هل تكون مفاوضات غزة بداية لسلام دائم أم استراحة مؤقتة؟

أيوب: غزة في مواجهة العدو التلمودي والطوفان الثاني قادم لا محالة
الطماوي: أي اتفاق يتم التوصل إليه لن يكون إلا بداية لمرحلة جديدة من الصراع
الأنباط - رزان السيد
تدخل المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل مرحلة جديدة تتمثل في الجولة الثانية من المحادثات، وسط آمال متجددة بتحقيق تهدئة مستدامة في قطاع غزة، ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه الطرفين، فإن هذه الجولة تحمل معها فرصًا جديدة لإحداث اختراق في قضايا معقدة كالتهدئة الأمنية ورفع الحصار عن غزة.
وتجري هذه المفاوضات بوساطة عدة أطراف دولية، بما في ذلك مصر وقطر، الذين يسعون للعب دور الوسيط في محاولة لتجاوز الانسداد السياسي وتحقيق تقدم ملموس، لكن يبقى السؤال الأهم، هل يمكن لهذه المفاوضات أن تساهم في بناء أساس لسلام دائم، أم أنها مجرد محطة أخرى في رحلة صراع مستمر؟
وفي هذا السياق، يوضح المحلل السياسي الدكتور سمير أيوب وجود نوعين من الأعداء في إسرائيل، مشيرًا إلى أن "العدو التلمودي" ليس مجرد صهيوني أو إسرائيلي، بل هو من يتبع تعاليم التلمود الذي يدعو إلى القتل والدمار، حيث يتم توجيه العنف ضد النساء والأطفال، مع رؤية تفوقية ترى أن الكون كله خدمًا لهم.
وأضاف أيوب خلال حديثه لـ"الأنباط" وبالاضافة الى الفئة التلمودية، التي تضم المتعصبين الذين ينتمون إلى تيار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فيما الثانية هي الفئة التي قدمت إلى فلسطين لأسباب تجارية واستثمارية، حيث يرون في الأرض مكانًا للربح والفرص، أما الفئة الأخرى، فهي فئة المتعصبين الذين يعتقدون بأن هذه الأرض هي "أرض الميعاد"، وفي حال وقوع أي تهديد أمني، فإن أول من يهرب هم المستثمرون الذين يملؤون المطارات، بينما يبقى من يؤمنون بالقضية والمعتقدات الدينية في الأرض.
وتابع، أن التلموديين يستمرون باستخدام كل قوة ممكنة في الكون لصالحهم، لأنهم لا يعملون كأداة في يد أحد، بل هم من يسخرون جميع القوى لصالحهم، فعندما كانت بريطانيا القوة الاستعمارية التي لا تغيب عنها الشمس، حصلوا منهم على وعد بلفور، وعندما أصبحت أمريكا القوة العظمى بعد حرب السويس، وبالتحديد في مواجهة عبد الناصر وبورسعيد، تركوا البارودة البريطانية وتوجهوا نحو البارودة الأمريكية، مؤكدًا بأنهم يركبون موجة أي قوة صاعدة، ويستفيدون منها لتحقيق مصالحهم.
واليوم، نراهم يغازلون الهند، ويعملون على إنشاء خط يربط الهند بحيفا، إذ أن هذا هو الواقع الحالي، وبالتالي، فإن أي هدنة على الطريق ليست سوى "سلام مؤقت"، أو كما يقال "استراحة محارب"، وهي فترة راحة بين حربين، ولا أحد يعلم متى ستبدأ الحرب القادمة أو أين ستكون.
وأشار أيوب إلى حديث أحد المقاتلين لإحدى الأسيرات حين عبرت عن رغبتها في البقاء في غزة، أجابها: "نحن أعداء"، فردت قائلة: "إذا كان هناك طوفان ثاني، هل أنتظرك؟"، مبينًا بأن هذا الحوار يعكس بشكل واضح أن الطوفان الثاني قادم لا محالة، لكن لا أحد يعرف متى سيحدث أو أين، هل سيكون في غزة، الضفة الغربية، أم في لبنان؟
وأكد أن الاحتلال هو عدو دائم وأبدي، ولا يمكن لهذا الوطن أن يتسع لهم، إذ أن هذا هو الطموح الأساسي للعدو الصهيوني، أن يقطعوا المنطقة قطعة بعد قطعة، ويخضعوا الشعوب للقوانين التي يفرضونها، وقد تجسد ذلك في موافقتهم على تبادل الأسرى، وهو دليل على استعدادهم للانصياع لشروط معينة عندما تخدم مصالحهم.
وتساءل أيوب، هل هناك عدو في العالم كله يمكنه أن يفرض 62 حكمًا بالمؤبد على شخص واحد؟ موضحًا بأن هذا لا يحدث إلا إذا كان هذا العدو تلموذيًا، حيث تكون المعركة إما معهم أو ضدهم، حيث لا يمكن لفلسطين، الأردن، سوريا أو لبنان أن تكون أرضًا مشتركة لنا ولهم.
وأشار إلى أنه عندما ذهب الصهاينة إلى العراق، لم ينسوا "سبي بابل"، مما يعكس طبيعة العدو الذي لا ينسى ماضيه ويستمر في البحث عن تحقيق أهدافه، وأضاف أن هذا العدو قد يواصل توسيع نفوذه.
وذكر، في حرب بيروت عام 1982، عندما كانت المفاوضات في حالة "تعثر"، كان المفاوض الأمريكي فيليب حبيب يوجه الصهاينة بالقصف، حيث أنه عادة ما يستخدم القصف والقتال والتدمير كوسيلة لتهيئة الأجواء للمفاوضات، من منطلق مبدأ "المزنوق يلجأ إلى العصا".
واليوم، نجد أن نتنياهو في وضع صعب شعبيًا، وأفراد المقاومة يدركون أن الفرصة المتبقية هي في أيديهم الآن، لذلك يماطلون في تسليم الأسرى، رغم أنهم قادرون على تسليمهم دفعة واحدة، لذا، فإن العودة إلى القصف والقتال قد تكون واردة في أي لحظة إذا تعثرت المفاوضات.
كما يعتقد أيوب بأن نتنياهو في عجلة من أمره للتوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى بهدف تهدئة الشارع الإسرائيلي، لأنه قلق من احتمال إعادة اندلاع الحرب من الجبهة اللبنانية، خاصة بعد أن بدأ حزب الله في التعافي وتعزيز قدراته.
أما فيما يتعلق بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيعتقد أيوب أنه من غير المرجح أن يعارض استئناف الحرب، فترامب هو تاجر، وموقعه في أمريكا قوي، لكنه أيضًا يواجه خصومًا أقوياء، وبالنسبة لترامب، هناك مدرستان فكريتان، الأولى هي مدرسة الشركات العابرة للقارات، التي تأسست من خلال الأشرار والمجرمين، وأيضًا من خلال قتل السكان الأصليين، "الهنود الحمر"، وتشكيل دولة لم تكن أمة في البداية، بل كانت أرضًا استولى عليها المهاجمون الذين قتلوا أصحاب الأرض الأصليين وأقاموا دولتهم.
أما الثانية فهي "الدولة الخفية" التي تقود أمريكا، المتمثلة في CIA و FBI وكافة الأجهزة الأمنية، وهي في الواقع دولة الشركات الناهبة التي قادت العالم نحو العولمة، وسياسات المنظمات مثل " المناخ".
وأوضح أن ترامب جاء بمشروع مغاير، إذ يسعى لبناء "عظمة الأمة الأمريكية" وكأنه يعتقد أن أمريكا كانت تمتلك أمة أصلًا لتستعيد عظمة مفقودة، مشيرًا إلى أن ترامب يبدو وكأنه يسعى إلى بناء صنم كالعرب قديمًا، ويحاول أن يخلق "الأمة الأمريكية"، بينما الحقيقة هي أنه لا توجد أمة أمريكية بالمعنى الذي يروج له.
وبين أن ترامب قادم بعقلية الانتقام، ويحاول استهداف "الدولة العميقة"، إذ قام بإلهاء الإعلام بالحديث عن مواضيع مثل "بالما"، "جرينلاند"، "كندا"، و"فلسطين" لتشتيت الأنظار، بينما بدأ ضرب الأجهزة الداخلية في أمريكا من خلال قرارات مثل فصل المثليين وتخفيض عدد الموظفين، في محاولة لتفتيت دولة الشركات أو "الدولة العميقة"، لكن هل سيستطيع تنفيذ هذا المشروع؟
من جانب آخر، يرى المحلل السياسي الدكتور محمد الطماوي أن المرحلة الحالية من المفاوضات تكشف عدة جوانب معقدة تشير إلى عدم الاستقرار في إمكانية التوصل إلى تسوية شاملة، فحماس، على الرغم من الموافقة على تشكيل لجنة وطنية لإدارة غزة، تظل مشككة في فعالية الهدنة المؤقتة، والحركة لا ترغب في تقديم تنازلات دون ضمانات حقيقية على الأرض، خاصة أن تاريخ الهدن المؤقتة مع إسرائيل لا تعطي نتائج ملموسة، في هذا السياق، تعكس موافقة حماس على تشكيل اللجنة محاولة لإظهار استعدادها للتفاوض مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، ولكن من دون التفريط في استراتيجيتها الأمنية في غزة.
