قانون أملاك الغائبين.. شرعنة سرقة أراضي المَقْدِسيين
الاحتلال صادر 35% من مساحة القدس الشرقية
تفكجي ل"الانباط": تفعيل القانون يهدد ما تبقى من أملاك فلسطينية
الأنباط - الاف تيسير
كعادتِه، يفصل الاحتلال الصهيوني القوانين لشرعنة السرقة، فهو مُحتل ولص في جميع التشريعات الأرضية والسماوية، لكن المؤامرة التي حيكت مطلع القرن الماضي لمنحه فلسطين وطنًا، أعطته، وما تزال، أدوات وسبلاً لقوننة السرقة.
"سرقة قانونية" هي إحدى أدوات الاحتلال الصهيوني لتصفية أملاك الفلسطينيين، ففي سباقٍ محكوم على أملاكِ المقدسيين، يعمل الاحتلال الصهيوني قوانينه الإجرامية، وأبرزها قانون "أملاك الغائبين" الذي يتجاوز عُمره النصف قرن.
وأقرَّ هذا القانون في 14 آذار (مارس) 1950، كجزءٍ من تعديلِ أنظمة الطوارئ الخاصة بأملاك الغائبين، الذين طردوا قسرًا من أراضيهم، أو هاجروا حفاظًا على أرواحهم، ومنذ دخوله حيز التنفيذ أمسى أداةً لنهب الأراضي الفلسطينية تحت غطاء قانوني.
السبعينية أم فراس تعيش صراعًا يوميًا مع تهديدات " الاحتلال، حيث تلقت مؤخرًا بلاغًا ينذرها بأن دكانها القابع في زقاق بمنطقة سوق الدباغة بالبلدة القديمة بالقدس والمغلق منذ سنوات، سيُصادر وفقًا لما يسمى بـ"قانون أملاك الغائبين" إذا لم تُعاود فتحه.
القصة ليست مجرد دكان؛ فهو إرث عائلي يعود لزوجها المتوفى، أردني الجنسية، ووالده من قبله، وأم فراس هي الوريثة الوحيدة لهذه الملكية، لكن القوانين الجائرة للاحتلال لا تعترف بهذا الحق.
والأمر لا يقتصر عليها فقط، بل يمتد لعشراتِ المحال في السوق التي يعود مُلكها لأشخاص يحملون الجنسية الأردنية، ولا يمكنهم الوصول إلى ممتلكاتهم بسبب الحواجز والإجراءات المشددة.
معاناة أم فراس تمثل قصة مئات المقدسيين الذين تهددهم هذه القوانين والتي تستهدف بالأساس تهجير الفلسطينيين من مدينتهم، وفرض واقع جديد على الأرض.
وعلى الأطراف الشرقية للمدينة المقدسة، يقف المقدسي الخمسيني أبو مصطفى عاجزًا أمام أرضه التي تمتد على مساحة 2000 متر مربع، رغم ملكيته الكاملة لها، إلا أنه غير قادر على تحصيل ترخيص للبناء عليها بسبب القوانين التعسفية المرتبطة بما يسمى بـ"منطقة الحوض المقدس".
ورغم التزامه بكل الإجراءات الرسمية للاحتلال، ودفعه ما يزيد على مليون دولار في محاولة لاستخراج الترخيص، إلا أن السلطات أغلقت ملفه بشكل تعسفي، والأكثر مرارة أن عدد من الموظفين العاملين هناك، طلبوا منه دفع مبلغ إضافي "تحت الطاولة" يقدر بـ100 ألف دولار لإتمام المعاملة، وهو ما رفضه تمامًا.
القوانين المفروضة في "منطقة الحوض المقدس" تُستخدم كذريعة لحرمان الفلسطينيين من البناء، بينما يُسمح "للمستوطنين الاسرائليين" بالبناء على مسافة تقل عن 300 متر، وهذه السياسات العنصرية تُجبر الفلسطينيين على التخلي عن البناء في أراضيهم وتركها بدون تطوير.
بالإضافة إلى ذلك، صادرت سلطات الاحتلال 20% من مساحة أرض أبو مصطفى؛ بحجة إقامة مرافق عامة وشوارع، ما يعكس خطة مدروسة لإعادة تشكيل المنطقة ديمغرافيًا.
