أوكرانيا وأميركا.. ما هي قصة اتفاق المعادن؟

التاج: ثروات أوكرانيا المعدنية جعلتها محط أنظار العديد من الشركات العالمية
المجالي: اتفاقية المعادن ستعزز الاستقلالية الأمريكية في تأمين الموارد
الأنباط – ميناس بني ياسين
رغم ما تمتلكه أوكرانيا من ثروات معدنية هائلة، لم تفلح محاولات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في توقيع اتفاقية المعادن مع الولايات المتحدة، والتي كانت تهدف إلى استغلال الموارد الطبيعية النادرة في بلاده لتعزيز الصناعات الأميركية.
وتعد هذه الثروات التي تُقدَّر قيمتها بنحو 26 تريليون دولار، محط أنظار القوى العالمية، خاصة أنها تضم عناصر أساسية تُستخدم في التكنولوجيا المتقدمة، والصناعات الدفاعية، والطاقة المتجددة ومع ذلك، فإن غياب الاستثمارات والاستقرار السياسي حال دون استغلال هذه الثروات بالكامل، ما أضعف قدرة أوكرانيا على الاستفادة من كنوزها الطبيعية لتعزيز اقتصادها المنهك.
ولأن البيئة ومصادرها الطبيعية أصبحت اليوم بمثابة كنزٍ استراتيجي للدول، لم تعد الثروات المعدنية والموارد الطبيعية مجرد مواد خام، بل باتت تشكل أساسًا للاقتصاد الحديث وللصناعات المتقدمة فمع تصاعد التنافس العالمي على تأمين المعادن النادرة والموارد البيئية، باتت الدول تدرك أهمية استثمار هذه المصادر بطريقة مستدامة، تضمن تحقيق التوازن بين الاستغلال الاقتصادي والحفاظ على البيئة.
وتساهم هذه الموارد في تعزيز سيادة الدول واستقلالها الاقتصادي، فضلًا عن دورها المحوري في التحول نحو الطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتطورة، ما يجعلها أحد أهم العوامل المحددة لمستقبل الاقتصاد العالمي.
في هذا التقرير نستعرض الأسباب الحقيقية وراء فشل الاتفاق، وتأثيره على مستقبل الصناعات الأميركية، وانعكاساته على أسواق المعادن العالمية، إضافة إلى موقع الدول العربية في هذا السباق المعدني المحموم.
المعادن التي تسعى إليها أميركا
وأكد أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الهاشمية مصدوق التاج أن أوكرانيا تمتلك احتياطيات كبيرة من العناصر والمعادن النادرة والاستراتيجية التي تلعب دورًا مهمًا في الصناعات الحديثة؛ وجعلت هذه الثروات أوكرانيا محط أنظار العديد من الشركات العالمية وتقدر قيمة هذه الثروات بـ26 تريليون دولار، موضحًا أنها تتمثل في العناصر الأرضية النادرة (REEs - Rare Earth Elements) الثقيلة والخفيفة، حيث تمتلك أوكرانيا موارد غنية من العناصر الأرضية النادرة، والتي تشمل 17 عنصرًا مثل النيوديميوم، الديسبروسيوم، والسيريوم.
وأوضح أنه وفقًا لبيانات معهد الجيولوجيا الأوكراني، تمتلك أوكرانيا احتياطيات من العناصر الأرضية النادرة مثل اللانثانيوم، الإربيوم، والإتريوم، والتي تُستخدم في تطبيقات متنوعة بدءًا من أجهزة التلفاز والإضاءة وصولاً إلى توربينات الرياح وبطاريات السيارات الكهربائية، كما تشير البيانات إلى وجود احتياطيات من السكانديوم، المستخدم في صناعات الطيران.
وبين أن أوكرانيا من الدول الأوروبية التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الليثيوم، وهو عنصر أساسي في بطاريات الليثيوم أيون المستخدمة في السيارات الكهربائية والتكنولوجيا وتنتج 30% من الإنتاج الأوروبي، وتوجد رواسب الليثيوم في مناطق مثل زاباروجيا ودونيتسك. إضافة إلى التيتانيوم حيث تعتبر أوكرانيا من أكبر منتجي خامات التيتانيوم، ويساهم إنتاجها ب 7% من الإنتاج العالمي والتي تستخدم في صناعة الطيران، والصناعات العسكرية، والهياكل خفيفة الوزن وتوجد رواسب كبيرة في مناطق مثل دنيبروبتروفسك وخيرسون وزاباروجيا، والزركونيوم والذي يستخدم في المفاعلات النووية، وصناعة السيراميك، والسبائك المقاومة للحرارة ويتواجد في بعض رواسب التيتانيوم.
وتابع أن الجاليوم يستخدم في صناعة أشباه الموصلات وتعتبر أوكرانيا خامس منتج له في العالم، إضافة إلى الجرافيت وهو مكون أساسي في بطاريات السيارات الكهربائية والصناعات المتقدمة، تشير تقارير إلى أن أوكرانيا تمتلك حوالي 20% من موارد الغرافيت في العالم، مع احتياطيات تقدر بحوالي 19 مليون طن من الخام وتكفي الجرافيت إلى صناعة 20 مليون سيارة. إضافة إلى اليورانيوم حيث تعتبر أوكرانيا من الدول المنتجة له، وتستخدمه في تشغيل محطاتها النووية، والنيكل لـ صناعة الفولاذ المقاوم للصدأ والبطاريات، والكوبالت لـ صناعة البطاريات وتكنولوجيا الفضاء والطاقة المتجددة. وتنتج كذلك النحاس وتمتلك منه رابع احتياط في العالم بالإضافة إلى الزنك وترتيبها السادس في أوروبا والرصاص وترتيبها الخامس في أوروبا وكذلك المنجنيز المستخدم في صناعة الفولاذ وكذلك تنتج الماس وغاز النيون والحديد.
وأشار في حديثه إلى أنه لا تتوفر معلومات دقيقة حول الكميات الإجمالية للاحتياطيات من العناصر الأرضية النادرة في أوكرانيا، حيث لا تزال معظم هذه الموارد غير مستغلة بالكامل، وتحتاج إلى استثمارات كبيرة لتطويرها.
لماذا تُعتبر المعادن حيوية للصناعات الأميركية؟
وبين التاج أن المعادن والعناصر النادرة في أوكرانيا تُعتبر حيوية للصناعات الأميركية لعدة أسباب استراتيجية، أهمها؛ الأهمية في صناعات التكنولوجيا المتقدمة كتصنيع البطاريات المتطورة للسيارات الكهربائية، والأجهزة الإلكترونية، والصناعات الفضائية، والطبية.
وكذلك تعتبر مهمة لتقليل الاعتماد على الموارد الأجنبية وتقليل النفوذ الصيني، كذلك تعتبر هذه العناصر مثل التيتانيوم والزركونيوم واليورانيوم ذات أهمية بالغة في الصناعات العسكرية والدفاعية، إضافة إلى استثمار هذه الموارد يتيح للولايات المتحدة تأمين احتياجاتها وبالتالي، السيطرة على سلسلة التوريد للمعادن الأوكرانية تُعد خطوة مهمة في تعزيز الاستقلال الصناعي والتكنولوجي الأميركي، وتقليل الاعتماد على الخصوم الجيوسياسيين.
هل تمتلك دول الشرق الأوسط موارد مماثلة لهذه المعادن؟
وأوضح التاج أن دول الشرق الأوسط تمتلك موارد طبيعية مهمة، لكن تركيزها الأساسي كان على النفط والغاز أكثر من المعادن النادرة ومع ذلك، هناك احتياطيات من المعادن الاستراتيجية والعناصر الأرضية النادرة في بعض الدول، وإن كانت أقل استغلالًا مقارنة بأوكرانيا.
وأوضح أن السعودية تمتلك احتياطيات كبيرة من اليورانيوم (تُقدّر بنحو 90,000 طن) وفقًا لتقارير جيولوجية وتمتلك موارد من التيتانيوم، الليثيوم، والنيكل، خاصة في المنطقة الغربية، إضافة إلى الإمارات التي تركز على استخراج الألمنيوم والنحاس.
وأكد أن الأردن غني بالـيورانيوم، حيث يُقدّر الاحتياطي بحوالي 65,000 طن، وهو أحد أهم المصادر غير المستغلة في المنطقة كذلك موارد محتملة للفوسفات والزركونيوم، إضافة إلى مصر التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الرمال السوداء، التي تحتوي على التيتانيوم، الزركونيوم، والثوريوم وموارد من النحاس، الذهب، والحديد، والمغرب التي تملك أكبر احتياطي للفوسفات في العالم، وهو مصدر رئيسي للعناصر النادرة المشعة مثل اليورانيوم والثوريوم.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي حيدر المجالي أنه معظم القراءات والمؤشرات تقول أن اتفاقية المعادن ستعزز الاستقلالية الأمريكية في تأمين الموارد لأنها ستُسهم في زيادة الإنتاج المحلي وستؤدي إلى تنويع مصادر الحصول على المعادن وتتضمن كذلك الإتفاق المعلوماتي حيث تتضمن فيها تبادل التكنولوجيا والمعرفة التي تعزز من استخراج المعادن بشكل أكثر كفاءة وتكاليف أقل.
إضافة إلى تأمين سلاسل التوريد ما يقلل من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على دول أخرى، أما بالنسبة للوضع الآن للسوق الأمريكي، فإن أمريكا تعتمد بشكل كبير على استيراد المعادن من الصين ودول اخرى، موضحًا أن هذه الاتفاقية ستفيد امريكا كثيرًا، لا سيما وأن التقديرات تشير إلى أن أميركا تستورد نحو 90% من بعض المعادن النادرة التي تحتاجها من الصين، بحسب المجالي.
وأشار إلى أن الاتفاقية تتعلق بالتجارة البيانية وتتعلق بالتجارة الدولية وهي تتضمن تنظيمًا لتجارة المعادن مثل الذهب والفضة والبلاتين والنحاس، والمعادن التي تملكها أوكرانيا إضافة إلى الغاز الطبيعي والنفط والطاقة المتجددة، والتربة الخصبة والموارد الطبيعية.
وتابع "أمريكا وضعت عينها على تلك المعادن منذ فترة وليس فقط أيام إدارة ترامب كما يعتقد البعض"، لذا تتضمن هذه التفاقية التعاون فيما بين البلدين في موضوع التعديل، والذي يعتبر إحدى الصناعات المتقدمة والتي يقوم عليه الاقتصاد الأوكراني ما يعني العديد من مظاهر الاستثمار.
وأكد المجالي أن الاتفاقية المزمع توقيعها بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في قطاع المعادن ستجذب استثمارات أمريكية كبيرة، ما يعزز من تطور قطاع التعدين في أوكرانيا، موضحاً أن التكنولوجيا الحديثة ستلعب دورًا محوريًا في تقليل التكاليف، وتسريع عمليات الإنتاج، وزيادة الكفاءة، وهو ما سينعكس إيجابيًا على الاقتصاد الأوكراني.
وأشار المجالي إلى أن الاتفاقية ستوفر تدفقات مالية كبيرة لأوكرانيا، مما يساهم في دعم اقتصادها، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد كما ستعزز الاتفاقية البحث والتطوير من خلال إنشاء مراكز متقدمة لتحليل التربة والمعادن، مما سيعود بالنفع على كل من أوكرانيا والولايات المتحدة.