وأضاف، ل "الأنباط"، أن زيارة الوفد الإسرائيلي إلى الدوحة تمثل خطوة دبلوماسية هامة، فهي تعكس دور قطر كوسيط رئيسي في المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وخصوصًا مع حماس، موضحًا بأن قطر تعتبر من أكبر الداعمين لحركة حماس، وبالتالي فإنها تتمتع بقدرة على التأثير على الحركة، ومع ذلك، لا يمكن للدوحة وحدها فرض حل شامل، فالأساس يكمن في توافق الفصائل الفلسطينية المختلفة حول رؤية موحدة، وهو أمر يبدو صعبًا في ظل الانقسامات الحالية.
وبين أن موافقة حماس على تشكيل لجنة وطنية لإدارة غزة، يعكس استعدادًا للمشاركة في حوار داخلي لحل القضايا العميقة التي تواجهها الأراضي الفلسطينية، ولكن، يبقى السؤال المحوري، من سيشغل هذه اللجنة؟ وهل ستكون قادرة على تقديم رؤية استراتيجية موحدة لجميع الفصائل؟ إذ أن هذه المسألة مرتبطة بشكل وثيق بإجراء الانتخابات العامة في فلسطين، وهي عملية لا تزال محاطة بالكثير من التعقيدات السياسية، واستمرار الانقسام بين حركتي فتح وحماس يشكل عقبة كبيرة في هذا الصدد.
ومن غير المرجح أن تكون هذه المفاوضات بداية لسلام طويل الأمد في غياب حلول جذرية للمسائل الأساسية التي لم تجد بعد طريقًا للتسوية، قضايا مثل الوضع الفلسطيني في الضفة الغربية، حق العودة للاجئين، الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ومستقبل القدس، لا تزال تشكل جوهر الأزمة، وبالتالي، أي اتفاق قد يتم التوصل إليه في الدوحة أو أي محفل آخر، لن يكون سوى بداية لمرحلة جديدة من الصراع المتجدد ما لم يتم تناول هذه القضايا الجوهرية.
وأشار الطماوي إلى إمكانية اقتراح تشكيل حكومة فلسطينية واحدة تضم جميع الفصائل الوطنية، بما في ذلك حماس وفتح، بحيث تعمل هذه الحكومة على توحيد الرؤية السياسية، واتخاذ خطوات فعالة نحو الانتخابات العامة التي تشمل كل المستويات الوطنية والرئاسية، هذا التوحد سيزيد من قدرة الفلسطينيين على التفاوض مع إسرائيل بشكل أقوى وأكثر فعالية.
ولفت إلى أنه لا يمكن أن تكون المفاوضات شاملة وذات مصداقية إلا إذا كانت هناك ضغوط دولية على إسرائيل للقبول بحل عادل، في هذه المرحلة، يجب على المجتمع الدولي، وبالأخص على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن يمارسوا ضغوطًا حقيقية على إسرائيل لتقديم تنازلات تتعلق بالاستيطان في الضفة الغربية، وحقوق اللاجئين الفلسطينيين، ووقف هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، هذه الضغوط يجب أن تذهب أبعد من مجرد الدعوة للهدنة المؤقتة.
وأوضح أن إعادة إعمار غزة يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من أي اتفاق طويل الأمد، ينبغي أن يتم ذلك تحت إشراف دولي، مع ضمانات لفتح المعابر وتوفير المساعدات الإنسانية بشكل مستمر، لا يمكن أن تقتصر هذه المفاوضات على التوصل إلى هدنة عسكرية، بل يجب أن تشمل خطة شاملة لإعادة بناء القطاع بشكل يحقق تطلعات السكان ويحسن من مستوى حياتهم.