banner
فن و مشاهير
banner

ساجدة الموسوي: بكيتُ العراق (قبح الواقع وجمال اللغة)

{clean_title}
جهينة نيوز -
سليم النجار
من أوّل وهلة، وتفادياً لأي اقتراب تقني نظري لقراءة نصوص الشاعرة ساجدة الموسوي، لديوانها المعنون (بكيتُ العراق) الصادر عن دار فضاءات للنشر- عمان، لا من تأطير مثل هذه التقنية النظرية ضمن اقتراب جمالي لنصوصها الشعرية.
هذه النصوص متباعدة ومتغايرة، بل حتى متلاطمة٠ وهي تعكس رؤيتها الشعرية وعدّتها البصرية، من حيث الصياغة وحتّى التوظيف كما نقرأ في قصيدتها (أفول الطّوفان):
"ما زلنا 
بابل تشرقُ ثانيةً بين منازِلِنا 
ما زلنا نمخرُ والموجُ يصارعُنا 
غيضَ الماءُ وبانَ النّخلْ
نوشكُ أنْ نَصِلَ البر ص١١).
ونجد هذا التّداخل السّردي في قصيدة "أفول الطّوفان" حيث تتنقل بين الصورة الشعرية والسّرد الشعر. وهكذا، تتناوب الصور الشعرية على شكل محكيات داخل القصيدة، وهذه التقنية نقرأها في قصيدة "تجلّيات" وافتتحت قصيدتها:
"وقالت أفيضي 
لأعرفَ منكِ الخفي 
والُمبينْ
تأمَّلتُها لحظةً... لحظتين 
ثمّ قلتُ: قليلٌ كلامي علَيًّ ص١٠٥".
هنا تداخل السّرد الشعري تأطيرا وتخيلا، فيصبح النّصّ الشّعري قصّة شعرية مع حوار مع الذّات، والبوح يصبح أداة توظيف للصّورة التي رسمتها الشاعرة الموسوي، التي تحاكي المتلقّي وتحذره من البوح في غير محله.
ولأنّ المشهد الشعري من حيث المبدأ لن يكفي في صياغة نصّ شعري، فسيجد نفسه في استنطاق المشاعر الغامضة التي تسدل بظلالها على الصّورة الشعرية، وهذا ما تقترب منه ساجدة، بل ذهبت إلى مونولوجات مختلفة، لنقرأ ما أبدعت في قصيدتها "لستُ أنسى"، التي قالت فيها:
"لست أنسى الفراق
ولذعتهُ ما تزالُ كما الجمرِ تكوي
لست أنسى الظَّلامَ الذي ظلَّ الَحضاراتِ يهوى 
وتلك الجيوش التي عسكرت في المدائن تعوي ص٧٠".
الشاعرة في المونولوجات التي وظفتها لا تتصنّع إشارات هنا غمزاً ولمزاً، فهي لا تتحدّث عن أشخاص أو أفكار مكرّرة، بل ترسخ فكرة أنّ التاريخ صنيعة الحضارة، وصَورت مشهدًا مختصرًا بمقاربة (الَحضاراتِ - وتلك الجيوش ص ٧٩)، تجاوزت الصورة الشعرية النمطية لفكرة الحصارة ووضعتها أمام إشكالية قيمية اجتماعية سياسية، هل الحضارة نتاج الجيوش أم نتاج جهد الإنسان؟ سؤال إشكالي حاولت الموسوي الإجابة عنه شعراً: 
(رأيت العراقَ بآخر الوداعْ كأنَّ أبًا كتّفوهُ وشدّوا عيونَهْ
ثم قاموا بذبحِ بنيه أمامهْ
واحداً واحداً ص٨٠).
هذه الصورة الشعرية ما هي إلّا استهلال لهذه الثقافات التي تُبيح الذبح على أنّه عمل إنساني! أليست هذه الأفعال أفعال إمبراطورية الإكراه. وبدت هذه الصورة الأخيرة، وما تزال حتّى اليوم.
وفي قصيدة "ليلةُ تشيع الغريبةِ عدالة"، اتّسمت قصيدتها بنزوعها التّحليلي والرصدي، وتطلّعها لمقارنة سوسيولوجية تاريخية لموضوع العدالة، "ووحشةٌ كوحشةِ القطارِ في خطةٍ مهجورةٍ ص١١٩"، وتحت تأثير الأزمة الأخلاقية التي يعاني منها عالمنا المعاصر، صاغت الموسوي نصها على الشكل الآتي": 
"وكيف إنْ مضت ستستقيمُ بعدها الحياة
تبت حياةٌ دونها "ص١٢٠
لم تحصر الشاعرة بتوثيق الأحداث بحثا وتحقيقا، وتكسير الأزمنة، وتنويع الفضاءات الشعرية، وتخريب المعمار السردي الشعري، وتحريض النص الشعري على سلطة الشاعرة، بل فعلت كلّ ذلك وشكّلت بنوراما محتدمة بالصراعات. لشدّ ما تستهويها قسوة الأمكنة، ويكبّله تشرذم الأزمنة وتداخلها كما فعلت في قصيدتها "قيل ليلى.. تموت"، إذ تنشد: 
" يئن: عراقٌ.. عراقٌ.. عراقٌ 
على مَن يئن..
فليلى هناكُ بأرضٍ العراقِ تموت 
ولا يُداوي 
ولا مَنْ يُضمّدُ جرحً الحبيب" ص٢٣
لكتابة بلسان التراث فيه من المخاطر، خاصّة إذا كان الشعر، الموسوي استطاعت تجاوز هذه المحاذير، لأن هناك رؤى لتراثنا متعدِّدة ومتناقضة لدرجة العدم، فوظِّفت الذكرى كحالة إنسانية اعتمدت على ثلاث نقاط: 
-١- الذكرى كصورة استرجاعية تكشف قسوة النكران.
-٢- صورة الواقع رصدتها الشاعرة كما هو لا كما تتمنها.
-٣- رصد سيرة رحالة باحث عن الحقيقة.
أنهى كتابة السطور الأخيرة لقراءة ديوان الشعر للشاعرة ساجدة الموسوي... وأنا أستنشق مرارة هواء لاسع... الشّمس حارقة تتسكّع بين نصوص الموسوي، وتصطاد سراب الظّلّ، لعلّها تتوقّف عن البكاء، فالعراق شمس حارقة وعنيد مكابر نخيله سيكتب تاريخاً لم يكتب بعد.
تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير