banner
كتّاب جهينة
banner

درس من قاضٍ كندي حول سوريا

جهينة نيوز -
د. أيوب أبودية
مَثُل عراقيان أمام قاضٍ كندي للفصل بينهما بشأن عراك حدث بينهما حول علي ومعاوية، فأمر القاضي استدعاء علي ومعاوية كشاهدين، فلمّا قيل له أنهما ماتا قبل أكثر من ألف عام، أمر بتحويل العراقيين إلى مشفى المجانين! 
المجازر ضد العلويين في الساحل السوري لن تولد سوى الحقد والدعوة للثأر المتبادل، فالمجازر تعد من أخطر الجرائم التي تشهدها الحروب والصراعات، فنحن ما زلنا نشهد المجازر ضد الفلسطينيين حتى الساعة ونندد بها؛ إذ تترك آثاراً مدمرة على الأفراد والمجتمعات على حد سواء. وفي السياق السوري، تعد المجازر الأخيرة ضد العلويين في الساحل السوري أحد الأمثلة البارزة على هذه الجرائم التي تهدد الاستقرار الاجتماعي وتساهم في توسيع دائرة العنف والانتقام وإعاقة تقدم الدولة. هذه المجازر ليست مجرد أعمال عنف عشوائية، بل تشكل أداة لتدمير النسيج الاجتماعي وخلق بيئة مشحونة بالحقد، مما يولد رغبات في الثأر ويؤدي إلى صراعات دائمة تهدد السلم الأهلي.
المجازر التي تعرض لها العلويون، بما في ذلك القتل العشوائي والتدمير، لم تقتصر فقط على الخسائر المادية والبشرية، بل ستحدث شروخاً عميقة في المجتمع السوري. إذ تؤدي هذه المجازر إلى خلق بيئة من الحقد والعداء بين الطوائف المختلفة. فالعائلات التي فقدت أبناءها في المجازر تكون أكثر عرضة للانخراط في دائرة الانتقام، مما يعزز مشاعر الكراهية ويؤجج النزاع. مثل هذه الجرائم تجعل عملية المصالحة بين الطوائف أكثر صعوبة وتزيد من فرص تجدد العنف. 
لقد أدنا جرائم الأسد المخلوع الهارب ونحمله المشاركة في المسؤولية عن هذه الجرائم، وندين اليوم جرائم العصابات غير المنضبطة التي دخلت الساحل السوري بأشد عبارات الإدانة، فالشعب السوري بكافة أطيافة كان ضحية النظام المخلوع، وما تكرار أفعاله الشنيعة هو توكيد على نجاحه في تفتيت فسيفساء الشعب السوري العريق.
إن المجازر لا تقتصر على سوريا فحسب، بل تكررت هذه الظاهرة في العديد من الصراعات في أنحاء مختلفة من العالم. ففي رواندا عام 1994، قادت المجزرة التي ارتكبها الهوتو ضد التوتسي إلى مقتل حوالي 800,000 شخص في فترة قصيرة. هذه المجزرة لم تترك فقط آثاراً نفسية على الناجين، بل أيضاً شكلت أرضاً خصبة لاستمرار الكراهية والانتقام بين الطائفتين، مما أدى إلى تمزق النسيج الاجتماعي في البلاد وخلق بيئة من العنف المستمر.
وفي البوسنة والهرسك خلال التسعينيات، شهد شرقي أوروبا مجزرة سربرنيتشا التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين البوسنيين تحت أعين الأمم المتحدة. هذه المجزرة تسببت في إحداث تصدعات عميقة في المجتمع البوسني، ولا تزال آثارها سلبية على علاقات التعاون بين المجموعات العرقية المختلفة في المنطقة. والأمثلة كثيرة من المجازر التي ارتكبت ضد الأرمن والشراكسة والأكراد والأزيدية وغيرهم.
إن المجازر ضد العلويين في الساحل السوري، مثلها مثل أي مجزرة أخرى في العالم، لا تقتصر على القتل والتدمير المادي فحسب، بل تشكل تهديداً حقيقياً للسلام المجتمعي في سوريا وبلاد الشام ومصر. إن تأثير هذه المجازر يمتد إلى الأجيال المقبلة، حيث يؤدي إلى نشوء مجتمع مليء بالحقد والانتقام، مما يصعب تحقيق السلام والعدالة في الشرق الأوسط. العالم بأسره قد شهد كيف أن المجازر تتسبب في تمزيق المجتمعات وتوليد الصراعات طويلة الأمد. لذا، يجب على المجتمع الدولي العمل على محاربة هذه الظاهرة، بدءا من جامعة الدول العربية، والضغط من أجل محاكمة المجرمين، ورفع الوعي حول أهمية العيش المشترك والمصالحة الوطنية. والذي لا يقل أهمية عن ذلك هو أنه يجب أن تتوقفوا الآن كي لا تقدمون أيها المتعصبون والمتطرفون مشروعية لمزيد من القتل والإبادة والتشريد في فلسطين.
تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير