هل يغادر أيمن الصفدي الفريق الحكومي ؟
احمد الضرابعة
تُشير أوساط مطلعة إلى احتمال مغادرة وزير الخارجية أيمن الصفدي منصبه في التعديل الوزاري المتوقع، ورغم عدمِ تأكيد أو نفي ذلك رسميًا حتى الآن، إلا أن الظروف الموضوعية تدعم هذا الاحتمال، فالتغييرات القادمة، على المستويين، الإقليمي والدولي، تستدعي القيام بتعديلات تكتيكية، تنقل الأردن إلى مساحةٍ آمنة، وتمنحه القدرة على الصمود في وجه العاصفة "الترامبية" المنتظرة، حيث سيؤدي تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، إلى تجدد مخاوف الأردن إزاء مصالحه الحيوية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، والأفق الذي سيمنحه لنتنياهو لاستكمال مشروعه في الضفةِ الغربية على حساب الجغرافيا والديموغرافيا الأردنية، وهي من جملة الملفات الحساسة التي دفعت الأردن للانتقال إلى دائرة الفعل والاشتباك الدبلوماسي في المرحلة السابقة، وهو نهجٌ متطور فرضته طبيعة المرحلة ومتطلباتها، وقد نجح أيمن الصفدي في التعبير عنه، بفضل خطابه الدبلوماسي القوي الذي يثير استياء إسرائيل وحلفائها، إلى جانب جولاته المكوكية المكثفة لإدانة جرائمها المستمرة، وسعيه الدؤوب لحشد التأييد الدولي لوقف عدوانها المستمر على غزة، ودعم حل الدولتين، وهو ما دفع مستشارون مقربون من الرئيس الأميركي ترامب لتوجيه النصح للأردن عبر القنوات الدبلوماسية بأن يركز في المرحلة المقبلة على مصالحه وتحدياته الذاتية، وألا يبالغ في انتقاد إسرائيل والحديث بشكل زائد عن فلسطين.
إن الحالة الدبلوماسية التي صنعها وزير الخارجية أيمن الصفدي في المحافلِ الدولية، عبّرت عن اتجاهه الصقوري في مواجهة السياسات الإسرائيلية المتطرفة. غير أن هذه المرحلة من التصعيد الدبلوماسي التي لمع فيها نجمه، تقترب من نهايتها، وهو ما يتطلب اتخاذ خطوات مهمة في إطار التكيف مع المرحلة التي تليها، والتي قد تشهد تسويات بهدف الوصول إلى حلول جذرية للقضايا الإقليمية النشطة، مثل الملف الفلسطيني، ونفوذ إيران ومشروعها النووي، وسورية الجديدة، والميليشات المسلحة في العراق، وبالتالي، فإن تغيير وزير الخارجية ليس مستبعدًا، وإن تم، فهو جزء من خطة أوسع لتقليصِ الضرر الذي يمكن أن ينتج عن استمرار التصعيد الدبلوماسي الأردني ضد إسرائيل وحربها المستمرة على غزة، واستباحتها الأراضي السورية واللبنانية.
ولا يعني ذلك أن الأردن سيتخلى عن مواقفه بطبيعة الحال، فسياسته الخارجية تستند على مرتكزات واضحة وثوابت وطنية صلبة، لكنه يحتاج لخلق مساحات جديدة، تُمكّنه من الموازنة بين مصالحه الوطنية المختلفة.
أخيرًا، إن مرونة السياسة الخارجية الأردنية، وقدرتها على مواكبة المستجدات والتناغم معها، واستجابتها الناجحة للتحديات الفرص، لطالما مكّنت الأردن عبر التاريخ، من تجاوز المنعطفات السياسية الحادة، والوقوف بثبات أمام الأزمات الإقليمية والدولية، وسواء أغادر وزير الخارجية أيمن الصفدي منصبه أم بقي فيه، سيذكره التاريخ الأردني كرجل دولة، احترف العمل الدبلوماسي ودافع عن مصالح بلاده في أصعب الظروف، وستظل الثوابت الوطنية والسياسات الراسخة التي يعتمدها الأردن على حالها، والتغييرات إن حدثت، ستكون تكتيكية، لا أكثر، وقد تتعدد وسائل الأردن إلا أن الهدف الثابت والأسمى سيبقى كما هو، حماية المصالح الوطنية الأردنية.