نظرية فام فان دونغ صحيحة...
لمن يهتم بالخسائر البشرية أن يعيش بقلب مكسور في هذا العالم البغيض، للأسف الدول العظمى لا تهتم، حتى بالخسائر التي تحدث من طرفهم، وهذه العقلية هي التي تخطط للسياسة الخارجية الأمريكية وقبلها الأوروبية ومنذ عقود، وهي تجعل من أبنائها وقودا لهذه الحروب التي تقودها بسبب حب السيطرة، وبسط السلطة والسطو على ثروات العالم.
لكنها تعلم تماما بأن هذا هو الثمن الذي يجب أن تدفعه حتى تسيطر على العالم، لقد كانت اوروبا ومن بعدها المانيا ومن بعدها روسيا والحلفاء مستعدون لدفع هذا الثمن، وما فعلته المانيا هو التضحية بأجيال كاملة بسبب ذلك، وما تفعله أمريكا اليوم هل يأتي بدون ضرائب، ام أن هذه السياسة التي تنتهجا الولايات المتحدة تأتي مع ضريبة بالغة، مالية وفكرية وسياسية وبشرية.
ولكن في المقابل هذه السياسة هي التي تقوم عليها إقتصاديات هذه الدول، التي بنت منظومة كاملة على أساس الحرب، والإحتلال وبسط القوة والسيطرة، ولذلك هل تستطيع أن تقوم بما تقوم به بطريقة مختلفة، لا أعتقد ذلك، وهذا ما أشارت إليه الصين صارحة، بأن الإستراتيجية الصينية مختلفة، وتقوم على أساس مختلف، نعم هي ديكتاتورية بشكل مطلق داخيا، ولكنه منفتحة خارجيا وتتعامل على إحترام الاخر وحدوده وحريته فيما يفعل وكيف يفعل، وهنا الطريقة التي فرضت بها هذه الثلة من رعاة البقر الأمريكان رؤيتها على العالم هل هي إلى زوال، وهل يضج العالم قديما وحديثا تحت وطأة هذه الإستراتيجية.
بالأمس وقف هنري كسينجر ثعلب السياسة الإمريكية أو شيطانها لا فرق عندي، مع فام فان دونغ القائد الفيتنامي وهو يئن تحت نظرة هذا الرجل لهم، وكلماته المعدودة والدقيقة وهي تسلخ جلده، وهو لا يملك معها حول ولا قوة.
يقول كيسنجر في مذكراته " ان فام فان دونغ، عنيد وقاس، وقد غشى افكارنا، وحتى ضمائرنا أحياناً، خلال السنوات اللاحقة فكم أحيت آراؤه من أمال في الرأي العام، وخيبت آمال الحكومة " يقصد حكومة الولايات المتحدة". وألغى في بداية عام ۱۹۷۲ بمنطق غير مقبول كل فكرة توحي بتسوية" ويقول عنه " انسحب بلباقة. وجعلني وكأني أناطح صخرة" ويقول " إن قوّة حجته على طاولة المفاوضات كانت قادرة على إغاظة أياً كان، وكنت في الوقت نفسه أكبر فيه، حدّة ذهنه وذكاءه، وانتظامه القوي. طوال كل هذه السنوات من التفاوض معي" ويقول" ولقد وجدت بيني وبين هذا الثائر العنيد العقائدي، علاقة غير عادية من خلال لقاءاتي السرّية في باريس طوال أربعة أعوام. كان يُبدي لي بعض الكراهية، بصفتي ممثلا لقوة امبريالية تسعى أن تسلب من فيتنام الشمالية اراض الهند الصنينة ".
من هذه المقتطفات من مذكرات كيسنجر تقف على حقيقة الديالكتا الداخلية، والتي هي بصورة اخرى صراع داخلي بين فكرتين تتصارعان للوصول إلى أيهما الأصوب، وكأن كل واحدة منهما تسعى بقوة حجتها ومنطقها أن تفرض نفسها في النفس، هل هو الصراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل، ام هي جدلية الحياة المستمرة للوصول إلى الحقيقة، لقد ضرب دونع حتى أعتى المفكرين والسياسين الإستراتيجين في تاريخ الولايات المتحدة بقوة في قناعته واعتداده بنفسه وفكرته، بثباته اي دونغ على فكرته وتصميمه المنقعط النظير عليها حتى النهاية.
يقول كيسنجر" لا يغيب فام فان دونغ، عن مخيلتي منذ شهر كانون الثاني من عام ١٩٦٧ بمناسبة المقابلة العظيمة، التي جاد بها لهاريسون ساليسبوري، من صحيفة نيويورك تايمز ليبين له حينذاك، كيف ان هانوي تأمل الإنتصار على أعظم قوة عالمية. وأكد دونغ في هذا اللقاء، ان تباين القوات خداع، لأن الفيتناميين الشماليين مستعدون للقتال طوال أجيال، في حين أن التفوّق الأمريكي المادي، لن يدوم سوى ردح من الزمن محدود جداً. ويكفي ان يصمدوا أكثر منا . ولقد أثبت المستقبل ان نظرية فان دونغ كانت صحيحة، ساعدها في ذلك إستراتيجية أمريكية، تدفع بحلول عدّة، جعلت موقفنا الأخلاقي متهماً من قبل الحلبة الدولية" .
هل تغير الموقف هنا في فلسطين يا أمريكا أم ما زال الموقف هو نفس الموقف، صراعات هذا البلد في أماكن مختلفة من العالم عبر عقود من الزمن، تحمل نفس الفكر وتواجه بقوة العقيدة فقط، ولن تهزمها إلا هذه العقيدة التي تسكن النفوس، فتجعل التضحية في سبيل ما تؤمن به هي السبيل الوحيد للخلص من هذه العبودية، من هذا الإحتلال من هذا الإستعمار الذي تحميه الولايات المتحدة، من أجل مصالحها وعلى حساب إبنائها، وحلفائها وسيل دماء جارف من الإنسانية.
من اجل هذا الإله الذي تعبده فئة منهم، وتحاول إن تحمل البقية والعالم على الخضوع له، وهو القوة والسيطرة والسلطة المطلقة على العالم، وهنا يقف لها مجموعة حتى من إبناءها فمن تشاومسكي إلى ميرشايمر إلى غيرهم الكثير، الذين يحاولون إن يعيدو هذا المارد إلى قمقمه، ولكن كل هذا لن يأتي بدون دماء والكثير من الدماء للإسف.
إبراهيم إبو حويله ...