مقالات مختارة
banner

ثغرات نظام الموارد البشرية في القطاع العام الأردني: عوائق خفية أمام الإصلاح الإداري

{clean_title}
جهينة نيوز -


الدكتور مؤمن محمود

في الوقت الذي تسعى فيه الدولة الأردنية إلى تحديث القطاع العام ورفع كفاءته، يبقى نظام إدارة الموارد البشرية الحلقة الأضعف في سلسلة الإصلاح الإداري. فعلى الرغم من المحاولات المتكررة لتطوير هذا النظام، إلا أن الواقع العملي يكشف عن ثغرات بنيوية ووظيفية تعرقل تحقيق الأهداف المرجوة، وتُفقد الإدارة العامة مرونتها وكفاءتها في الاستجابة للتحديات.
أولاً: المركزية المفرطة وتقييد المبادرة
تعتمد معظم الجهات الحكومية في الأردن على أنظمة مركزية جامدة في إدارة الموارد البشرية، حيث تُتخذ القرارات المتعلقة بالتعيين، والترقية، والنقل، والجزاءات من قبل هيئات عليا غالبًا ما تكون بعيدة عن الواقع الميداني للدوائر الحكومية. هذه المركزية تحدّ من قدرة المؤسسات على استقطاب الكفاءات وتمنع المديرين من ممارسة دورهم القيادي بفاعلية.
ثانياً: غياب نظام تقييم أداء فعّال
لا يزال تقييم الأداء في المؤسسات الحكومية الأردنية يتم بطريقة شكلية، يغلب عليها المجاملة والروتين، مما يجعل نتائج التقييم غير دقيقة ولا تُستخدم في اتخاذ قرارات حقيقية مثل الترقية أو التحفيز أو التدريب. هذا الواقع يُنتج بيئة عمل راكدة، تُكافَأ فيها الرداءة كما تُكافأ الكفاءة.
ثالثاً: الجمود الوظيفي وضعف الحوافز
يعاني الكثير من موظفي القطاع العام من انعدام المسار المهني الواضح، وندرة الحوافز المادية والمعنوية التي تُشعر الموظف بقيمة إنجازه. وهو ما يؤدي إلى انخفاض الدافعية وتفشي ثقافة "العمل للراتب فقط"، دون ارتباط عاطفي أو فكري بالمؤسسة أو بالخدمة العامة.
رابعاً: ضعف التكامل بين نظم المعلومات والموارد البشرية
في عصر التحول الرقمي، لا تزال معظم إدارات الموارد البشرية تعتمد على الأساليب الورقية أو الأنظمة غير المتكاملة. غياب قواعد بيانات دقيقة ومحدثة للموارد البشرية يحول دون اتخاذ قرارات مستندة إلى بيانات، ويجعل من عملية التخطيط للموارد البشرية عملية عشوائية وغير فعالة.
خامساً: عدم ربط التدريب باحتياجات الأداء الفعلي
رغم وجود برامج تدريبية تُعقد باستمرار، إلا أن أغلبها يتم دون دراسة فعلية للفجوات المهارية، أو دون قياس أثر التدريب على الأداء. ما يعني هدرًا في الموارد دون مردود واضح، وتحول التدريب إلى مجرد إجراء شكلي بدلاً من كونه أداة تطوير إستراتيجية.
وجهة نظر: هل نحن بحاجة إلى مراجعة شاملة؟
إن معالجة هذه الثغرات تتطلب أكثر من تعديلات تنظيمية؛ نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة فلسفة إدارة الموارد البشرية بالكامل، بحيث تُبنى على مبادئ العدالة، والشفافية، والتمكين، والمساءلة. كما يجب تبني التكنولوجيا في دعم اتخاذ القرار، وربط الأداء الفردي بالأداء المؤسسي وفق معايير واضحة ومعلنة.
في الختام، فإن استمرار هذه الثغرات دون معالجة جذرية سيُبقي القطاع العام في حالة من الترهل، مهما أُجريت عليه من إصلاحات شكلية. إن إعادة الاعتبار للموارد البشرية كأصل استراتيجي مهيأ بالأدوات التكنولوجية الحديثة، لا كمجرد أداة تنفيذ بيروقراطية، يجب أن تكون في صميم مشروع الإصلاح الوطني القادم.
تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير