كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على العالم العربي؟

الزعبي: المملكة نجحت في التعامل مع هذه الأزمة بمرونة
الطماوي: تأثيرات الحرب انقسمت بين متضرر ومستفيد
الأنباط – مي الكردي
بعد مرور 3 أعوام على الحرب الروسية الأوكرانية، يستحضر المشهد الصحفي التأثيرات الاقتصادية التي طالت إمدادات الطاقة والغذاء جراء الحرب، باعتبار الأطراف المتنازعة أكبر المصدرين في قطاع القمح، في وقت تعتبر أوكرانيا المورد الرئيسي لـحوالي 50% من زيت دوار الشمس.
الحرب البعيدة عن منطقة الشرق الأوسط خلقت واقعًا مُتضاربًا في المنطقة بين رابح وخاسر، حيثُ ساهمت الصادرات النفطية لدول مجلس التعاون الخليجي في زيادة الإيرادات النفطية جراء ارتفاع الأسعار عالميًا، ما ساهم في تعزيز احتياطاتها النقدية وتمويل مشاريع تنموية، على غرار ذلك عانت إفريقيا ومصر واليمن وبعض من دول الشرق الأوسط من ويلات الحرب دون مبرر نتيجة لارتفاع الأسعار وكلف الإنتاج والشحن.
ومع اتساع رقعة التأثير في المنطقة العربية نجح الأردن في التعامل مع الأزمة العالمية، والحد من انعكاس تفاقم الأسعار العالمية التي طرأت على القمح من خلال تأمين مخزون يكفي لمدة تتراوح بين 12 إلى 14 شهرًا، الأمر الذي حال دون ارتفاع الأسعار.
وقال الخبير الغذائي الدكتور فاضل الزعبي، إن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت بشكل كبير على الأمن الغذائي العالمي، خصوصًا فيما يتعلق بإمدادات الحبوب، القمح، والزيوت النباتية، حيثُ أدى ذلك إلى اضطراب إمدادات الحبوب والقمح من روسيا وأوكرانيا اللذان يُعدان أكبر المصدرين، مُبينًا أن الدولتان معًا تُشكلان أكثر من 25% من صادرات القمح العالمية، في وقت تعد به أوكرانيا موردًا رئيسيًا للذرة والشعير ما أدى إلى إغلاق الموانئ الأوكرانية في الأشهر الأولى من الحرب إلى نقص في الإمدادات العالمية وارتفاع الأسعار.
وبين أن أوكرانيا تُعد موردًا رئيسيًا لزيت دوار الشمس، حيث تصدر أوكرانيا حوالي 50% من زيت دوار الشمس العالمي، وحينما توقفت الصادرات بسبب الحرب، ارتفعت أسعاره بشكل حاد وازداد الطلب على البدائل التي لم تكن كافية مثل زيت النخيل وزيت الصويا، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها أيضًا، خاصة مع قيود التصدير التي فرضتها إندونيسيا على زيت النخيل لفترة وجيزة.
ولفت الزعبي إلى أن الحرب أدت إلى ارتفاع أسعار القمح بنسبة تجاوزت 50% في بعض الفترات، ما أثر على الدول المستوردة، خاصة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مُضيفًا زيادة تكاليف النقل والتأمين بسبب المخاطر في البحر الأسود، وارتفاع تكلفة التأمين والشحن، مما زاد من أسعار المواد الغذائية عالميًا.
وذكر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الدول الفقيرة والمستوردة للغذاء فكان الشرق الأوسط وإفريقيا الأكثر تأثرًا حيثُ تعتمد دول مثل مصر، لبنان، واليمن على القمح الأوكراني والروسي، واضطرت إلى البحث عن بدائل بتكلفة أعلى، ما أدى إلى ارتفاع عدد الأشخاص المهددين بالجوع بسبب ارتفاع الأسعار، خاصة في الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية أو تعتمد على المساعدات الغذائية.
وبين أنه مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت الأسواق العالمية بالبحث عن بدائل لتأمين الحبوب والزيوت النباتية بأسعار أقل وتقليل الاعتماد على روسيا وأوكرانيا، حيثُ تنوعت البدائل بين زيادة الإنتاج المحلي في بعض الدول، والتوسع في استيراد الحبوب والزيوت من مناطق أخرى، مُشيرًا إلى أن الهند حاولت تعويض النقص في الأسواق عبر زيادة صادراتها من القمح، لكنها فرضت قيودًا لاحقًا بسبب موجات الجفاف التي ضربت إنتاجها، فيما توجهت الولايات المتحدة وكندا إلى تعزيز صادراتهما إلى الدول التي تعتمد على القمح الروسي والأوكراني، مثل مصر وشمال إفريقيا.
وعلى صعيد الزيوت أوضح الزعبي أن بدائل الزيوت النباتية كانت من إندونيسيا وماليزيا مثل زيت النخيل ورغم فرض إندونيسيا قيودًا مؤقتة على التصدير، إلا أن زيت النخيل أصبح بديلًا رئيسيًا في ظل ارتفاع أسعار زيت دوار الشمس الأوكراني.
ولفت إلى أن البدائل توجهت إلى الاستثمارات في الإنتاج المحلي وخاصة الدول المستوردة الكبرى، مثل مصر والجزائر، حيثُ زادت مخزوناتها الاستراتيجية من القمح وسعت إلى دعم المزارعين المحليين لتقليل الاعتماد على الواردات، مُبينًا أن المملكة العربية السعودية والإمارات استثمرتا في زراعة القمح والزيوت في إفريقيا وأمريكا الجنوبية لضمان أمن غذائي أكثر استدامة.
ووصف الزعبي تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الأردن بغير المباشر، حيث لم يكن التأثير مباشرًا كما حدث في بعض الدول الأخرى، لكنه انعكس بشكل واضح على أسعار السلع الأساسية، خاصة القمح والزيوت النباتية، نتيجة ارتفاع تكاليف التأمين والشحن والتغيرات في الأسواق العالمية.
ولفت إلى أن الأردن يستورد حوالي 95% من احتياجاته من القمح، وكان يعتمد بشكل كبير على رومانيا وروسيا كمصدرين رئيسيين، ومع اندلاع الحرب ارتفعت أسعار القمح عالميًا بنسبة تجاوزت 70% في بعض الفترات، مما أدى إلى زيادة كلفة الاستيراد وتأثير ذلك على الأسعار المحلية، مُشيرًا إلى أن الأردن نجح في تأمين احتياجاته عبر تنويع مصادر الاستيراد، حيث لجأ إلى استيراد القمح من الولايات المتحدة، وهو ما ساعد في الحد من تداعيات الأزمة.
وأكد الزعبي على أن الأردن تمكن رغم التحديات من إدارة الأزمة بفعالية عبر إجراءات منها تعزيز المخزون الاستراتيجي، حيث حافظت الحكومة على مخزون من القمح يكفي لمدة تتراوح بين 12 إلى 14 شهرًا، مما ساعد في تقليل تأثير الارتفاع المفاجئ في الأسعار، إضافةً إلى تنويع مصادر الاستيراد ودعم أسعار الخبز والمواد الأساسية، لافتًا إلى أن الحكومة استمرت في دعم أسعار الطحين للمخابز، مما حال دون ارتفاع أسعار الخبز على المواطنين، كما وقدمت الحكومة مساعدات مالية للأسر المتضررة من ارتفاع الأسعار.
وأنهى حديثه بتسليط الضوء على نجاح المملكة في التعامل مع هذه الأزمة بمرونة وفاعلية رغم التأثيرات غير المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية على الأردن، حيث نجحت في الحفاظ على استقرار المخزون الغذائي، تنويع مصادر الاستيراد، ودعم الأسعار الأساسية.
بدوره، يوضح المحلل السياسي الاقتصادي الدكتور محمد الطماوي، أن الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت في فبراير 2022، أدت إلى اضطرابات اقتصادية عالمية ملحوظة، باعتبار روسيا وأوكرانيا من أكبر منتجي السلع الأساسية، حيثُ تسببت النزاعات في انقطاعات في سلاسل الإمداد، ما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة والمواد الغذائية، مُشيرًا إلى أن أسعار القمح شهدت ارتفاعًا ملحوظًا نظرًا لأن البلدين يسهمان بنسبة كبيرة في صادرات القمح العالمية.
