جيران سورية في عمّان: من سياسات رد الفعل إلى الاشتباك والتأثير

أحمد الضرابعة
مع دخول سورية نفق المرحلة الانتقالية، وتصاعد أعمال العنف الداخلي في بعض مناطقها، إلى جانب استمرار المحاولات الإقليمية لتأجيج الصراعات الطائفية بين مكوناتها الوطنية، لا يمكن للدول المجاورة لها أن تكتفي بمراقبة الوضع السوري ورصد تطوراته، أو الاستجابة له في إطار رد الفعل، ومن هنا، يكتسب اجتماع دول الجوار السوري الذي عُقد في الأردن أهميته الاستراتيجية؛ فهو يؤسس لتفاعل عربي - تركي يعيد رسم خارطة النفوذ في الجغرافيا السياسية السورية، ويدفع كلًا من إيران وإسرائيل لإعادة حساباتهما في الملف السوري.
من المؤكد، أن الدول الخمس، المشاركة في اجتماع عمّان، تُدرك الخطأ الاستراتيجي الذي ارتُكب بعد سقوط النظام العراقي عام 2003، حيث لم يكن هناك خطة عربية لملء الفراغ الناتج عن سقوطه، وهو ما سهّل على إيران استغلال ذلك، ليصبح العراق حديقة خلفية لها منذ ذلك الحين. يُشبه الأمر إلى حد كبير، السياسة التي تتبناها إسرائيل تجاه سورية منذ سقوط نظام الأسد، حيث تعمل على تركيز ثقلها العسكري في المناطق الجنوبية منها، والسيطرة على منابع المياه، وهو ما يمنح ميزة استراتيجية لمن يسيطر عليها، وبالتالي، فإن الأردن بتفاهماته الاستراتيجية مع تركيا، إلى جانب سورية ولبنان الجديدتين، تحاول منع تكرار التجربة العراقية في سورية.
أما عن مشاركة العراق في اجتماع دول الجوار السوري في عمّان، يمكن تفسيره سياسيًا بأنه محاولة أردنية لتحرير موقفه الخاضع لتأثير الحسابات الإيرانية الإقليمية؛ فالأردن مَعني بعودة العراق إلى العمق العربي، لما يمثله من وزن استراتيجي مهم.
إلى جانب ذلك، هناك العديد من التحديات الموروثة من عهد الأسَدين، والتي تشمل مكافحة الإرهاب، والتصدي لتهريب المخدرات والأسلحة، وهي من جملة التحديات التي تتطلب تنسيقًا وتعاونًا مشتركًا بين الدول التي تعاني منها، لمواجهتها.
كما أن الأردن تأثر بشكل خاص بسبب الأزمة السورية، من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية، والتي لا يمكنه التغلب عليها إلا بإيجاد خطة عربية تضمن تعافي سورية، والحفاظ على وحدتها وإشاعة الاستقرار فيها.
ختامًا، يشكّل اجتماع عمّان مثالًا على مرونة الدبلوماسية الأردنية، وقدرتها على مواكبة التطورات الإقليمية، وعدم انتظار النتائج والتكيف معها، بل العمل على التأثير فيها بما يخدم الأمن القومي الأردني، وهذا يُحسب لها.