تعزيز السلم الأهلي في سوريا: خطوات الحكومة، التحديات، ودور المحاكمات العلنية في بناء الثقة
تعزيز السلم الأهلي في سوريا: خطوات الحكومة، التحديات، ودور المحاكمات العلنية في بناء الثقة
إعداد: الناشط الحقوقي محمود أبو زيد
بعد أكثر من عقد من الصراع السوري الذي أسفر عن انقسامات مجتمعية وانتهاكات جسيمة، تسعى الإدارة الجديدة إلى إعادة بناء النسيج الاجتماعي عبر تحقيق العدالة، المصالحة الوطنية، وضمان الأمن لكل مكونات المجتمع.
في هذا السياق، تلعب المحاكمات العلنية دورًا جوهريًا في تعزيز العدالة الانتقالية وبناء الثقة بين الدولة والمجتمع، ما يجعلها ركيزة أساسية في مسار السلم الأهلي.
وقد خاضت دول أخرى تجارب مشابهة في تعزيز العدالة بعد صراعات داخلية، أبرزها جنوب إفريقيا، رواندا، وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اعتمدت جميعها على المحاكمات العلنية كجزء من مسارها لتحقيق السلم الأهلي.
خطوات الحكومة لتعزيز السلم الأهلي
1.إطلاق الحوار الوطني الشامل
•اجتماعات حوارية شاملة:
أطلقت الحكومة برنامجًا للحوار الوطني يضم ممثلين عن كافة الطوائف، العشائر، الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني.
يهدف هذا البرنامج إلى كسر الحواجز بين المكونات المختلفة والاستماع إلى مخاوفها، مع العمل على حلول توافقية.
•مبادرات المصالحة المحلية:
تم تشكيل لجان مصالحة محلية في المناطق التي شهدت نزاعات حادة لتقريب وجهات النظر وحل النزاعات بشكل سلمي.
2.الإجراءات القانونية لمحاربة الانتقام وضمان العدالة الانتقالية
•تفعيل المحاكمات العلنية:
•تُظهر المحاكمات العلنية التزام الدولة بالشفافية والمصداقية في محاسبة المجرمين، خصوصًا المتورطين في الانتهاكات الجسيمة.
•تساهم في تعزيز الثقة بين الدولة والمواطنين عبر إظهار أن العدالة تُطبق دون تحيز أو استثناءات.
•تعويض المتضررين:
تعمل الحكومة على تقديم تعويضات مادية ومعنوية للضحايا وأسرهم كجزء من برامج العدالة الانتقالية.
•التعويض المادي:
إنشاء صندوق حكومي خاص لتعويض المتضررين عن الخسائر المادية التي لحقت بهم نتيجة النزاع، بما يشمل إعادة بناء المنازل المدمرة وتعويض الممتلكات المنهوبة أو المدمرة.
•التعويض النفسي والمعنوي:
توفير برامج دعم نفسي للضحايا، خاصة أولئك الذين تعرضوا لانتهاكات جسدية أو نفسية، ، لضمان اندماجهم في المجتمع مجددًا.
•إصدار العفو الجزئي:
يشمل الأفراد غير المتورطين في جرائم جسيمة، لتشجيعهم على العودة إلى الحياة الطبيعية والمساهمة في بناء المجتمع.
3.الحماية القانونية للأقليات
•إصدار قوانين تجرم التمييز:
تم إصدار تشريعات تضمن حقوق الأقليات وتعزز مشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية.
•تعزيز التمثيل السياسي:
يجب على الحكومة ضمان تمثيل الأقليات وأصحاب الخبرة في الحكومة، بما في ذلك تمثيلهم في المناصب الإدارية والتنفيذية. ومع غياب دور البرلمان في سوريا حاليًا، يجب أن تسعى الحكومة لتشكيل هيئات استشارية تمثل كافة المكونات الاجتماعية والعرقية والطائفية، بحيث يُعطى الفرصة لأصحاب الخبرات والكفاءات من الأقليات ليكونوا جزءًا من عملية صنع القرار الحكومي، بما يعزز من مشاركتهم ويقوي من ثقة المجتمع.
4.الحملات الأمنية ضد فلول النظام السابق
•تنفيذ ملاحقات مدروسة:
أطلقت السلطات حملات أمنية منظمة لملاحقة فلول النظام المتورطين بجرائم، مع الحرص على التمييز بين المتورطين والمواطنين العاديين.
•التنسيق مع المجتمع المحلي:
لضمان نجاح الحملات دون إحداث شرخ اجتماعي، اعتمدت الحكومة على التنسيق مع القيادات المحلية لضبط الفلول بشكل يراعي حقوق الجميع.
التحديات أمام تحقيق السلم الأهلي
1.مخاوف الانتقام وانعدام الثقة
•تعاني بعض الفئات من شعور عميق بالظلم والخوف من أعمال انتقامية، خاصة في المناطق التي شهدت انتهاكات جسيمة.
2.نشاط فلول النظام السابق
•استمرار بعض عناصر النظام السابق في العمل بالخفاء لإثارة الفوضى أو الانتقام من خصومهم.
3.خطابات الكراهية والانقسامات المجتمعية
•تروج بعض الجماعات خطابات كراهية تعمق الانقسامات المجتمعية وتقوض جهود المصالحة الوطنية.
4.تحديات اقتصادية وضعف الموارد
•الموارد المحدودة والبنية التحتية المتضررة تُعيق توفير الدعم اللازم لإعادة الإعمار وبناء السلم الأهلي.
دور المحاكمات العلنية في بناء الثقة وتحقيق العدالة
1.دروس من دول أخرى
•جنوب إفريقيا:
بعد إنهاء نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد)، أسست لجنة "الحقيقة والمصالحة”، التي تضمنت جلسات علنية لسماع شهادات الضحايا والجناة، مما ساهم في تعزيز السلم الأهلي.
•رواندا:
بعد الإبادة الجماعية في 1994، تم إنشاء محاكم شعبية ("غاتشاتشا”) التي أتاحت محاكمات علنية للمشاركين في الجرائم، بهدف كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.
•ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية:
عبر محاكمات نورمبرغ العلنية، تمت محاسبة المسؤولين عن الجرائم النازية، مما وضع أساسًا قويًا للعدالة الانتقالية وإعادة بناء الدولة.
2.أهمية المحاكمات العلنية في سوريا
•الشفافية والمصداقية:
تُظهر المحاكمات العلنية أن العدالة تُطبق بشفافية، مما يعزز ثقة المواطنين في النظام القضائي الجديد.
•توثيق الجرائم:
من خلال جلسات علنية، يتم توثيق الجرائم والانتهاكات بشكل رسمي وتاريخي.
•تقليل النزعات الانتقامية:
توفر المحاكمات العلنية مساحة للمجتمع لمتابعة العدالة بشكل قانوني، مما يحد من اللجوء إلى الانتقام الفردي.
•تعزيز التماسك الاجتماعي:
تُظهر أن القانون فوق الجميع، مما يساعد على تهدئة مخاوف الأقليات وضحايا الانتهاكات.
•الردع وإحقاق الحقوق:
ترسل المحاكمات العلنية رسالة واضحة بأن الجرائم لن تمر دون عقاب.
آليات تحقيق الحوار الوطني وخفض حالات الانتقام
1.التوعية المجتمعية:
•إطلاق حملات إعلامية تدعو إلى التسامح والعيش المشترك.
•تضمين مناهج تعليمية تعزز قيم المواطنة وحقوق الإنسان.
2.تشكيل لجان مجتمعية للمصالحة:
•تضم شخصيات مؤثرة تعمل على حل النزاعات المحلية بطرق سلمية ومنصفة.
3.إظهار الشفافية في العدالة الانتقالي