banner
أخبار محلية
banner

الصحافة الورقية.. بين مطرقة الأزمات المالية وسندان التطور الرقمي

{clean_title}
جهينة نيوز -
القبلان: ضرورة إذابة العوائق التي تواجه الصحافة المطبوعة

حسني: العرف الصحفي يقتضي المتابعة للحدث بتقارير معمقة

الداوود: الصحافة الورقية لا تزال تحتفظ بأهميتها كمرجع موثوق

القضاة: الصحف فقدت مكانتها بسبب المحتوى المكرر وعليها تطوير نفسها

الأنباط - الاف تيسير


عرفت الصحافة العربية منذ ولادتها عبر التاريخ، بأنها السلاح الناعم الذي يستخدم للرقابة على أداء الحكومات، وحجر الأساس للبعد عن التضليل الإعلامي، والسند الحقيقي لمحاكاة معاناة المواطن، وإبراز القضايا الاجتماعية.
وفي الوقت نفسه ساندت الصحف الحكومات والأجهزة الأمنية، من خلال نشر الأخبار الرسمية الصحيحة وإطفاء الإشاعات، إضافة لتنقل وجهات النظر المختلفة حول القضايا المحلية والإقليمية.
كما ساهمت بتعزيز الوعي والهوية الوطنية وبمحاربة الشائعات والمعلومات المضللة، والوقوف على الركيزة الأمنية ودعم الاستقرار الوطني وتعزيز الأمن الفكري، من خلال نشر التوعية بالقوانين والتشريعات.
واليوم وبعد تغيرات مختلفة على الساحة الإعلامية، أمست الصحف الورقية في الأردن تواجه تحديات تهدد استمراريتها، ما انعكس سلبًا على دورها وتأثيرها.
وتبحث "الأنباط" هنا في الفجوة بين التجربتين الأردنية والعالمية، وتحلل العوامل التي ساهمت في نجاح الصحف الورقية في بعض الدول مقابل تعثر نظيراتها في الأردن.
ويعود هذا التراجع، وفق خبراء في الإعلام، إلى غياب استراتيجيات رقمية فعّالة، وعدم تحديث المحتوى ليتماشى مع متطلبات الجمهور الحديث، فضلًا عن اعتماد نماذج اقتصادية تقليدية غير مستدامة.
وعلى رغم التحولات الرقمية التي أعادت تشكيل المشهد الإعلامي العالمي، لا تزال الصحافة الورقية في الدول المتقدمة تحافظ على مكانتها من خلال تبني نماذج اقتصادية مبتكرة إضافة لتطوير محتوى تحليلي معمّق يجذب القرّاء والمعلنين.
محليًا، شهد المشهد الإعلامي تغييرات كبيرة، حيث اختفت بعض الصحف بسبب الإفلاس، بحسب خبراء، الذين بينوا أن صحيفة العرب اليوم كانت مصدر قلق وإقلاق للحكومات، لكنها لم تصمد أمام الأعباء المالية. فيما تحولت صحف أخرى إلى منصات إلكترونية مثل "السبيل" و"الديار".
وعلى الرغم من التحديات المالية، لا تزال بعض الصحف الورقية صامدة، ومنها "الرأي" و"الدستور" و"الغد" و"الأنباط" رغم الديون المتراكمة عليها، والتي تقدر بحوالي 28 مليون دينار على الرأي، الدستور 17 مليون، والغد بين 3 - 5 ملايين والأنباط بين 3 - 4 ملايين.
وقال رئيس لجنة التوجيه الوطني والإعلام النيابية النائب فراس القبلان لـ"الأنباط" إن لقاءً مرتقبًا سيعقد مع نقابة الصحفيين في القريب العاجل ويليه لقاء آخر مع مالكي الصحف الورقية، لافتًا إلى أن دعم الصحف من أولويات اللجنة، وقال "يختص اللقاء بالقضايا التي تقف عائقًا أمام الصحف الورقية والعمل على إذابة العوائق، والاستماع إلى التحديات التي تواجهها.
وأشار القبلان إلى أهمية الوقوف مع الصحف الورقية، والمواقع الإخبارية والفضائيات، مضيفًا أن أي مطلب محق من الصحف سيتم التعامل معه بجدية من قبل اللجنة، لافتًا إلى أن الصحافة الورقية تعد إرثًا تاريخيًا وطنيًا وتعمل لدعم الدولة والمواطن، مؤكدًا الحاجة لدعمها.