التأثيرات الدولية لاتفاقية المعادن
وأوضح المجالي أن هذه الاتفاقية سيكون لها تداعيات على الاقتصاد الدولي، من أبرزها، تعزيز الاستثمارات الأجنبية في قطاع التعدين الأوكراني، مما سيؤدي إلى تطور هذا القطاع وزيادة إنتاج المعادن، واستقرار الأسعار بين البلدين، حيث ستساهم الاتفاقية في ضبط العرض والطلب على المعادن الأساسية مثل الألمنيوم، والنيكل، والحديد، وتعزيز سلاسل الإمداد العالمية، مما سيؤدي إلى استقرار إمدادات المعادن الضرورية للصناعات المختلفة.
إضافة إلى زيادة القدرة التنافسية للشركات الأوكرانية، إذ ستتمكن الشركات العاملة في قطاع التعدين من التوسع والنمو، مما يمنحها قدرة أكبر على المنافسة في السوقين الأوروبي والعالمي، والتأثيرات البيئية، حيث من المحتمل أن يؤدي ازدياد عمليات التعدين إلى ارتفاع استهلاك الطاقة وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما قد ينعكس سلبًا على البيئة والتغير المناخي.
وأضاف المجالي أن هذه الاتفاقية قد تشكل نقطة تحول في سوق المعادن العالمي، إذ ستساهم في تحقيق استقرار اقتصادي ونمو مستدام لكل من الولايات المتحدة وأوكرانيا، كما ستؤثر على أسعار المعادن على المدى القصير والطويل، في ظل التوترات الجيوسياسية والحرب المستمرة في أوكرانيا .
تأثير الاتفاقية على الدول العربية
وفيما يتعلق بانعكاسات الاتفاقية على الاقتصاديات العربية، أوضح المجالي أن هذه الشراكة ستؤثر على الدول العربية من عدة جوانب، منها البحث عن شراكات جديدة، إذ ستدفع الاتفاقية الدول العربية إلى تعزيز علاقاتها مع أسواق بديلة للحفاظ على مكانتها في قطاع التعدين والطاقة.
لماذا لا توجد اتفاقيات عربية مشابهة؟
وفي رده على تساؤل حول غياب اتفاقيات مشابهة بين الدول العربية، أوضح المجالي أن هناك استثمارات عربية قائمة في قطاع المعادن، مثل استثمار البوتاس في الأردن، وشركة "ألبا" لإنتاج الألمنيوم في البحرين. ومع ذلك، فإن هناك عدة عوامل تعيق التعاون العربي في هذا المجال، من أبرزها ضعف البنية التحتية اللازمة لتطوير قطاع التعدين في بعض الدول العربية و التنوع الاقتصادي، حيث تسعى العديد من الدول إلى تقليل الاعتماد على النفط والغاز، مما يؤثر على تعاونها في مجال التعدين، والتحديات السياسية، التي تؤثر على استقرار الاستثمارات المشتركة بين الدول العربية، وضعف الوعي بالقيمة الاستراتيجية للمعادن، حيث تلعب المعادن دورًا أساسيًا في صناعات حيوية مثل النقل، والطيران، والتكنولوجيا، والإلكترونيات، والطب، إضافة إلى غياب التنسيق السياسي مما يضعف فرص التعاون الاقتصادي العربي في قطاع المعادن.
وأكد المجالي أن الدول العربية تمتلك ثروات معدنية هائلة، حيث تمتلك السعودية احتياطات كبيرة من الذهب والفضة والفوسفات والنحاس، بينما يزخر الأردن بمناجم البوتاس والفوسفات، وتتمتع مصر بمناجم الذهب، في حين تعد الإمارات مركزًا رئيسيًا لتجارة المعادن، وتتوفر في عُمان احتياطات من النحاس والكروم. لكنه شدد على أن تحقيق التكامل الاقتصادي العربي في هذا القطاع يتطلب تنسيقًا سياسيًا قبل أي خطوات اقتصادية.