الوقت لتحويل الصراع إلى حل الدولة الواحدة، وحقوق متساوية للجميع على أرض فلسطين التاريخية”.
وتنقل المجلة عن مسؤول فلسطيني، قوله: “الأمر لم يعد يتعلق بوضعية القدس، لكن بوضع واشنطن؛ لأنها تضررت بشكل كبير بصفتها وسيطا، وعزلت نفسها عن الإجماع والقانون الدولي”.
ويذكر كينر أنه في جلسة طارئة عقدها مجلس الأمن الدولي، فإن 14 دولة من 15 دولة عضو فيه صوتت ضد القرار الأمريكي حول الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية، مشيرا إلى قول المتحدث باسم مجلس الأمن القومي ميشيل أنطون، إن فكرة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وصلت للقادة الفلسطينيين والعرب طوال المحادثات هذا العام، لكن لم يعلم بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلا قبل يوم، أي في 5 كانون الأول.
وتنوه المجلة إلى أن الخطة لنقل السفارة جاءت أثناء لقاء ترامب مع مستشاري مجلس الأمن القومي في 27 تشرين الثاني، أي قبل ثلاثة أيام من الاجتماع مع الوفد الفلسطيني، الذي جرى فيه التعتيم على الخطوة أمامه، ولم يخبر بالقرار المقبل، لافتة إلى أنه في لقاء ترامب معهم، الذي استمر 15 دقيقة، فإنه قدم لمستشاريه سؤالا مفصلا، وطلب إجابة واضحة، قائلا إن “الوضع القائم لم يعد مقبولا”.
ويفيد الكاتب بأن “إعلان ترامب قضى على آمال الفلسطينيين، الذين اعتقدوا أن ترامب سيكون مدافعا عن العملية السلمية بموجب رغبته في أن يكون العراب الذي حقق الصفقة الكبرى، واعتقدوا أن مجيئه من خارج المؤسسة السياسية يعني أنه ليس مرتبطا بالقيم التقليدية لما أطلقوا عليها (صناعة العملية السلمية)، بالإضافة إلى أن رغبته في التوصل لتسوية سريعة وشاملة كانت مهمة؛ لأنه سيجبر الإسرائيليين على حل، بدلا من مماطلة المحادثات، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية”.
ويقول كينر إن “كل ما قاله ترامب لم يكن مدعاة للارتياح، حيث صدم المراقبين في شباط عندما قال إنه منفتح على أي حل، دولتين أو دولة واحدة، وسربت القنوات التلفازية كلاما قالت فيه إن ترامب اتهم غاضبا عباس بالتحريض على العنف، وذلك في لقائهما في مدينة بيت لحم في 23 أيار، ونفى الفلسطينيون هذا الكلام”.
وتستدرك المجلة بأنه “رغم هذا، فإن تصريحات ترامب واتصالاته مع الفلسطينيين استمرت؛ لتعزز وتزيد من أمالهم، وبأنهم وجدوا شريكا لهم في البيت الأبيض، وبدأت الحوارات في شهر آذار، عندما اتصل ترامب مع عباس، وأخبره أنه يريد التوصل للصفقة النهائية، وإن كان عباس مستعدا بصفته وسيطا نزيها، واستمرت المحادثات، حيث التقى ترامب مع عباس في البيت الأبيض في 3 أيار، وأكد له أنه سيحقق الصفقة، وتبع ذلك لقاء بيت لحم، حيث طلب من الفلسطينيين تحضير وفد لبدء العملية السلمية، وفعلوا وانتظروا دعوة من البيت الأبيض التي لم تأت، وفي لقائه مع عباس على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أكد ترامب قائلا: (سأعمل بقلبي وعقلي لتحقيق الصفقة)”.
وينقل الكاتب عن المسؤول الفلسطيني، قوله إن فريقه اعتقد أن لقاء واشنطن هو مواصلة للعمل الذي بدأ منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، حيث نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” في تشرين الثاني، أن الخطة بدأت تكتمل ولم يتبق إلا إعلانها، مستدركا بأن اعتراف ترامب بالقدس أوقف هذا كله.
وتورد المجلة نقلا عن نائب مدير مركز “ويلسون” والمفاوض السابق آرون ديفيد ميللر، قوله إن استراتيجية ترامب تقوم على تقديم مميزات لإسرائيل والاعتراف بالقدس، بشكل يسمح للدبلوماسيين الأميركيين بالحصول على تنازلات من الإسرائيليين، لكنه يشك في إمكانية حدوث هذا.
ويضيف ميللر أن “التفسير هو أنهم -الدبلوماسيون الأميركيون- يفكرون لو أننا وضعنا الكثير من العسل في الوقت الحالي فإنه يعطينا الفرصة لوضع الخل في مرحلة لاحقة، ويعتقدون أن أي مسؤول إسرائيلي، وهنا المقصود بنيامين نتنياهو، لن يرفض طلبا لترامب، بعدما حصل على ما يريد، لكن هذا افتراض ليس في محله”.
ويختم كينر مقاله بالإشارة إلى أنه بالنسبة للفلسطينيين، فإن الأميركيين أخرجوا أنفسهم من دور الوسيط النزيه، وهو الدور الذي الذي أدته أميركا في العقود الماضية.