من جهته، بين الخبير بالشؤون البرلمانية الصحفي وليد حسني أن التحديات المالية التي تواجه الصحف الورقية هي الأبرز على الساحة الإعلامية، لافتًا إلى أن الأدوات الحديثة ساهمت في سرعة تداول الأخبار ووصلوها للجمهور وانتشارها في الفضاء الرقمي بالتالي أدت إلى إعلام تفاعلي وأحبه الجمهور فيما تقننت مهمة الصحف الورقية وضعف اهتمام الجمهور بها، لافتًا إلى أن عليها مسؤولية كبيرة وذلك بتطوير نفسها، لكي تصبح أكثر تأثيرًا، وبذلك تتحول إلى صحافة المضمون، التفسير، والاستقصاء، وأن تهتم بمتابعة ما بعد الحدث.
وبما يخص استدامة الصحف الورقية، أكد حسني ضرورة أن تُعيد تقييم نفسها، وتتوجه إلى تفسير الخبر والتحقيقات الاستقصائية وتدرب وتنتج صحفيين لدرجة الاحترافية.
وبالحديث عن شكل واستدامة الصحافة الورقية خلال الـ10 أعوام القادمة، توقع حسني أنه ليس من المتوقع أن تبقى حتى لـ5 أعوام إلا إذا طورت من نفسها.
ويرى رئيس قسم الاقتصاد الصحفي، عوني الداوود، أن تراجع الصحافة الورقية ليس مرتبطًا مباشرة بالتطور التكنولوجي، بل بعدم قدرة الصحف على التكيف مع هذا التطور، مؤكدًا أن العديد من الصحف العالمية استطاعت الجمع بين الوسيلتين الورقية والرقمية، وذلك ساهم في زيادة انتشارها وتعزيز إيراداتها، كما وأن الصحف الأردنية بحاجة إلى تطوير محتواها، والتركيز على تقديم تقارير تحليلية واستقصائية، بدلًا من نشر أخبار مكررة ومتداولة على المنصات الرقمية.
وبيّن الداوود أن الصحافة الورقية لا تزال تحتفظ بأهميتها كمرجع موثوق، حيث تؤكد الدراسات أن أكثر من 70 - 80% من المحتوى الذي تقدمه الفضائيات والإذاعات والمواقع الإلكترونية يستند إلى الصحافة الورقية، ولكن المشكلة تكمن في عدم تطوير الصحف لمحتواها، وعدم استثمارها في أدوات التكنولوجيا الحديثة لمواكبة متطلبات السوق الإعلامي الجديد.
وقال في حديثه لـ"الأنباط" إن الصحف الرئيسية في كل الدول تمتاز بالمصداقية، وعلى الصحف أن تستثمر مصادر قوتها والتركيز على المصداقية.
وبين الدوواد أنه من الصعب المقاربة بين الصحافة الورقية المحلية ودول أخرى، فعلى سبيل المثال، الصحف المصرية تعتمد على أكثر من مصدر للدخل، بينما الصحف الورقية الأردنية تعتمد في مصدر دخلها على الإعلان الحكومي والقضائي، داعيًا أصحاب الصحف إلى البحث عن مصادر دخل جديدة.
وأكدت دراسة أعدها معهد الإعلام الأردني عام 2022 أن الصحف الورقية فقدت مكانتها كمصدر رئيسي للأخبار، حيث يعتمد عليها 2% فقط من الأردنيين، في حين تصدرت القنوات التلفزيونية قائمة الوسائل الإعلامية الأكثر متابعة ومصداقية، واستندت الدراسة إلى عينة مكونة من 1800 شخص.
من جانبه، أكد عضو نقابة الصحفيين خالد القضاة، أن الصحف الأردنية تعاني من مشكلة حقيقية في المحتوى، حيث تعتمد على إعادة نشر الأخبار التي مرّ عليها أكثر من 24 ساعة، وخضعت للتحليل والتعليق في وسائل الإعلام الأخرى، وأضاف أن الصحف العالمية تحقق أرباحها من خلال استثمارها في كتّاب المقالات، والتقارير العميقة، والاستقصاءات، وهو ما تفتقده الصحف الأردنية التي لا تزال تعتمد على نموذج تقليدي قديم.

