عمان من الخارج " البلاط والشُحف "
جهينة نيوز -بهدوء
عمر كلاب
ليس السفر كله مساحة للاسترخاء , ثمة فرصة للتأمل وقراءة الصورة من بعيد , من خلال الفضاءات الجديدة والعوالم الافتراضية التي تمنحك الامساك بتلابيب الفرصة والرؤيا من زوايا متعددة , كأن تشاهد صفحات الرافضين والقابلين والنواب والاعيان او ما تيسر منهم والوزراء وباقي اركان المشهد السياسي المهلهل , وقد زادت نسبة التأمل بفضل الخطوتين المقدرتين لاعلام الديوان الملكي بفتح فضاء الديوان للمواقع الالكترونية التي انتزعت شرعية وجودها بالمتابعة والمشاهدة , رغم كل محاولات الانفلات الذاتية والموضوعية من الجسم الجديد .
المواقع الالكترونية احتفلت – وهذا حقها – بالاعتراف الرسمي بها من اعلى المستويات , فكشفت عن منسوب عتب وليس غضبا داخلها نتيجة التهميش والاقصاء والاكتفاء باستثمارها لغايات النكاية وتصفية الحسابات بين السياسيين , فخرجت بصورة مهنية معقولة وكأنها تقول لدينا زيت في سراجنا وعليكم الالتفات اليه , فهذه المواقع قادرة على تحقيق التوازن بين المنشور على رذاذ الفضاء في مواقع التواصل وبين المطلوب وطنيا لضبط الايقاع على التوقيت المحلي للعاصمة عمان مع مراعاة فروق التوقيت .
المشهد من الخارج موحش ويمنح المواطن او المراقب صورة مفزعة , ولعل مقاربة المشهد من خلال هوامش التفرقة , يمكن اختزاله بمقاربة البلاط والشُحف من حيث حجم المسافة بين البلاطة واختها وبين قطعة الشحُف ونظيرتها او ملاصقتها , ففي بلدان مثل مصر تجد المشهد من الخارج اقرب الى قطع البلاط مع وجود الفوارق بين الاطياف والتكوينات المصرية السياسية , صحيح ثمة مسافة بين البلاطات وثمة خيط رفيع فاصل " الكُحلة او الروبة " لكنه في الاردن مثل قطع الشُحف حيث المسافة واضحة والكُحلة او الروبة فاجرة الوضوح , مما يعزز النظرية , حيث البلاط متناسق الحجم على عكس قطع الشُحف التي تتنافر كثيرا في الشكل والمساحة , مما يجعل الاردن ممسوكا لا متماسكا , باستثناء لحظات الصدمة , وكأن المطلوب لتماسك المجتمع مزيد من الصدمات والعمليات الارهابية .
مساحة المراقبة من الخارج تكشف عوار المجتمع , الذي يتغنى بالاموات فقط , وكأن الاحياء اهداف بشرية قابلة للقنص في اي لحظة وهمسة , فحجم العطف على الاموات كان سيعيدهم الى الحياة لو منحناهم نصف هذا العطف , ومع ذلك لا تسلم الجنازة من بعض التصفيات , عن حضور هذا وغياب ذاك , حتى الصلوات باتت مرصودة ومجرد لفتة من المُصلي كافية لان تضعه في مرمى القصف , دون سؤال عن الذي ترك الصلاة كلها من اجل التقاط صورة لمصل , ولا نعلم ان كان المصلي يعبث بهاتفه او تلقى اتصالا خطيرا او يقوم بتحويله على وضع الصمت , فكل همسة مرصودة دون حساب لهيبة وظلال الامكنة .
اخطر المواقع تلك المتعلقة بكرة القدم التي تكشف زيف وحدتنا وتماسكنا , بل وتفضح بشكل علني حجم الالكُحلة بين الشُحف المجتمعية , فالحرب ضاربة الاطناب وكل الاسلحة متاحة , المحرمة وغيرها , في مشهد سريالي يكنس كل التلاصق المجتمعي الذي كان سائدا اثناء توديع الشهداء , ونحمد الله ان أحدهم لم يلتفت خلفه لكان رأى ما يدفعه للندم على الشهادة من اجل هكذا مجتمع ممزق ومفتون بالريبة والشك والنميمة والبغضاء .
نحتاج الى وحدات ووحدات لمكافحة التطرف والارهاب وليس الى وحدة واحدة ونحتاج الى قرارات صارمة لضبط العبث الالكتروني , فليس معقولا ان يندفع رجالات السياسة الى توقيف عشرات المغردين من اجل اساءة لهم , في حين نترك العابثين بأمن الوطن ينعمون بالراحة والابتسام على جراح الوطن كله .//