إبراهيم أبو حويله يكتب:"مصلحة دولتك هي العليا"
"مصلحة دولتك هي العليا"
ثباتك على الحق لا يعني بحال أنك ستنتصر اليوم، ولا يعني بحال انك قد ترى أثر هذا الثبات، ولكن الثبات على الحق يعني الكثير لمن حولك، ويغير الكثير فيمن حولك، ويصنع تلك المعجزات التي ستحدث لاحقا، الكل يراقب حتى الجلاد والسفاح والقاتل وذلك المجرم الذي يحمل السلاح.
يجب أن تأخذ الممكن وتطالب بعد ذلك بالممكن، حتى تصل إلى الذي لم نتفق عليه، لا يجب أن تتوقف هنا، وإلا ستبقى الأمور هنا على هذا الحال وبدأت المفاوضات، هذه كانت سياسة كسينجر التي أقنع بها الدول العربية، حتى تحاول ان تحصل على حقوقك أو جزء منها، ونحن ما زلنا نفاوض إلى اليوم، منذ تلك الإتفاقية او منذ أوسلو إلى اليوم. يعتبر هنري كسنجر ثعلب السياسة الأمريكية، ولعب على قضية توازنات القوى بين الدول، يجب أن تكون مستعدا للأسوء وتتوقعه، وتتعامل مع منهج المصلحة والواقع، وما يفرضه عليك تقبله، لا صديق هناك ولن يكون، مصلحة دولتك هي العليا، وصديق اليوم من الممكن أن يكون عدو الغد.
قال كسينجر (لن تستطيع دولة التفاوض مع سبع دول دفعة واحدة )، وهكذا وقعت الدول العربية ، دولة خلف دولة في فخ التفاوض مع اليه ود، هؤلاء الذين بعد أن أنقذهم الله من فرعون وأغرقه أمام أعينهم، سألوا نبيهم أن يجعل لهم إله يعبدونه غير الذي أنقذهم، وعليك ان تحاول التفاوض معهم دولة دولة، وما ستحققه من نتائج هو ورقة بيضاء فارغة. ورقة لا شيء على أرض الواقع، ولذلك وصلت معهم الولايات المتحدة أكبر حليف لهم معهم إلى قناعة كما فعل وايتكوف مع النتن ياهو الإجتماع السبت ونريد صفقة، وكما قيل لغيره وقع يا ابن الكلب وقع، وإذا لم تنفذ لن تأخذ بنسا ولا المساعدات.
وهذا كله نراه على أرض الواقع، هذه السياسة القائمة على هذا النوع من المصالح التي أصبحت مقدسة، والتحالفات التي تسعى إلى فرض السيطرة على الواقع، والتحكم بكل شيء أما الكلام والوعود ومجلس الأمن، فهو كما قالت تاتشر لنا نحن العرب.
وفي يوم عندما كانت الدول العربية متحدة، إستطاعت أن تأخذ قرارا أحدث الرعب للولايات المتحدة وحلفائها، فقد خفضت انتاج النفط بنسبة خمسة بالمائة شهريا، وعاقبت الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها في حرب أكتوبر، وطالبت الكيان بالعودة إلى حدود السبعة وستين، وسعت بريطانيا إلى التنصل من التحالف مع الولايات المتحدة، وقطع الإسلحة عن الكيان خوفا من الموقف العربي، عندما كان هناك موقف عربي. السياسة هي فن المصلحة والواقع، عندما تفرض عليك الظروف الإنسحاب من فيتنام تنسحب، حتى عندما لا تستطيع تحقيق نصر عليك أن تنسحب، بغض النظر عن النتائج،وهكذا حسب ما يرى هذا الثعلب، تستطيع أن تترك المستنقع قبل أن تغرق فيه.
وهنا إستذكر ما قامت به المقاومة الفيتنامية ( الفيت كونغ )، لقد ذكر كيسنجر في مذكراته أنه شعر بالإحباط واليأس، ووقعت الفرق الأمريكية المفاوضة في بئر عميق، لم يستطيعوا أن يفرضوا أو أن ينتزعوا من هؤلاء موقفا ولا تنازلا، كانت كل الحلول والطروحات التي تضعها الفرق الأمريكية المفاوضة على الطاولة، تقابل بموقف ثابت صارم لا يقبل التنازل ولا حتى التفكير بالتنازل. كان خطابهم يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بـ ... ، يقول كيسنجر شعرنا بالنصر عندما قبلوا تغيير العبارة بـ يجدر بـ بالولايات المتحدة القيام بــ ، لقد تلاعبوا بنا نفسيا وعقليا، يقول كيسنجر إن الصفات الطيبة (والكلام له، وهذه الصفات الطيبة رأيناها جيدا في كل الدول التي تم إحتلالها من قبلهم، ولن يكون أخرها غزة ) التي كان يتحلى بها الأمريكان، كان يقال لها إرادة خير وتسامح، هذه صفات تدعو لإحتقارها من قبلهم، كان طرحهم إنسحاب كامل غير مشروط وسقوط الحكومة العملية.
ومع هذا هل تتراكم تلك التحركات الإيجابية في الكون، لتنمو مثل نبتة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، هذا حقا ما أؤمن به، نعم لا يذهب الخير في الأرض، ولا الصمود والثبات على المبدأ، ولا مقاومة الظلم ولا الإنتصار للمظلوم ، كل هذه لا تذهب سدى. لقد إستطاعت السياسة الإمريكية النجاح في شق الصف العربي وخلق الصدع، وسعي كل دولة من الدول العربية للبحث عن مصالحها والتفاوض وحدها، والخوف من الآخر والتنازلات التي قد يقدمها، فعندما كانوا يتفاوضون معا، كانت هناك قوة، وكان من الممكن أن تحصل هذه الدول على بعض حقوقها، ولكن مع هذه الطريق، ضاعت القوة وضاعت الحقوق، وحصل الكيان على ما يريد.
لم تكن قوة الكيان يوما هي العائق في التعامل معه، ولكن دائما هناك كلب أكبر يتولى حراسته، في البداية كانت بريطانيا هي التي فرضت التقسيم، وقامت بتوزيع الجوائز والمكاسب والمقاعد بناء على من يوافق يأخذ، ومن لا يوافق لا يأخذ، ولذلك أخذ البعض وحرم البعض، في تلك التقسيمة التي قادتها بريطانيا من خلال وعد بلفور والذي كان معاد للسامية، ولكن في هذه الخطوة وتحقيقا لمصلحة بريطانيا في إيجاد قوة متقدمة في العالم الإسلامي تمنع إتحاده، وتخلق حالة من الفرقة والخلاف فيه، وفي التخلص من هذه الفئة المكروهة محليا وهي اليه ود.
لم يكن اليه ود في يوم محل ترحيب في أوروبا، فقد كانوا محل كراهية وبغض، وكانت أخلاقهم دائما قائمة على مصالحهم، ولا صديق لهم إلا تلك المصالح، فقد كانوا إقليات تتحكم بهم السلطات الفاسدة والمال والعصابات، وتتولى كل الأعمال القذرة من الدعارة إلى التجارة إلى الربا، إلى عصابات تحمي هذه الفئة أو تلك الفئة، ولذلك لم يتكاثروا إلا بعد أن دخلوا ضمن روسيا، وشعروا بالأمن في ظل القيصر، حيث تم التعامل معهم على أنهم مواطنون، وبذلك تضاعفت أعددهم إضعافا في هذه الفترة، وأصبحوا مشكلة حقيقية.
لقد سمحت لهم بريطانيا في الإستيطان، وحمتهم بالقوة والسلاح ومنحتهم كل شيء السلاح والدعم والمال والقرار الدولي، وحاربت أهل فلسطين ومنعتهم من الحصول على السلاح ، ولاحقتهم بالسجن والنفي والقتل ومنع التجمع، وشيطنة مقاومة المحتل والثورات ضد البريطانيين، وضد التجمعات ال يه ودية التي كانت تُفرض بالقوة على هذا البلد.
ولكن التاريخ يقول إن صاحب الأرض المرابط والصابر ينتصر في النهاية.
إبراهيم أبو حويله ...