وأشار القضاة إلى أن الصحف الورقية يمكن أن تستعيد مكانتها إذا تحولت إلى مؤسسات إعلامية شاملة تمتلك أذرعًا مختلفة، مثل التسويق، والإعلانات، ومراكز الدراسات، ودور النشر والطباعة، إلى جانب تقديم محتوى متجدد ومتخصص يجذب القارئ.
ولتخفيف أزمتها، أوصى القضاة بتحولها إلى مؤسسات إعلامية شاملة، عبر تبني الأدوات الرقمية الحديثة وإنشاء مراكز تدريب ودراسات، إضافة إلى تطوير أقسام متخصصة في التسويق لجذب الإعلانات وتقديم منصات متعددة للمعلنين تتيح لهم التواصل الفعال مع جمهورهم.
وشدد القضاة على ضرورة أن يكون هناك اختلاف واضح بين النسخة الورقية والمحتوى الإلكتروني، بحيث لا يكون ما يُنشر ورقيًا صالحًا للنشر الإلكتروني بالصيغة ذاتها، نظرًا لاختلاف جمهور كل منصة، مشيرًا إلى أن سوق الإعلانات تراجع بشكل كبير، بسبب التدخلات الحكومية، مثل إلغاء اشتراكات المؤسسات الحكومية في الصحف الورقية، إلى جانب هيمنة سماسرة وسوق خفي على الإعلانات، ما أدى إلى استنزاف جزء كبير من إيرادات الصحف لصالح وسطاء يحتكرون السوق، ما انعكس سلبًا على المؤسسات الصحفية والعاملين فيها.
ورجّح القضاة أنه في حال لم تتحول الصحف الورقية إلى مؤسسات إعلامية متكاملة، فإنها ستواجه خطر التلاشي خلال العقد المقبل، لكنه أكد في الوقت نفسه أن المحافظة على النسخة الورقية مع تطوير محتواها وتنويع موادها سيضمن لها الاستمرارية والبقاء في سوق الإعلام المتغير.
وبين مطرقة الأزمات المالية وسندان التطور الرقمي، تجد الصحافة الورقية الأردنية نفسها في معركة من أجل البقاء في وقتٍ نجحت فيه الصحف العالمية في مواكبة التحولات الرقمية وتعزيز استدامتها، لا تزال الصحف الأردنية تحاول البحث عن هوية جديدة تتناسب مع متطلبات الجمهور الحديث، فالتحدي ليس في وجود الإنترنت، بل في القدرة على التطور وتقديم محتوى جذاب وعميق يميّزها عن سيل الأخبار المتدفقة عبر المنصات الرقمية.
وإذا لم تسارع هذه المؤسسات إلى تبنّي استراتيجيات رقمية فعالة، وتعتمد على الصحافة الاستقصائية والتحليلية بدلًا من تكرار الأخبار، فإنها ستجد نفسها أمام مصير محتوم، لكن في المقابل، يبقى الأمل قائمًا، فمن يملك القدرة على التغيير يمتلك فرصة النجاة، ومن يستثمر في جودة المحتوى سيظل حاضرًا في المشهد الإعلامي، سواء على الورق أو عبر الشاشة، الصحافة ليست مجرد أوراق تُطبع، بل صوتٌ للأمة ومرآة للمجتمع، والرهان اليوم على من يدرك ذلك ويحوّله إلى واقع جديد.

تابعو جهينة نيوز على google news
 
Email : info [at] johinanews.com
 
تصميم و تطوير