في عيد الأم ويوم الكرامة

في عيد الأم ويوم الكرامة
د. أيوب أبودية
في ذكرى عيد الأم نتذكر قول محمود درويش عن الأم :
أحنّ إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي
وتكبر فيّ الطفولة يوماً على صدر يوم
وأعشق عمري لأني إذا متّ، أخجل من دمع أمي
خذيني إذا عدت يوماُ وشاحاً لهدبك
وغطّي عظامي بعشب تعمّد من طُهر كعبك
وشدي وثاقي.. بخصلة شعر، بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلها... إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك
ضعيني، إذا ما رجعت، وقوداً بتنّور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأنّي فقدت الوقوف بدون صلاة نهارك
هرِمت، فردّي نجوم الطفولة حتى أشارك صغار العصافير درب الرجوع.. لعشّ انتظارك!.
وهذه أبيات خالدة عن الأم في الشعر العربي العمودي الموزون للشاعر حافظ إبراهيم:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها
أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا
بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى
شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
في هذه الأبيات، يشبّه الشاعر حافظ إبراهيم الأم بالمدرسة، فهي الأساس في تربية الأجيال، فإذا أُعدّت الأم بشكل جيد، فإنّها تنشئ جيلاً طيّباً خلوقاً. وفي البيت الثاني، يشبّه الأم بالروض (الحديقة)، التي إذا نالت العناية والسقي المناسبين، تزهر وتورق بأفضل شكل. وفي البيت الثالث يَعدّ الأم أستاذة الأساتذة الخالدين على مر الدّهور.
وفي الأم يقول أبو القاسم الشابّي الذي مات ولم يتجاوز عمره 24 عاماً:
حَرَمُ الحَيَاةِ بِطُهْرِها وحَنَانِها
هل فوقَهُ حَرَمٌ أَجلُّ وأَقدسُ
بوركتَ يا حَرَمَ الأُمومَةِ والصِّبا
كم فيكَ تكتملُ الحَيَاةُ وتَقْدُسُ
في هذين البيتين، يعظّم الشاعر قدسيةّ ورفعة الحياة في كنف الأمومة، بوصفها رمزاً للطهارة والحنان. ويعتبر أنّ هذا الحرم الذي تمثله الأمومة هو الأجلّ والأقدس في الوجود، حيث تكتمل فيه الحياة وتصبح مقدّسة بفضل الحنان والرعاية التي تقدّمها الأم، مُباركاً هذا الدور العظيم الذي تساهم فيه الأم في بناء الحياة.
وينشد الشاعر سليمان المشيني في الأم:
أمّي، أحببتك يا أمّي
ويا أعذبَ لفظٍ ملْءِ فمي
أغْفو وغِناكِ يُهدهدني
وعُيونك يَقظى لم تنم
أنفاسُك إذ تَلفح وَجهي
أرقّ وأنقى مِن النسمِ
وسَيبقى حُبّك في قلبي
مَا لاحَ الفجرُ على القِمم
في هذه الأبيات، يعبّر الشاعر عن حبّه العميق لوالدته، واصفًا حبّها بأنّه أعذب ما يخرج من فمه. ويشير إلى رعاية الأم الحنونة، فهي تطربه بغنائها بينما لا تغفل عيونها عن حمايته. وتشعره أنفاسها الرقيقة بالراحة والطمأنينة، ويرى حبّها نقيًا وعميقًا سيظل في قلبه دائمًا ما دامت الحياة.
وينشد الشاعر المشيني في يوم الكرامة:
يومُ الكرامة يومُ النّصرِ والغَلَبِ
عيدٌ يتيهُ على الأيامِ والحِقَبِ
يوم به سجّلَ الأردن مَلحمة
تعتزُّ فيها وتزهو أمّة العربِ
لما انتضى جيشنا سيف الكفاح وما
هابَ المَنايا ليدمي وجه مغتصبِ
وينشد الشاعر كريم معتوق في الأم:
أوصى بك اللهُ ما أوصت بك الصُحفُ
والشعرُ يدنو بخوفٍ ثم ينصرفُ
ما قلتُ والله يا أمّي بقافيةٍ
إلّا وكان مقاماً فوقَ ما أصفُ
في هذين البيتين، يُعبّر الشاعر عن عظمة مقام الأمّ الذي أوصى به الله في كتبه المقدسة جميعها، ويشير إلى أنّ الشعر نفسه يشعر بالرهبة حين يحاول وصفها، فيقترب بخوف ثم ينصرف عاجزاً عن التعبير عن مكانتها. ويؤكّد الشاعر أنّه مهما حاول أن يصف والدته بقافية أو كلمات أو تشابيه، فإنّ مقامها يظل أعلى وأعظم وأجمل وأطهر ممّا يمكن أن تُعبّر عنه كلماته.
ويقول الشاعر أديب نفّاع في الأم:
أمّي هي العَطر الذي
يَسري بأنفاس الهواء
أمّي وما أحلى النداء
لفظ تُباركه السماء
الأبيات تُعبّر عن حب الشاعر العميق لأمّه، واصفاً إيّاها بأنّها العطر الذي يملأ الهواء، ويشير إلى قدسيّة الأم وعظمة ندائها الذي تباركه السماء ويُردّد ذلك في كل وقت.
وينشد أيضا في يوم الكرامة:
يوم الكرامة غرّة الأيام
ونشيد ملحمة من إلاقدام
سيظل في التاريخ يوما خالدا
يحكي بطولة جيشنا المقدام
قد غيّرت منه الوقائع صفحة
قد زوّرتها عُصبة الإجرام
وينشد الشاعر رشيد الخوري في عيد الأم:
أضاعَ العمرَ في طَلب المعاصي
يُحلّل مَا كتاب الله حرّم
فكادَ إلى اللظى يُلقى جزاءً
لمّا من سيءَ الأعمالِ قدّم
ولكنّ بِرّه الأبوين غطّى
مَساوِئه فخُلصَ من جُهنّم
تتحدث الأبيات عن شخص قضى حياته في ارتكاب المعاصي، محاولًا تبرير ما حرّمه الله، حتّى كاد ينال عقابه في جهنم بسبب أعماله السيّئة. لكنّ بِرّه بوالديه واهتمامه بهما غطّى على مساوئه، فكان سببًا في نجاته من العقاب ومن جهنّم.
من خلال هذه الأبيات المختارة التي أبرزت مكانة الأم في الشعر والأدب، ندرك أن الأم ليست مجرد كلمة تُنطق، بل هي رمز للعطاء اللامحدود، والحنان المتجدد. فهي المدرسة الأولى التي نتعلم منها قيم الحياة، والبستان الذي يزهر بالحب والرعاية، والأستاذة التي تترك بصمتها في حياتنا إلى الأبد.
الشعراء، عبر العصور، جسّدوا قدسية الأم وعظمتها، ووصفوها بأنها الملاذ الذي تكتمل فيه الحياة وتقدس. الأم هي العطر الذي يملأ حياتنا بالسلام والسكينة، وهي الدعاء الذي تباركه السماء. ولا يمكن للكلمات أن توفي الأم حقها، فهي التي تمنحنا جوهر الحياة ومعناها.
علينا أن نحفظ للأم مكانتها في قلوبنا ونظل ممتنين لتضحياتها وحبها الذي لا ينضب، ونعكس هذا الامتنان في تربية الأجيال القادمة، سواء كنا معلمين أو آباء. فالأم هي القلب الذي ينبض بالحياة، والنور الذي يضيء دروبنا في أحلك الأوقات.
فلنعبّر عن حبنا وامتناننا للأم في كل يوم، وليس فقط في عيدها، لأن حبها هو ما يمنح الحياة معناها العميق، ويضيء لنا دروب الفهم التي استعصت على الفلاسفة. وليس من قبيل المصادفة أن يتزامن عيد الأم مع عيد الكرامة، فالأم هي كرامتنا، كما كانت معركة الكرامة كرامةً لكل العرب.