أما في منطقة الشرق الأوسط يرى المحلل السياسي الاقتصادي، أن التأثيرات انقسمت على صعيدين متضرر ومستفيد، حيثُ تأثر الأردن ومصر ولبنان سلبًا، لأنها من الدول المستوردة للنفط والمواد الغذائية من روسيا وأوكرانيا ما سبب بدوره ضغوطًا اقتصادية نتيجة ارتفاع تكاليف الاستيراد، أما على الجانب الآخر يُشير إلى أن الدول المصدرة للنفط مثل دول مجلس التعاون الخليجي استفادت من ارتفاع أسعار النفط، ما عزز إيراداتها النفطية وساهم في تحقيق فوائض في ميزانياتها.
وأوضح أن ارتفاع أسعار النفط عالميًا يؤدي إلى زيادة تكاليف النقل والشحن، حيثُ تعتمد سفن الشحن والطائرات والشاحنات على الوقود الذي يشكل جزءًا كبيرًا من تكاليف التشغيل، لافتًا إلى أنه مع ارتفاع تكاليف الشحن، ترتفع أسعار استيراد المواد الخام والسلع الغذائية، مما يؤدي إلى زيادة أسعار المنتجات النهائية التي تصل إلى المستهلكين، وبالنسبة للدول التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد، مثل العديد من دول الشرق الأوسط، تسبب هذا في تضخم أسعار السلع الأساسية، ما أثقل كاهل الأسر وأثر على القدرة الشرائية للمواطنين، وخلق تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة.
وأشار الطماوي إلى أن أسعار القمح العالمية شهدت ارتفاعًا ملحوظًا نتيجة التوترات الجيوسياسية، خاصة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، حيثُ ارتفعت العقود الآجلة للقمح في مجلس شيكاغو للتجارة بنسبة 5.7%، لتصل إلى حوالي 9.34 دولارًا للبوشل وهي وحدة القياس الخاصة بالحبوب أي بما يساوي 60 رطلًا ويعادل 27 كجم، وهو أعلى مستوى منذ يوليو 2021، مُبينًا أنه في مارس 2022، بلغت أسعار القمح ذروتها التاريخية عند 1350 دولارًا للبوشل، هذا الارتفاع السريع في الأسعار كان نتيجة المخاوف من تعطل الإمدادات، نظرًا لأن روسيا وأوكرانيا معًا كانتا تمثلان حوالي 30% من صادرات القمح العالمية قبل النزاع.
وتابع على صعيد أسعار النفط التي شهدت مع بداية الحرب ارتفاعًا حادًا حيث تجاوز سعر برميل النفط 120 دولارًا في مارس 2022، موضحًا أن هذا الارتفاع كان نتيجة المخاوف من نقص الإمدادات بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، ورغم ذلك بدأت الأسعار في التراجع تدريجيًا مع تكيف الأسواق وإيجاد مصادر بديلة للإمدادات، حتى نهاية عام 2024، حيثُ استقرت أسعار النفط عند متوسط 80 دولارًا للبرميل.
ولفت الطماوي إلى تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصادات الشرق الأوسط، التي ظهر الأثر بها بشكل مُتناقض نتيجة الحرب، ويأتي ذلك على اختلاف من يستورد النفط ومن يصدره، حيثُ حققت دول مجلس التعاون الخليجي فوائض مالية نتيجة زيادة الإيرادات النفطية، مما ساهم في تعزيز احتياطاتها النقدية وتمويل مشاريع تنموية، مُبينًا أن هناك تقارير تشير إلى أن هذه الدول سجلت نموًا اقتصاديًا ملحوظًا خلال عامي 2022 و2023 بفضل العائدات النفطية المرتفعة، خلافًا على ذلك شهدت دول مثل الأردن ومصر ولبنان ارتفاعًا في أسعار الطاقة والمواد الغذائية إلى زيادة معدلات التضخم.