وتُعتبر "منطقة الحوض المقدس" واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا من الناحية القانونية في القدس الشرقية وهذه المنطقة تمتد على بعد كيلومتر واحد من البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وتشمل أراضٍ يُفرض عليها قيودًا صارمة تمنع الفلسطينيين من البناء أو التطوير، بينما تُمنح تسهيلات واسعة "للمستوطنين الإسرائيليين"، حيث يتم رفض معظم طلباتِ البناء المقدمة من الفلسطينيين بذريعة الحفاظ على "الطابع الديني والتاريخي" للمنطقة.
المطالب التعجيزية لإثبات الملكية التي تضعها سلطات الاحتلال هي مستندات قديمة يصعبُ الحصول عليها، مثل وثائق تعود لفترات ما قبل النكبة، ما يعيق إمكانية تقديم طلبات ترخيص البناء، وعلى المستوى الإجرائي تم إلغاء إجراءات "المختار" الذي كان يمتلك صلاحية إصدار الشهادات التي تُستخدم لتوثيق ملكية الأراضي بشكلٍ تقليدي ومقبول، إلا أن إلغاءها صعّب على الفلسطينيين إثبات حقوقهم في الأراضي التي يعيشون عليها منذ عقود.
بالإضافة إلى الأراضي غير المسجلة بسببِ الأحداث المتتالية في الأراضي الفلسطينية، مثل حرب 1967، بقيت العديد من الأراضي في القدس الشرقية غير منظمة أو مسجلة رسميًا، ما يزيد من تعقيد الإجراءات على الفلسطينيين، رغم أن الاحتلال الصهيوني هو من يجب أن يتحمل مسؤولية هذا الوضع.
وكشفَ الخبير في شؤون الاستطيان الدكتور خليل التفكجي لـ"الأنباط" أن هذا القانون يستخدم كجزء من سياسة الاحتلال الرامية لإنهاء الوجود الفلسطيني في القدس، موضحًا أن "إسرائيل" استخدمت مجموعة كبيرة من القوانين منذ عام 1967 حتى اليوم، وسيطرت على نسبة 87% من مساحة القدس الموسعة، التي تضاعفت من 6.5 إلى 72 كيلو مترا مربعًا.
ومن بين هذه المساحات، صادرت 35% من مساحة القدس الشرقية (ما يعادل 24 كيلو مترا مربعًا) بذريعة "المصلحة العامة"، بينما تم تخصيص 52% كـ"مناطق خضراء"، يُمنع الفلسطنيين البناء عليها ليبقى للفلسطينين 13% من الأراضي.
وبحسب القانون الدولي، فإن وجود إسرائيل في القدس الشرقية غير قانوني، كما أكدت الأمم المتحدة في قراراتها أن أي تغيير في الوضع الديموغرافي أو الإداري للمدينة يُعتبر باطلاً وغير معترف به.
وأوضح التفكجي أن قانون أملاك الغائبين لايطبق فقط على من هجروا قسرًا، بل أيضًا على أملاك الفلسطنيين المقيمين بالخارج أو في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وأضاف أن القانون يشمل الأملاك غير المسجلة رسميًا أو تلك التي لا يستطيع أصحابها تقديم إثبات ملكية وهو أمر معقد نتيجة قرارات الاحتلال التي لا تعترف بالوثائق الفلسطينية مثل "الطابو"، مبينًا أن القانون ليس بالجديد وطُرح عام 1950، وفي قت سابق تم مصادرة أكثر من 96% من مساحة أراضي فلسطين التاريخية.
وأشار التفكجي إلى أن القانون يمنح ما يسمى بـ"حارس أملاك العدو" صلاحيات واسعة تتيح له السيطرة على المنازل والعقارات الفلسطينية بل والدخول كشريك قانوني فيها.
واختتم التفكجي قائلاً "مات الأجداد فجاء الأبناء ومات الأبناء وجاء أبناء الأبناء وجزء كبير من الأبناء هم موجودين بالخارج، المعضلة الكبرى في القدس القديمة أن 40% هي أملاك خاصة؛ وجزء كبير من أصحابها يسكنون في الخارج وجزء آخر لم يجرِ عليها أعمال تسوية مثل (قرية العسوية، الطور، جبل المكبر، سور بائر، شرفات) لم تخضع لأعمال تسوية منذ الفترة الأردنية ما يجعلها عرضة للمصادرة تحت ذرائع واهية.
وحذر التفكجي من أن تفعيل هذا القانون يهدد ماتبقى من أملاك فلسطينية داخل حدود بلدية القدس، داعيًا إلى التمسك بالحقوق التاريخية رغم التحديات الكبيرة التي يفرضها "الاحتلال".